مجلة العودة

فلسطينيو سورية بين مؤيد ومعارض

فلسطينيو سورية بين مؤيد ومعارض

فايز أبو عيد/بيروت

كانت البداية بمخيم الرمل في اللاذقية، حيث عُدَّ المسبب للأزمة السورية، ثم اتهم بعد ذلك مخيم درعا بأنه يحوي سلفيين، فقُصف وأُحرقت بيوته وهُجِّر سكانه، وتتابعت الأحداث لتشمل مخيم العائدين في حماه، ثم العائدين في حمص، ولم يسلم مخيم السيدة زينب من سقوط القذائف وتشريد أهله، وألحق بهم مخيم السبينة الذي شهد نزوح أهله عنه بسبب الاشتباكات المستمرة وسقوط وابل من القذائف عليه.

ولمخيم الحسينية حكاية أخرى مع الألم والحصار، والطامة الكبرى كانت في مخيم اليرموك الذي قصف بالصواريخ، فشُرِّد أهله وطُردوا وحوصروا وأُذلوا. ومن ثم لحقه مخيم حندرات في حلب الذي سيطرت عليه مجموعات الجيش الحر، فاضطر سكانه إلى النزوح عنه، فعانوا ألم التشرد والتهجير مرة ثانية. وبدوره مخيم النيرب حوصر وضُيِّق على سكانه، حتى أنهم كانوا على أبواب كارثة إنسانية بسبب نفاد جميع المواد الغذائية والدقيق من المخيم، والآن يسير مخيم خان الشيح على خطى بقية المخيمات الفلسطينية من قصف وسيناريو لتهجير سكانه وتشريدهم.

هذا إضافة إلى أن بقية التجمعات الفلسطينية لم تسلم من القصف والتدمير، ومنها تجمّع العائدين في برزة بدمشق والمزيريب في درعا. ولم يبقَ سالماً إلى الآن إلا مخيما خان دنون وجرمانا، وإذا لا قدَّر الله قُصفا، تكون الدائرة بذلك قد اكتملت على المخيمات الفلسطينية في سورية. لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين، والذي يطرح نفسه بقوة هنا، هو: ما الهدف من استهداف المخيمات الفلسطينية في سورية؟ ولماذا كُتب على اللاجئ الفلسطيني أن يدفع فاتورة الصراعات الدائرة في الدول العربية؟ وهل لكلمة حياد معنى آخر؟ ألم يقل الفلسطينيون منذ بدء الأحداث في سورية كلمتهم بأنهم على الحياد، وقصدوا بالحياد الحياد الإيجابي، بمعنى أن تبقى سورية بمنأى عن الدمار والخراب وسفك الدماء فيها؟ هذا هو رأي السواد الأعظم من فلسطينيي سورية الذين كانوا لا يصطفون مع طرف ضد طرف، ولكن ما إن وقعت الواقعة واستهدفت مخيماتهم ودمرت بيوتهم وشردوا في أصقاع الأرض، فمن الطبيعي أن يكون لكل شخص منهم رأي بما يتناسب مع ما تعرض له من مآسٍ ومعاناة ألمّت به.

أبو جمال لاجئ فلسطيني من سكان مخيم اليرموك، لا يخفي معارضته للنظام السوري الذي يحمّله تبعات ما جرى ويجري في سورية، ويقول: "كان بالإمكان أن تُحَلّ المشكلة من جذورها دون أن نصل إلى هذا الدمار الذي حلّ بسورية اليوم. أما الشاب أبو ليث، من سكان مخيم النيرب، وهو مؤيد للنظام السوري، فيرى أنّ سورية تمرّ بمرحلة خطيرة جداً، وأنّ عدم الوقوف مع النظام والشعب السوري في هذه المرحلة هو تنكر للجميل الذي قدمته سورية للشعب الفلسطيني؛ حيث كان يعيش فيها اللاجئ الفلسطيني معززاً مكرماً، وقد أعطته كافة حقوقه المدنية والإنسانية ليعيش بكرامة ريثما يعود إلى فلسطين. الحاج أبو وسيم (73 عاماً من أهالي مخيم السبينة) يرى أننا نحن الفلسطينيين لم نتعلم ونستخلص الدروس والعبر من التاريخ. فبحسب قوله، إن الفلسطيني يحشر أنفه في كل شيء، وبالنهاية يكون الخاسر الأكبر. وساق مثالاً على ذلك، الدخل في الأردن، ومن ثم لبنان، مروراً بحرب الخليج الأولى وليس انتهاءً بتدخل فصائلنا بما يجري في سورية من اقتتال دموي دفع أهلنا في المخيمات الفلسطينية في سورية ثمنه غالياً، فشُردوا وطُردوا وقُتلوا ودُمرت بيوتهم. بدورها، أم جهاد التي اعتُقل زوجها وقُتل ابنها أمام عينيها برصاص قناص تابع للجيش السوري، تسأل: كيف لي أن أساند وأقف مع من اعتقل زوجي وقتل ابني؟ وتضيف: لا زوجي ولا ابني لهما علاقة بكل ما يحدث في سورية. لقد كانا مسالمين، لم يكونا يؤيدان طرفاً على حساب طرف.

عصام، أحد الشباب المنتمين إلى الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة التابعة لأحمد جبريل، يؤكد أنّ المجموعات الإرهابية، حسب قوله، هي السبب في دمار وخراب معظم المخيمات الفلسطينية في سورية، وأنّ مواقف بعض الفصائل الفلسطينية المعادية لسورية هي التي أججت ودفعت الأمور إلى الهاوية. وأردف: نحن ندافع عن سورية ونظامها لأنها قدمت الكثير الكثير لقضيتنا وشعبنا الفلسطيني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نخذلها عندما تكون بحاجتنا.

لم يرُق هذا الكلام سلمى بنت مخيم درعا التي كانت شاهدة على قصف المخيم وإحراق الجيش النظامي لمعظم منازله، حسب روايتها، وأصرت على أن من يقف مع القضية الفلسطينية ويدافع عنها لا يمكن أن يقصف المخيمات الفلسطينية ويحرق ويدمر منازل اللاجئين الفلسطينيين. وترى سلمى أن تلك التصرفات لا تدع مجالاً للشك في أنّ الفلسطيني مستهدف أينما كان وحلّ. من جهته، شدد أبو عبد الله الذي يقطن في مخيم خان الشيح على أن الفلسطيني يعي أنّ بوصلته الوحيدة هي فلسطين، وأنّ التدخل بالشؤون الداخلية لأيّ دولة كانت سيعود بخسائر جسيمة على الشعب الفلسطيني، وأشار إلى أنّ الشعوب العربية تعيش في هذه الفترة مخاضاً صعباً، وأننا نحن الفلسطينيين يجب أن ننتظر ونرى ما ستؤول إليه الأمور، وأن يكون تدخلنا إيجابياً، بمعنى أن ننصر المظلوم وأن نقف بوجه الظالم، بما ينعكس إيجاباً على قضيتنا الفلسطينية.