مجلة العودة

بعد العراق... اختبار جديد للقيادات الفلسطينية في سوريا

بعد العراق... اختبار جديد للقيادات الفلسطينية في سوريا

محمد مشينش / اسطنبول
 
 
لا شك في أن ما يجري في سوريا، وحتى تنقشع السحب وتزول رائحة الموت وتختفي الأجندات ويتلاشى الصغار وتتوزع الكعكة وتبرز القوى الرئيسية، وحتى ذلك الوقت سيحبس فلسطينيو سوريا أنفاسهم حتى تنجلي الصورة لما سيؤول إليه وضعهم. إلا أن الأمر، في كل الحالات، سيؤثر سلباً على وضعهم، إلا إذا تكاتف الجميع وتدبروا أمرهم. هي ليست دعوة إلى التشاؤوم بقدر ما هي قراءة للواقع، قراءة تعلمناها على مقاعد البؤس في صحراء العراق وبأقلام ملونة من شتات زاد على أربعين دولة، وسبّورات القلوب المملوءة بالحسرات على مستقبل مجهول في سوريا نحو 600 ألف لاجئ فلسطيني، منهم ما يقرب 110آلاف من فاقدي الأوراق الثبوتية، وهي الفئة التي صُنِّفت في سوريا تحت هذا الاسم لمن دخلوا سوريا في السبعينيات وما بعدها من القرن الماضي وانتهاءً بفلسطينيي العراق الذين دخلوا إلى سوريا هرباً من الاستهداف الطائفي لهم بعد احتلال العراق عام 2003.
النظرة القانونية لهذه الفئة من وجهة نظر الحكومات السورية أن وجودهم فرضته ظروف خاصة، سُمح لهم بالعيش على الأرض السورية، لكن من دون إقامة قانونية، لا يسافرون ولا يحملون سوى ورقة من منظمة التحرير هي قيد العائلة، وهو ما يثبت أنهم فلسطينيون.
أما عن فلسطينيي العراق، فإن وضعهم القانوني مرتبط بوجود مخيم الهول، حيث تمنح لهم ورقة تقول إن حاملها مسجل في مخيم الهول، وهي إثبات شرعية وجود على الأراضي السورية. إلا أن هناك أعداداً أخرى لا تحمل هذه الورقة، ووجودها ليس له أي صفة قانونية، وحتى من يحمل ورقة مخيم الهول مهدد بفقدانها في حال إغلاقه، وهذا ما تسعى إليه المفوضية منذ فترة.

ليست هناك حاجة لإثبات النظرية التي تقول إنه في أي مرحلة من مراحل التغيير السياسي في المنطقة سيكون اللاجئ الفلسطيني أول من سيدفع الثمن، لا لأنه جزء من المعادلة السياسية بقدر ما هو قصور في القوانين التي تصوغ حياة اللاجئين عموماً، ما يجعلهم في مهبّ الريح مع أي تغيير في القيادة السياسية في بلدان وجودهم، والذاكرة مليئة بالأمثلة. لذلك، فالخوف من القادم هو صفة ملازمة لتفكير اللاجئ الفلسطيني مع وجود أي بادرة من بوادر مرحلة جديدة.

من سمات المرحلة القادمة

هذه المرحلة في سوريا ستشهد تغيراً في أوضاع اللاجئين على المستوى السياسي والقانوني وعلى مستوى علاقة اللاجئين بالأمم المتحدة ومؤسساتها. هذه المتغيرات منها ما سيمسّ فئة فاقدي الأوراق الثبوتية فقط، ومنها ما سيطاول كل فئات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وسأضع منها ما تتسع له السطور:

• استهداف الروح الوطنية للاجئين الفلسطينيين، من خلال ربط معاناتهم الإنسانية التي ستتفاقم مأساويتها مع الأيام بتمسكهم بحقوقهم في وطنهم فلسطين، وهو ما يستدعي التحرك بنحو واسع وسريع باتجاه وضع برنامج لمنع هذا التدهور، أي الانتباه إلى حاجات تقود إلى استقرار أوضاع اللاجئين بالعموم، وليس مجرد كيس من الطعام تأثيره على حالة اللاجئ لا يتجاوز اليومين.

• زعزعة الثقة بالقيادات الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية مهما كان تاريخها ومهما كانت تضحياتها ومهما أثبتت من صدقية، وخصوصاً أن اللاجئين، في الوضع الإنساني المتردي، سيتجاوزون التقويم وفق الحالة الجهادية أو الوطنية لهذه القيادات والتنظيمات، وسيكون التقويم وفق القدرة على معالجة المشاكل الإنسانية، وعلى من يطرح نفسه قائداً للشعب الفلسطيني أن يقوم بهذا الدور مهما كانت العقبات والتكاليف.

• تراجع في دور الشتات الفلسطيني تجاه القضية الفلسطينية، وخصوصاً أننا نتحدث عن واحدة من أكبر ساحات الحراك السياسي الفلسطيني المؤيد للنهج المقاوم في فلسطين.

• أزمة قيمية عند اللاجئين الفلسطينيين مع محيط سوريا العربي والإسلامي، وخصوصاً أن هذه الدول تستقبل اللاجئ السوري ولا تستقبل اللاجئ الفلسطيني  الهارب من نفس الظروف في سوريا.

• انتهاء فاعلية وثيقة السفر السورية (تغير في معاملة الدول لها)، ما سيحرم اللاجئين الفلسطينيين الحركة والسفر ورؤية ذويهم في الشتات، وهو ما سيدفع إلى المطالبة بالجنسية السورية والجواز السوري، وهذا حراك جديد سيجد مؤيدين ومعارضين من الوسطين السوري والفلسطيني.

• تداخل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مع من ليسوا تحت ولاية الأونروا كما فعلت مع فلسطينيي العراق في سوريا، وبداية مشروع إعادة التوطين في بلد ثالث، وستكون معظمها في الدول الاسكندنافية وكندا وأوستراليا، وسيكون هذا المشروع بمثابة إلقاء طوق النجاة للاجئين، وخصوصاً فئة فاقدي الأوراق الثبوتية بحثاً عن استقرار قانوني فقدوه لعشرات السنين، وكأنهم عوقبوا نتيجة ما قدموه لوطنهم، مع العلم بأن الطبيعي أن يعيش هذا اللاجئ في البلد الذي هو فيه منذ عشرات السنين، وأن تستحصل حقوقه الإنسانية الطبيعية، وأن ينتظم وضعه القانوني بدل إعادة تموضعه (توطينه) في أقاصي الدنيا.

• فتح مخيمات لغسل الأدمغة والكفر بكل ما هو عربي، ولا يمكن أن تكون هذه المخيمات إلا في الأردن، رغم أن اللاجئين في مخيم سايبر ستي قد علت أصواتهم من البؤس، ولأن "العراق الجديد" وحكومته الطائفية هو من شرد إخوانهم، ولبنان يصرح علناً بعدم استقبال اللاجئين الفلسطينيين، وتركيا لها ما لها وعليها ما عليها. فهي تسمح بلجوء الفلسطيني إليها مع حزمة من القوانين التي تمنعه من العيش فيها.

كيف السبيل

لا بد في البداية من تحديد العنوان الذي يجب العمل لأجله بالتزامن مع إنقاذ الأرواح وفق الأولويات، وهي مهمة ليست سهلة، وخصوصاً أنها تلامس الحياة اليومية للاجئين، تلامس أطفالهم ونساءهم، تلامس المرضى والمعوقين، تلامس مستقبلهم وآمالهم، فهل الأولوية في الحفاظ على ثوابتهم، أم الحفاظ على هويتهم، أم الحفاظ على منجزاتهم طوال الأربع والستين عاماً، أم الحفاظ على وجودهم، أم أن المهمة ذات بعد إنساني خالص، أم أنها معركة قانونية مع الأونروا ومع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين؟ وهل سنكون أمام حالة جديدة مع المسؤولين في سوريا؟ لا يقولنّ أحد إننا ننتظر ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، ثم ننظر ما نفعل؛ فالأمر واضح، وفي كل الحالات ستكون هناك إعادة ترتيب لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا؛ فأوضاعهم عموماً لم تكن تخضع لقوانين الدولة، بل لعلاقات الفصائل الفلسطينية مع النظام الحاكم، وهذا لن يكون بعد أن تسكت البنادق وتغمد السيوف. إذاً هي مهمة صعبة وملفات شائكة، وعلى المهتمين بالشأن الفلسطيني في سوريا أن يقفوا عندها، مستفيدين مما هو موجود من عوامل ستساعدهم على عبور هذه المرحلة الخطيرة من حياة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، لو استُخدمت بالطريقة المثلى، وهي:

• وجود تاريخي لفصائل المقاومة الفلسطينية، ما يعني نضجاً سياسياً وسط اللاجئين، إضافة إلى حالة تنظيمية حاصلة في وسطهم، وهو ما يساعد على ضبط الشارع الفلسطيني وتوحيد نهجه تجاه المتغيرات.

• استقرار قانوني لعموم اللاجئين من المشمولين بالقانون 260 لعام 1956، وهو ما يمثّل نقطة الارتكاز التي يجب أن يبنى عليها أي ترتيب لأوضاع اللاجئين، وخصوصاً أن هذا القانون وافق عليه برلمان منتخب في ظل أجواء ديموقراطية يشهد لها الجميع.

• حضور معقول للعمل الإغاثي الفلسطيني يمكن أن يطوَّر وفق ما يناسب أوضاع اللاجئين.

• حضور لمؤسسات العودة وأذرعها الشبابية، وهي التي يجب أن تفعل بالاتجاه الصحيح الذي يناسب المرحلة.

• الحياد الإيجابي الذي تبناه اللاجئون الفلسطينيون إلى الآن، رغم تجاوز عدد الشهداء 500 شهيد.

• العلاقات الأخوية مع الشعب السوري التي أثبتتها هذه المحنة.

• وجود الأونروا كجهة أممية مختصة باللاجئين الفلسطينيين، وهي التي يجب أن يزداد دعمها للاجئين وفق متطلبات المرحلة.

• وجود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي يجب أن يحصَر دورها من خلال مطالبتها بفتح مخيمات داخل الأراضي السورية، تكون تحت حماية الأمم المتحدة، وبالتالي يمكن أن يتحقق للاجئين الأمان، إضافة إلى عدم فقدان وضعهم التاريخي في سوريا وما فيه من مكتسبات.

إننا أمام اختبار جديد للقيادات الفلسطينية في ساحة جديدة بعد الأردن ولبنان وليبيا والكويت والعراق، فهل تُتَجاوز المحنة بأقل الخسائر، أم أن العجز والتبرير هما ما سنشاهده أمام ما يجري للاجئين الفلسطينيين في سوريا؟