مجلة العودة

دماء الشهداء الفلسطينيين في سورية تُراق على أرض الفيحاء لتعلن أن الدم واحد والمصير واحد

دماء الشهداء الفلسطينيين في سورية

تُراق على أرض الفيحاء لتعلن أن الدم واحد والمصير واحد
 
 
مع بدء الأزمة في سورية، زُجّت المخيمات الفلسطينية في أتون الصراع الدائر هناك، فلم يسلم مخيم من هذه المخيمات على امتداد الرقعة الجغرافية السورية من القصف والقتل والذبح والدهم والاعتقال وتدمير البيوت وحرقها، وبدأت دماء الفلسطينيين تسال على أرض الفيحاء لتعلن أن الدم واحد والمصير واحد، فسقط منهم الرضيع والشاب اليافع والرجل والنساء والشيوخ، فاختلط الدم الفلسطيني بالسوري، وتوحد الدم والجرح والمصاب، وذرفت الدموع على أبناء قضوا نحبهم في خضم أتون صراع كانوا يتمنون أن يكون بوصلته تحرير فلسطين.
لقد أثقل هذا القلب كثرة الشهداء وكبر الجرح على وقع شبح القصف والموت اليومي الذي بات يؤرق الجميع، حتى وصل عدد الشهداء الفلسطينيين في سورية إلى أكثر من 500 شهيد، بالإضافة إلى شهداء مجهولي الهوية والاسم. أما المعتقلون، فقد وصل تعدادهم منذ بداية الأزمة السورية إلى نحو 35000 فلسطيني، بعضهم خرج وبعضهم الآخر ما زال إما معتقلاً وإما مفقوداً حتى اليوم.

"كل نساء العالم تلد أطفالاً، إلا نساء فلسطين تلد الشهداء"، بحرقة ممزوجة بالألم والدموع تروي لنا إحدى الأمهات الفلسطينيات التي سقط طفلها ابن 11عاماً أمامها مضرجاً بدمائه جراء سقوط قذائف الهاون على شارع الجاعونة وقت الإفطار في مخيم اليرموك، ما أدى إلى حدوث مجزرة استشهد فيها 20 شخصاً وأصيب نحو25 آخرين في يوم واحد.

الأم الثكلى تمنع نفسها من البكاء، فتحبس الدمعة في عينيها وتتساءل بحسرة: ما ذنب هذا الطفل الصغير؟! هل حمل السلاح بوجه أحد؟ هل تلطخت يداه بدم السوريين؟ وتردف:لماذا كُتب على الشعب الفلسطيني أن يكون ضحية الأخوة قبل الأعداء، وعامل تصفية للحسابات السياسية في الدول العربية؟ لقد اخترنا الحياد، لكنهم بقتلهم لأبنائنا وأخوتنا سيدفعون بناإلى اتخاذ مواقف لن تحمد عقباها.

أما أ.ح.من سكان مخيم الحسينية، الذي طاول القصف بيته، فلم يخف غضبه، فعبّر عنه بحركات عصبية، فهدّد وتوعد كل من سوّلت له نفسه إراقة دماء أولاده.
أ.ح. الذي خرج من منزله لزيارة صديقه، لم يكن يعلم أنه سيعود بعد خمس دقائق إليه لينتشل أشلاء زوجته وأولاده ويسعف أختيه إلى المشفى وهما بين الحياة والموت، حيث دخلتا غرفة العمليات ثم فارقت إحداهما الحياة، لتكتمل فاجعة الأب والأخ المكلوم، فأصابته حالة هستيرية لا يدري ما يفعل وكيف يتصرف، لكنه يعلم في قرارة نفسه علم اليقين من هو وراء هذه المذبحة.

بدوره، أكد (س)، لاجئ فلسطيني ابن مخيم درعا، أن هذا المخيم دمرت منازله وسُويت بالأرض واعتقل أبناؤه وارتكبت بحقهم المجازر بسبب الدور الإنساني في استقبال النازحين من أهل درعا وإسعاف الجرحى وعلاجهم، فقرروا معاقبة المخيم، فسقط من أبناء مخيم درعا عشرات الشهداء والجرحى، وتشرد من تشرد بفعل آلة قمع لا تعرف الرحمة والشفقة. وأضاف (س): كُل شهيد فلسطيني يسقط على أرض سورية هو بِمَثابة سهم يخترق قلب الإنسانية، وفصل آخر من فصول التخاذل العربي تجاه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

ويؤكد (ض)، وهو من سكان مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين في محافظة حلب، أن مخيم النيرب وحندرات دفعا ثمن هذا الصراع؛ فقد استشهد من أبناء المخيمين ستة عشر شاباً فلسطينياً في يوم واحد، وهم من مجنّدي جيش التحرير الفلسطيني، قتلوا وذبحوا بدم بارد أثناء عودتهم من المعسكر إلى بيوتهم وذويهم.
ويضيف: هذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها شهداء فلسطينيون خلال الأزمة السورية؛ فقد سقط المئات في مخيم السيدة زينب ومخيم درعا ومخيم اليرموك وبقية المخيمات.
ويتابع (ض)كلامه، قائلاً إنهم لم يكتفوا بالمجازر التي ارتكبوها بحق أبناء المخيمين، بل دخل إليهما المسلحون الغازون وكتبوا على جدران البيوت عبارات تستفز الفلسطينيين وتحقّر من منزلتهم.

بدوره، يرى (د)، من مخيم السبينة، أن المخيمات الفلسطينية باتت في قلب الحدث الذي لم تغادره منذ الأيام الأولى للأحداث في سورية؛ فقد حاولت أطراف سورية عديدة جرّ الفلسطينيين إلى مواقعها، لكنهم منذ اللحظات الأولى للأزمة حرصوا على أن يكونوا حياديين فيها، ورغم ذلك، نال المخيمات السورية ما نال بقية البلدات والمحافظات السورية من دمار وقتل وتخريب. ويضيف:لم يكن مخيم سبينة الذي خسر ثلة من أبنائه بمنأى عن هذه الأحداث؛ فقد دمرت بيوته وقصفت حواريه وأزقته وشرد أهله.

وأوضح (ع)من مخيم العائدين في حمص أن الوضع في سوريا بات على شفير هاوية، وأصبح بحالة من الفوضى والانفلات الأمني، والقتل والدمار الذي طاول الجميع. ويقول (ع): "إن مخيم العائدين كان من أوائل المخيمات الفلسطينية التي لحقها الدمار، وقدم الشهيد تلو الشهيد؛ ففي سورية يعيش ما يقارب ستمئة ألف لاجئ فلسطيني، أي ما نسبته 2.8% من أبناء الشعب السوري. أما نسبة عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في سورية، فقد بلغ نحو 500 شهيد، أي ما نسبته 3% من إجمالي القتلى السوريين، وهي النسبة نفسها للسكان بين السوريين والفلسطينيين.

أخيراً، يمكن القول بأنه لا شيء إلا الصدى يصدح في كل مكان، ودماء الشعب الفلسطيني تراق في أقداح ممتلئة بشراب الحزن، محاولة كسر الصمت، معلنة أننا شعب لا يرضى الضيم والهوان، رغم الألم ومواجهة الموت.