مجلة العودة

نكبة أشد مرارة يتجرعها فلسطينيو العراق

نكبة أشد مرارة يتجرعها فلسطينيو العراق
 
 
ثامر مشينش / اسطنبول
 
 

لن أقف على أطلال الذاكرة لأستعيد مشهد النكبة؛ فهي لا تزال حاضرة أمامنا واقعاً نعيشه، ولكن بصورة أشدّ مرارة من النكبة الأولى. ربما كانت نكبة 1948 بكل ما حملت من قسوة الاحتلال والقتل والتشريد خارج فلسطين ليجد أبناء الشعب الفلسطيني أنفسهم بين ليلة وضحاها أنهم أصبحوا لاجئين، بعد أن حملت شاحنات الجيش العراقي أبناء قرى حيفا، وأغلبهم من (إجزم وعين غزال وجبع) ضيوفاً على العراق، وغاية الكرم الذي وجدوه من حكومة العراق أن استقبلتهم ضيوفاً في خيام أو بيوت من صفيح لا تقي حرَّ الصيف ولا برد الشتاء، ولا تصلح للحياة الآدمية.     

كانت مدة هذه الضيافة ـ بحسب وعود الجيوش العربية ـ أسبوعاً، وربما زاد على ذلك قليلاً، يعودون بعدها إلى ديارهم. لكنّ هذا الأسبوع لم ينتهِ البتة، وكان أقصى المنافي التي وصل إليها اللاجئون صحراء البصرة في معسكر الشعيبة جنوباً، وفي الموصل الحدباء شمالاً، عاش اللاجئون خلالها حياة قاسية ومريرة ومعاناةً وحنيناً للوطن، ربما خفف عنهم الوطأة قليلاً وجودهم بين ظهراني إخوانهم من أبناء الشعب العراقي الكريم، وأملهم بقرب العودة إلى الوطن؛ فكل الزعامات العربية تتغنى بفلسطين وقضية فلسطين القضية المركزية وتنادي بتحرير فلسطين. كل هذا الاهتمام بقضية فلسطين لم يوفّر للاجئ الفلسطيني أبسط الحقوق المدنية والحجة حاضرة كي لا ينسى الفلسطيني قضيته، وكأن الحياة الكريمة تُنسي الناس أوطانها. ومن جهة أخرى، هل قضية فلسطين تخصّ الفلسطينيين وحدهم، أم هي قضية الأمة؟ 

كل ما ذكرنا من نكبة ١٩٤٨، على مرارته، هيّن أمام ما عاناه اللاجئون بعد الاحتلال الأميركي للعراق على أيدي أبناء جلدتهم من قتل وتشريد، ليجدوا أنفسهم هذه المرة وقد افترشوا الأرض والتحفوا السماء على أبواب الحدود العربية المغلقة بوجوههم. بل ربما هي الحالة الوحيدة التي تجد فيها مخيماً بين الحدين (التنف) بين الحدود العراقية والحدود السورية والتي عانى خلالها اللاجئون معاناة قاسية من ظروف بيئية قاسية، حرّ وبرد وعواصف اقتلعت الخيام، وأمطار أغرقت المخيمات، وثلوج أسقطت الخيم على رؤوس ساكنيها، وحرائق التهمت الخيام، وأطفال دهستهم السيارات على قارعة الطريق عندما كانوا يسعون إلى الحصول على الماء البارد في صيف شديد الحر. وكانت قمة الكرم العربي الرسمي هذه المرة السماح للمساعدات بالوصول إليهم، أو دخولهم إلى مخيم الهول في الحسكة،  لنجد المخيمات في صحراء العربية عنواناً للاجئي فلسطينيي العراق: الرويشد، الطريبيل، الوليد، التنف، الهول، وقد عجزت خلالها الدول العربية عن استضافة بضعة آلاف من اللاجئين، وألقت حملهم على كاهل مفوضية اللاجئين، لتجد فيهم ضالتها، وذلك عبرممارستها إذلالهم وتشتيتهم في كل بقاع الأرض. 

أصبحت حدود المنافي الجديدة من تشيلي إلى البرازيل إلى أميركا وكندا وآيسلندا ومعظم أوروبا، إلى الهند وماليزيا وإندونيسيا وأوستراليا إلى نيوزيلندا، كل ذلك لبضعة آلاف من اللاجئين أصبحت خلالها العائلة الواحدة تتوزع على أكثر من بلد، بل ربما في قارات مختلفة. أما الأسبوع الذي كنا نأمل خلاله العودة إلى فلسطين، فاتحين محررين، فقد تحول إلى أربع سنوات أو تزيد، لنحصل خلالها على جنسية بلد اللجوء، نستطيع على أثرها الدخول إلى فلسطين، لكن غرباء عاجزين في وطننا الذي يئنّ من وطأة الاحتلال.   

قد أبدو متشائماً، لكنها الحقيقة التي نواجهها اليوم، تتكرر مع اللاجئ الفلسطيني في سوريا الذي قد يكون له أثر أكبر على قضية اللاجئين، وذلك لأنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قد يصل إلى عشرين ضعف عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق، مع كل التقدير لكل الأنشطة والفعاليات المقامة لإحياء ذكرى النكبة. إلا أنّ الواجب أن تُستثمَر هذه الذكرى للانطلاق ببرامج عملية تتضافر فيها الجهود والعمل الوطني الجادّ البعيد عن الحزبية الضيقة، لتضع الأقدام على أول الطريق لتحرير فلسطين واستعادة الحقوق.