مجلة العودة

صفحة من كتاب: أسباب الكارثة الفلسطينية

أسباب الكارثة الفلسطينية

الأسباب البعيدة

نلخص الأسباب العاجلة المباشرة لكارثة فلسطين التي أصابت الأمة العربية كلها، أما الأسباب البعيدة فتعود إلى ضعف بنية الأمة العربية ضعفاً يرجع إلى ما اعتور أخلاقها القومية من وهن بسبب السيادة القومية مدة طويلة، وما سيطر عليها من عصبيات إقليمية وقبلية وأسرية، وما تفتقر إليه من روح النظام والضبط، وما يعوزها من فضيلة التكافل الاجتماعي، تلك التجزئة جعلت منهم دولاً عديدة، وما تعودوه من أخذ الأمور بارتجال والعزوف عن الدرس، وعن الأساليب العلمية والفنية الحديثة، وما سيطر على أساليب الحكم على أنظمتهم الاجتماعية من رجعية ورثناها عن أدوار الانحطاط، أضف إلى هذا الجهل وعدم التنظيم الاقتصادي والنقص في الدعاية وتقدير قيمتها.

الأسباب الخارجية

ولسنا نتحدث عن الأسباب والعوامل الخارجية للكارثة ومسؤولية بريطانيا والولايات المتحدة؛ وهيئة الأمم المتحدة مما وردت تفصيلاته في هذا الكتاب، وإنما يعنينا الآن أن نسرد الأسباب المباشرة التي تتحمل الأمة العربية ذاتها تبعتها.

الأسباب المباشرة

أولاًّ: عدم القيام بتعبئة كلية تجند فيها الأمة العربية جميع قواها العسكرية والاقتصادية والسياسية داخلاً وخارجاً من أجل النصر، فالبلاد العربية لم تستخدم في الأغراض الحربية إلا جزءاً ضئيلاً من ممكناتها ومواردها، ولم تكن موازناتها موازنات حرب، ولم تفرض على الناس فيها ضرائب تقتضيها حالة الحرب، فكأنها لم تكن في حالة حرب مع عدوها، ولم تتح فيها للشعوب أن تشارك المجهود الحربي المشاركة التي تقتضيها خطورة المعركة، مع أن الشعب هو الجهة الخلفية للقتال وهو ذاته القوة الدفاعية الظهيرة التي لا تجدي بسالة جيشه بغيرها نفعاً، ومن المفروض في حرب فلسطين أن تكون حرب الشعوب العربية بكامل طاقتها، أما اليهود فقد أخذوا المعركة مأخذ الجد أكثر مما فعل العرب واعتبروها معركة حياة أو موت لهم، وقد جعلوا التجنيد إجبارياً على كل قادر وقادرة على الحرب والعمل، ومواردهم وكفاياتهم كلها معبأة، والضرائب تفرض عالية واستثنائية، والتموين بالبطاقات، وكان كل فرد فيهم مشتركاً في الكفاح على الصورة المرسومة له.

ثانياً: فقدان القيادة العسكرية الموحدة، ومعنى هذا فقدان عنصر التنسيق بين الحركات العسكرية والأداة التي تضمن التعاون الوثيق بين الجيوش العربية، فظلّ كل جيش أن يبقى مستقلاً في خططه وعملياته استقلالاً حرم المعركة مزية الانسجام بين جيوش متعددة لدول متعددة، مما أدى لمخالفات لمقتضيات الحرب جرّت إلى نتائج وخيمة.

ثالثاً: عدم تقدير حقيقة قوة العدو وجهل التفاصيل من شؤونه العسكرية والاستهانة به وبقوته، وذلك بسبب ضعف الأداة الاستعلامية ضعفاً أدى إلى عدم الإحاطة بالوضع العسكري لفلسطين، مع أن معرفة حقيقة الخصم وحسبان حسابها من العناصر الأساسية لكسب النضال.

رابعاً: إرسال قوات عسكرية ضئيلة إلى الميدان لا تناسب ممكنات الأمة العربية، مع أنه كان لا بد من قذف الجبهات بقوات كافية لكسب نصر عاجل ساحق.

خامساً: عدم الاستعداد الكافي لهذه المعركة المنتظرة منذ أمد بعيد، وقد كانت جميع الظروف تنذر بوقعها لا محالة، وما كان من استعداد سابق إنما سار ببطء وارتجال مما يدل على أن الإحساس بالخطر اليهودي لم يكن عميقاً عمقاً كافياً في البلدان العربية، ولم يكن تقدير القوة هذا الخطر على كيان العرب ومعاشهم بالغاً الدرجة التي تحملهم على إعداد ما استطاعوا من قوة، فكان النقص في العتاد وفي السلاح، ولا سيما الجوي، بارزاً مؤثراً في مصير المعركة.

سادساً: عدم الاستفادة الكافية من ممكنات الكفاح والفداء لدى الفلسطينيين بتجنيدهم وإمدادهم بوسائل القتال وعدم المبادرة إلى تنفيذ ما اتخذته الجامعة في هذا الشأن، وقد برهنت ثورات فلسطين ونضال الشعب الفلسطيني خلال ثلاثين عاماً على روح نضالية باسلة.

سابعاً: تأخر المشاركة العسكرية الفعالة للجيوش العربية في فلسطين.

ثامناً: قبول العرب الهدنة الأولى بتأثير الضغط الأجنبي، وذلك حين كان الوضع العسكري العربي جيداً، والتقيد التام بالتزاماتهم، متجاهلين ما للأمر الواقع من أهمية وعدم الاستفادة من فترتها، وبعد الهدنة الثانية، لاستكمال النواقص تسلحاً وحشداً، وهذا مع الاعتراف بأن الحظر الدولي لمنع التسليح لم يطبق فعلاً إلا على العرب فقط، أما اليهود فقد أتاحت لهم الهدنة أن يتقووا وأن يتزودوا بالسلاح وأن يجلبوا الطائرات والضباط المدربين.

صفحات (284-285-286) من كتاب (القضية الفلسطينية) للكاتب الفلسطيني الراحل أكرم زعيتر