مجلة العودة

معاملة مصر للفلسطينيين هل يكون التغيير بحجم الثورة؟

معاملة مصر للفلسطينيين

هل يكون التغيير بحجم الثورة؟

 محمد حسين /القاهرة
 

"تعدّ هذه الوثيقة ذات شأن عظيم (...) كذلك فإنها لا تخوّل حاملها دخول جمهورية مصر العربية أو المرور منها إلا إذا حصل على تأشيرة دخول أو مرور أو تأشيرة عودة". انتبهوا جيداً إلى "لا تخول". هذه العبارة بالحرف مكتوبة على الصفحة الأخيرة من وثيقة السفر المصرية للاجئين الفلسطينيين، وثيقة السفر المصرية أي الممنوحة من مصر والصادرة عن مصلحة الجوازت فيها.

بعد احتلال فلسطين عام 1948 تدفق أبناء الوطن الجريح مهاجرين الى دول الجوار العربي، فاستُقبلوا حيثُ نزلوا استقبال المنكوبين في بلدهم المحتاجين يدَ العون المعنوي قبل أي شيء آخر، فُتحت لهم البيوت وقُدّمت لهم المساعدات.

الاستثناء الوحيد من هذا التعاطف العربي كان حكومة محمود فهمي النقراشي في مصر، التي وضعت كل من لجأ إليها من الفلسطينيين تحت حصار خانق ويُقال تحت حجرٍ صحّي، ثم سمح النقراشي باشا بعد ضغوط كبيرة لكل فلسطيني يمتلك أكثر من عشرة آلاف جنيه فلسطيني بالخروج من الحَجْر، وألحق النقراشي قراره هذا بقرار حظر تشغيل الفلسطينيين، حتى ولو كان العمل دون أجر.

جمال عبد الناصرعام 1954، ساوى بين الفلسطينيين اللاجئين إلى مصر والمصريين، في كل الحقوق المدنية، وفي اجتماع الدار البيضاء 10 سبتمبر عام 1965 تبنى مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية قراراً بشأن معاملة الفلسطينيين في الدول المضيفة معاملة مواطني تلك الدول من الناحية المدنية، وجاء في البند الخامس من البروتوكول ما نصه: "يعامل الحاصلون على هذه الوثيقة في أراضي دول الجامعة العربية معاملة رعايا دول الجامعة بشأن التأشيرات والإقامة".

بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد أمر السادات بمعاملة أبناء فلسطين معاملة الأجانب، وفي عهد مبارك استمرت سياسات اضطهاد الفلسطينيين في سياق رفع مستوى خدماته للدول التي تدور في الفلك الأميركي، كي يضمن موافقتهم على التمديد ثم توريث الحكم لابنه جمال.

لن نبحث في أسباب ودوافع كل قرار مما سبق؛ ونكتفي بالإشارة إلى أن أبناء فلسطين في مصر عانوا من تشريعات جائرة في كل مجالات حياتهم، وخصوصاً السفر والإقامة والعمل والتعليم، كذلك تجرّد دخول الفلسطينيين إلى مصر من مضمونه الإنساني وصارت القضية خاضعة بالكامل لمتغيرات العلاقة بين القيادة السياسية في مصر وفلسطين.

موضع الشاهد من كل ما سبق وذكرته أنّ تغيير الحكام في مصر كان يؤدي في كل مرة إلى تغييرٍ في وضع الفلسطينيين والتعامل معهم، فلماذا يكون مرسي استثناءً؟

أكاد أزعم أنّ الفلسطينيين كانوا أشد فرحاً بالثورة المصرية من المصريين أنفسهم، وفي شهر يناير قبل عامين كنت شاهد عيان وصحفياً غطّى الوقفة التضامنية التي احتشد فيها الفلسطينيون من أبناء مخيم اليرموك أمام السفارة المصرية في حي كفرسوسة بدمشق نصرةً ودعماً للثوار في ميدان التحرير، وكيف قابل الأمن السوري هذه الوقفة بالعصي والهراوات.

أعود من حيث بدأت وأتّخذ من قضية الظلم الواقع على حملة الوثائق المصرية مدخلاً لجملة مطالبات صارت ملحّة ومصيرية في ظل الظروف العصيبة التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني في سورية:

يجب ابتداءً إلغاء كل القوانين الاستثنائية الجائرة التي سنّها السادات ثم زاد عليها المخلوع حسني مبارك في إطار سياسة التضييق على الشعب الفلسطيني عموماً وأهل غزة خصوصاً، فلا يليق بمصر الثورة أن تواصل العمل بقرارات خالفت الأعراف الدولية وقرارات الجامعة العربية، فضلاً عن سقوط هذه القرارات من الناحية الإنسانية والأخلاقية.

فلسطينيو سورية يعيشون حرب الإبادة ذاتها التي يشنّها نظام الأسد على شعبه، وبالتالي فإن الأصل أن يعامل فلسطينيو سورية معاملة المواطن السوري المكلوم الذي خرج من بيته تحت النار بحثاً عن الأمن والأمان. مع الإشارة إلى أنّ مِن فلسطينيي سورية حمَلة وثائق مصرية ومنهم حمَلة جوازات سفر السلطة الفلسطينية، وأغلبيتهم الساحقة من حملة الوثائق السورية، وليس أقل من السماح لهم -ولو على سبيل الاستثناء- دخول مصر دون تأشيرة.

من واجب الدولة المصرية وأحزابها الكبرى تخليص المجتمع من فكرة "الفلسطيني الشبح" الذي تصوره بعض وسائل الإعلام المصرية مصدراً لكل مصيبة تحصل في البلد. فهل يعقل أن تُصدر بعض وسائل الإعلام المصرية حكمها بإدانة الفلسطينيين في جريمة قتل الجنود الصائمين بسيناء وتهيّج الشارع المصري ثم تلتزم الصمت عندما تظهر الحقائق براءة الفلسطينيين؟ وهل يعقل أن يصبح شابٌّ فلسطيني خبرَ غلاف لبعض الصحف بمجرد أنه اعتقل مع مَن اعتقلوا في قضية الاعتداء على رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند ثم يسكت الإعلام تماماً عند تبرئته بعد التحقيق معه مباشرةً. الأمثلة على ذلك أكثر من أن تعدّ!

مشاكل مصر الداخلية كبيرة جداً، والفلسطينيون أكثر من يتمنّى لهذا البلد أن ينهض ويستعيد صدارة القرار العربي. ونتمنّى أيضاً أن نسمع قريباً بالقرارات التي تشفي صدور من عانى جور الطغاة عقوداً طويلة، وأولها وأبسطها قرار "ادْخلوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ".