مجلة العودة

صفحة من كتاب: مكتبة المسجد الأقصى

مكتبة المسجد الأقصى
 
صفحة من كتاب «دراسات في التراث الثقافي لمدينة القدس» - فصل المؤسسات التعليمية والمكتبات في القدس، إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت، صفحة 296 – 299.
تُعدّ هذه المكتبة من أهم المكتبات الإسلامية في المدينة المقدسة من حيث مقتنياتها العلمية الفريدة، ومخطوطاتها النادرة التي أهديت إليها من كبار العلماء والحكام وأثرياء الأمة، التي كانت تشتمل على أمهات الكتب في الحديث والتفسير والفقه والتاريخ والحساب والميقات والمنطق، فضلاً عن علوم العربية، إلى جانب مؤلفات المدرسين الذين عملوا في المسجد الأقصى على مدى العصور.
 
لقد كان المسجد الأقصى من أهم المعاهد العلمية في الحضارة الإسلامية، وعماد الحركة الفكرية في بلاد الشام، فقد كان ملتقى للعلماء وطلبة العلم من مختلف أرجاء الدولة الإسلامية. ويروي حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، أنه في أواخر القرن الخامس الهجري كان في المسجد الأقصى 360 مدرساً، إلى جانب مئات القراء الذين نطالع أسماءهم في سجلات المحكمة الشرعية في القدس، فضلاً عن وثائق الحرم القدسي الشريف ومحفوظات العائلات المقدسية، ما جعل مكتبة الأقصى تحتل مكانة خاصة في العالم الإسلامي.

ولعل من أوائل الإشارات الموجودة، التي تتحدث عن خزانة المسجد الأقصى تعود إلى القرن الثالث، عندما أشار ابن الفقيه ت290هـ/ 902م في كتابه «البلدان» أنه كان في المسجد الأقصى على عهده 16 تابوتاً من المصاحف المسبلة. ويبدو أن نقطة التحول الكبرى في هذه الخزانة كانت في سنة 583ه/ 1187م عندما حررت القدس من أيدي الصليبيين، وأحضر صلاح الدين الأيوبي من مكتبة دمشق العديد من المصاحف والكتب ووضعها في خزانة المسجد المحرر، وأوقف على هذه المصاحف الأوقاف لمداومة قراءتها في الصباح والمساء. وسار على هدي صلاح الدين من جاء بعده من الحكام والسلاطين والولاة، الذين تباروا في تعزيز هذه الخزانة بالمصاحف والكتب إيماناً منهم بأن تعزيز هوية المدينة المقدسة بالثقافة الإسلامية لا يقل عن أهمية تحصين قلاعها وحصونها وأسوارها. فها هو السطان أبو سعيد عثمان بن أبي يسوف المريني، سلطان المغرب يهدي إلى خزانة المسجد الأقصى مصحفاً شريفاً في غاية الروعة والجمال، قام بكتابته بيده وأوقف عليه أوقافاً لقراءته في المسجد الأقصى سنة 745 ه/1344م، هذا إلى جانب عشرات المصاحف التي أوقفها كل من سلاطين المماليك والعثمانيين مثل الظاهر جقمق، والأشرف أنيال، والأشرف بارسباي، والظاهر خشقدم، والسلطان سليمان القانوني، والوزير العثماني سنان باشا، وناظر الحربية العثماني أنور باشا وغيرهم.

بعد صدور وعد بلفور سنة 1336 ه/ 1921 م، الذي كان من ضمن قراراته إنشاء مكتبة الأقصى لحفظ كنوز المدينة المقدسة من الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة، وكان مقرها في بادئ الأمر في القبة النحوية، تحت اسم دار كتب المسجد الأقصى، وذلك في 12 ربيع الأول سنة 1341 ه/ 1922 م. وكانت المكتبة تشتمل في سنة 1927 حسب قول الأستاذ عارف العارف على 1800 كتاب ومخطوط، ثم نقلت إلى المدرسة الأسعروية شمال المسجد الأقصى. وفي سنة 1929 صارت فرعاً من المتحف الإسلامي في القدس، لكنها بقيت معلقة أمام الجمهور حتى سنة 1976، حيث أعادت دائرة الأوقاف الإسلامية افتتاحها تحت اسم مكتبة المسجد الأقصى. وفي سنة 1978 نقلت من جديد إلى المدرسة الأشرفية السلطانية التي بناها السلطان الأشرف قايتباي في الحرم الشريف، وفتحت أبوابها للجمهور، وقد ذكر أمينها أن عدد محفوظاتها حوالى 14 ألف مجلد.

وكانت موارد مكتبة الأقصى من بقايا دار كتب المسجد الأقصى، ويبلغ عددها في السجلات نحو أربعة آلاف كتاب معظمها فُقد، ومكتبة الشيخ خليل الخالدي التي كان مجموع ما فيها حسب الحجة الوقفية 3480 كتاباً و500 مخطوط، وصل منها 759 كتاباً ومئة مخطوط، ومكتبة الشيخ صبري عابدين التي كانت تشتمل على 442 كتاباً وصل مكتبة الأقصى منها 304 كتب. وقد تنادى علماء الأمة من مختلف أرجاء العالم العربي لدعم هذه المكتبة ذات الخصوصية في نفوس أبناء الأمة، لكونها تحمل اسم المسجد الأقصى، فأهدى إليها علماء مصر مثل أحمد زكي، ومحمود تيمور، وعلماء فلسطين مثل مي زيادة، وعلماء سورية مثل رفيق العظم، وعلماء العراق مثل رشيد عالي الكيلاني، والشاعر الرصافي وغيرهم، حتى بلغ عدد الكتب المطبوعة 20 ألفاً في مواضيع متنوعة مثل اللغة العربية والتاريخ والسير والآثار والفقه والأصول والتفسير والحديث وعلوم القرآن وأصول الدين والتصوف والفلسفة والمنطق والجغرافيا والحساب. أما عدد المخطوطات فبلغ 1500 مخطوطة، قام أمين المكتبة الأستاذ خضر إبراهيم سلامة بفهرستها في ثلاثة أجزاء، طبع الجزء الأول سنة 1980، وصدر الجزء الثاني سنة 1983 بدعم من مؤسسة آل البيت في الأردن.

وقد أثنى الأستاذ محمد كرد علي على مكتبة الأقصى وعلى ما تحويه من نوادر الكتب والمخطوطات فقال: «ومن أهم الخزائن في الشام خزانة المسجد الأقصى في القدس» وذكر من نفائسها كتاب «نشق الأزهار في عجائب الأقطار» للمؤرخ المصري ابن إياس ت 930 ه/ 1524 م، والمخطوط «تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم»، لأبي بكر الخطيب علي بن ثابت البغدادي ت 464 ه/ 1072 م، ومخطوط «طبقات الشافعية» لتقي الدين ابن قاضي شبهة الدمشقي تـ851 ه/ 952 م، ويرجع أن المخطوط يرجع إلى القرن الخامس أو أوائل القرن السادس الهجري.