مجلة العودة

عام جديد في سجل مأساة فلسطينيي العراق

عام جديد في سجل مأساة فلسطينيي العراق

ثامر مشينش - إسطنبول

عامان مضيا على الأحداث في سورية، خُطّت خلالها صفحة جديدة في سجل معاناة فلسطينيي العراق الممتدة لسبع سنوات خلت منذ تهجيرهم من العراق إثر الاحتلال الأميركي الصهيوني وإفرازاته الطائفية البغيضة.

عامان كابد خلالهما فلسطينيو العراق الألم والمعاناة دون أن يكون لهم سند أو ظهير من قبل المؤسسة الرسمية الفلسطينية ولا الفصائل الفلسطينية  أوحتى من المؤسسات الأممية من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والأونروا التي اعتمدتهم لاجئين بموجب سجلاتها.

منذ بدء الأحداث في سورية رصدنا تحرك المفوضية بالتنسيق مع الأونروا في الدفع باتجاه إغلاق مخيمات فلسطينيي العراق (مخيم الوليد) داخل العراق، (مخيم الهول في الحسكة) داخل الأراضي السورية، وهذا هدف نسعى إليه جميعاً، لكن شرط أن يكون مصحوباً بإنهاء معاناة اللاجئين وإيجاد حلول ملائمة تكفل لهم حياة كريمة وآمنة، وهذا ما أخبرنا به المفوضية عندما أبلغونا بأنهم بصدد إغلاق مخيم الهول في الحسكة داخل الأراضي السورية. لكن للأسف، كان جلّ ما يهمّ المفوضية من الأمر  مسألة إغلاق المخيم، غير آبهة لمستقبل اللاجئين ووضعهم القانوني?والإنساني، في ظل الأوضاع القلقة التي كانت تعيشها سورية.

لقد كان تعامل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والأونروا مع ملف فلسطينيي العراق كحالة استثنائية وطارئة بأن لم يُمنح فيها فلسطينيو العراق  خلالها حقوق اللاجئين من الجنسيات الاخرى التي يُمنحون خلالها الإقامة القانونية في البلد إلى حين إيجاد الحلول الملائمة لهم، ولا الحقوق الممنوحة للاجئ الفلسطيني السوري؛ فهم مسجلون في الأونروا موقتاً، وذلك لا يمنحهم أي امتيازات للحماية من الناحية القانونية ولا من الناحية الإنسانية؛ فقد تم التعامل مع ملفهم كمشروع طوارئ مهدّد بالإغلاق في أي لحظة، لا كبرنامج له أهداف واضحة ومحدد? تضع حداً لمعاناة اللاجئين. 

ومع كبر حجم المأساة في سورية وأثرها الشديد والقاسي على اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وجد فلسطينيو العراق أنفسهم أنهم أصبحوا جزءاً من مأساة أكبر، ما سبب انحسار الجانب الإعلامي عن الاهتمام بقضيتهم، رغم خصوصية وضعهم بتضاعف معاناتهم المستمرة لسنوات خلت تركت آثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية عليهم، وكذلك ضيق المساحة المتاحة لهم بالحركة باتجاه إيجاد ملاذات آمنة لهم وجدناها متاحة لفلسطينيي سورية بالتوجه إلى لبنان ومصر وليبيا، وهي غير متاحة لفلسطينيي العراق، ما جعل البعض يصل إلى حالة من اليأس تدفعه إلى البحث?عن حلول قد تحمل الكثير من المخاطر على حياته وحياة أسرته.

أما من ناحية الإغاثة الإنسانية، فقد تضاعف عدد المنكوبين، ما قلّص من حجم المعونات التي كانت تقدم لفلسطينيي العراق من مؤسسات فلسطينية فاعلة، مثل هيئة فلسطين الخيرية وهيئة إغاثة الشعب الفلسطيني وغيرهما، وذلك لتضاعف حجم المسؤوليات والأعباء الملقاة على عاتق هذه المؤسسات التي نراها مستمرة في عملها رغم كل الظروف؛ فهي بحاجة إلى الدعم والمساندة للاستمرار في عملها على نفس الوتيرة في خدمة اللاجئ الفلسطيني.

لم يخرج التوزيع الجغرافي لفلسطينيي العراق في سورية عن دائرة المخيمات الفلسطينية التي احتضنتهم، حيث الغالبية العظمى منهم والمقدرة بألفي لاجئ كانت تقطن في مخيم اليرموك مع وجود بضع وعشرين عائلة في مخيم درعا وحالات فردية في مخيمات حلب واللاذقية وحمص ومخيمات دمشق، وما يقارب ثلاثين عائلة في مخيم الهول في الحسكة. هذا ما جعلهم يتعرضون لما تعرض له اللاجئون الفلسطينيون السوريون في هذه المخيمات؛ فقد قصفت بيوتهم وهُجِّروا منها وطاولهم الخطف والاعتقال والقتل، وكان منهم الجرحى والمصابون، وشُتِّتوا إلى مناطق متباعدة في د?شق بين جرمانا وصحنايا وقدسيا ودمر، وجرى إيواء ما يقارب ألف لاجئ منهم في مدرسة مقابل مبنى المفوضية في كفرسوسة، في وضع غير إنساني مؤلم تتكدس فيه الأسر في فصول هذه المدرسة في الحد الأقل من الأدنى من الرعاية. وعلى الرغم من معاناتهم تقوم المفوضية بالضغط  والتضييق على اللاجئين وإبلاغهم أن لا حلول لدينا لكم مع استمرار تقصير المفوضية في تأمين الوضع المعيشي، ما يجعل الوضع يزداد سوءاً عمّا هو عليه، وبالتالي يدفع اللاجئين إلى المخاطرة بحياتهم وأولادهم بحثاً عن ملاذ آمن، في الوقت الذي نرى فيه مفوضية اللاجئين غير معنية?بسلامة اللاجئين وأمنهم، وهو ما تقع مسؤوليته على عاتق مفوضية اللاجئين بحمايتهم وإيجاد حلول ملائمة لهم.

إن هذا السلوك الذي انتهجته المؤسسات الأممية مع ملف فلسطينيي العراق من خلال تعاملها معه بنوع من الإهمال والتهميش، كان سببه الغياب غير المبرر للجانب الرسمي الفلسطيني عن الاضطلاع بدوره تجاه قضايا اللاجئين عموماً، وقضية فلسطينيي العراق خصوصاً، مع عجز واضح عن تشكيل اصطفاف فصائلي قادر على اتخاذ موقف موحَّد تجاه قضايا تخص اللاجئين، مثل قضية فلسطينيي العراق أو نهر البارد أو فلسطينيي سورية حالياً.  

وفي ظل هذا الغياب الواضح للجانب الرسمي الفلسطيني وانحسار الدور الفصائلي في معالجة قضايا اللاجئين، لا بد من إيجاد منظومة فاعلة تعتمد على مؤسسات المجتمع المدني وتكون قادرة على وضع خطط وآليات عملية لحل مشاكل اللاجئين وجعل قضيتهم حاضرة إعلامياً وقانونياً، والعمل بنحو حثيث على حصول اللاجئ الفلسطيني على حقوقه الأساسية كإنسان في أي مكان يوجد فيه، مع احتفاظه بأهم تلك الحقوق المتمثلة في حقه بالعودة إلى وطنه فلسطين لعل في ذلك ما يعوض غياب الجانبين الرسمي والفصائلي الفلسطيني.

كلنا أمل ألاّ ينتهي هذا العام إلاّ وقد شهدنا انتهاء الأزمة السورية، بما فيه الخير لسورية وشعبها، وبما يحقق آماله وتطلعاته نحو غد مشرق،

وأن نرى اللاجئ الفلسطيني قد حصل على حقه في العيش الكريم الذي يقربه من تحقيق أمله في العودة إلى بلده فلسطين. نأمل أن يتحقق هذا قبل  أن يضاف عام آخر إلى سجل معاناتنا. 

✽ رابطة فلسطينيي العراق♦