مجلة العودة

فلسطينيو سورية... لجوء آخر ونكبات جديدة

فلسطينيو سورية... لجوء آخر ونكبات جديدة

علاء برغوث - القاهرة

أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى نكبتنا، نكبة عاشها أجدادنا بمختلف مراحلها وتفصيلاتها من مجازر وإرهاب صهيوني، فتهجير عن الأرض وعيش في خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا حرّ الصيف، ثم توزيعهم على مخيمات وُصفت بالمؤقتة.

في مثل هذه الأيام، وقبل عامين تحديداً، لو زرتم أيّاً من المخيمات الفلسطينية في سورية، لرأيتم حلقات النقاش، وجلسات المدارسة، وإعداد خطط العمل لإحياء هذه الذكرى الأليمة؛ فلم يفقد الشباب الفلسطيني في مخيمات الشتات حلمه بالعودة إلى أرضه، ولم تنقطع حلقات العشق وجذور المحبة التي تربطه بأرضه.

لكن في هذه الأيام، لو زرتم المخيمات الفلسطينية في سورية، لرأيتم ما يشير إلى نكبة جديدة عاشها اللاجئون هناك، بل ربما لشككتم بمرور بعض العصابات الصهيونية في تلك المخيمات، وذلك لهول ما تعرضت له من استهداف بالقذائف والصواريخ والسيارات المفخخة والكثير من أعمال القتل والتشريد. هذه صورة لنكبة الفلسطينيين في سورية.

أما الفلسطينيون السوريون الذين نزحوا إلى لبنان، فتتحدث خيامهم عن نكبتهم، كأنها تعيد تصوير مراحل النزوح الأولى التي مرّ بها أجدادهم بعد أن هُجّروا من أراضيهم. نعم، إنها نكبة أخرى وبخيام مشابهة، لكنها بلاجئين جدد وبطعم أشد مرارة. فعندما طُرد أهلنا، لم يكن عندهم منظمة التحرير الفلسطينية، ولا فصائل متعددة، ولا سفارات فلسطينية موزعة في بلدان العالم، ولا حتى "الأونروا". أما لاجئو اليوم، فعندهم كل ذلك، فهل يُعقَل أن يعيش من هرب من الموت والقصف والدمار في خيمة متشققة، وهو لديه كل هذه المنظمات والحركات والمؤسسات؟

وفي مصر حكاية أخرى، ربما لم يصل حال اللاجئين الفلسطينيين السوريين فيها إلى مرحلة السكن في الخيام بعد، لكنهم قد يصلون إلى تلك اللحظة، وخاصة في ظل اللامبالاة التي يتعرضون لها؛ فحتى الآن لم يجد الفلسطينيون السوريون في مصر من يمثلهم ويدافع عنهم، فدور السفارة الفلسطينية في مصر ما زال متواضعاً، فهي ربما ما زالت تنتظر لقاءات المصالحة وإعادة بناء مرجعية فلسطينية واحدة للشعب الفلسطيني. وأما عن "الأونروا" بصفتها الراعي الدولي للاجئين الفلسطينيين في سورية، فليس لها أي دور، وذلك بسبب وقوع مصر خارج المناطق الخمس التي تعمل فيها "الأونروا". وعن علاقة اللاجئ الفلسطيني السوري بالمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فما زالت ترفض طلبات اللاجئ الفلسطيني السوري، الذي ما فتئ يتقدم للمفوضية، وهي ترفض تسجيله لديها بحجة أن المسؤول عن اللاجئين الفلسطينيين السوريين هي "الأونروا" وليست المفوضية. وكما ذكرنا سابقاً، إنّ مصر ليست من مناطق عمل الأونروا، وبين تقاذف المسؤولية عن اللاجئين الفلسطينيين السوريين بين هذه المؤسسة وتلك، يعاني اللاجئون صعوبات عديدة؛ ففرص العمل شبه نادرة في مصر، والأسعار مرتفعة نسبياً، إضافة إلى أن هناك نحو ثلاثين عائلة فلسطينية سورية عالقة على الحدود الليبية المصرية، وذلك لعدم سماح الحكومة الليبية للفلسطينيين السوريين بدخول أراضيها. فأين الأونروا؟ وأين المنظمات الدولية؟ وأين منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية في ظل هذه المعاناة؟

وليس حال الفلسطينيين السوريين  في ليبيا بأفضل من لبنان ومصر، بل ربما كان أسوأ في بعض الأحيان، فيعاني اللاجئون الفلسطينيون السوريون ارتفاع أجور المساكن وصعوبة توافرها، وقد تصل إلى 800$، وهذا لا يتناسب مع الأجور في ليبيا. ويعاني اللاجئون كذلك الاضطرابات الأمنية هناك، إضافة إلى مشكلة إنسانية كبيرة تعانيها بعض الأسر، وهي تشتّت الأسر بين مصر وليبيا؛ فهناك عائلات استطاع معيلوها دخول ليبيا، ولم يتمكن باقي أفراد الأسرة من اللحاق بهم، الأمر الذي فرض على تلك العائلات الكثير من الضغوط النفسية والمادية. وهنا أيضاً يحق للاجئ الفلسطيني أن يسأل أين مرجعياته الدولية والوطنية؟

وفي تونس كان اللاجئون الفلسطينيون السوريون على موعد مع نكبتهم، فاستقبلتهم خيام مخيم "أبو شوشة" على الحدود الليبية التونسية، ومثلهم كسائر أشقائهم الذين أجبروا على ترك منازلهم لم يلقوا العناية ولا الاهتمام من أي مؤسسة أو منظمة أو تنظيم، ما دفع بعضهم إلى الدخول في إضراب عن الطعام تعبيراً عن غضبهم من إهمال مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات الإنسانية لهم. وهنا أيضاً يحق للاجئ الفلسطيني أن يسأل أين تلك المؤسسات من معاناتهم؟

هي رحلة لجوء جديدة يخوضها اللاجئون الفلسطينيون السوريون، ولكلٍّ منهم نكبته. فنكبة في سورية، ونكبة في لبنان، ونكبة في مصر، ونكبة في ليبيا، ونكبة أخرى في تونس. ويتساءل اللاجئ: هل هذه النكبات هي مقدمة لمشروع تهجيره إلى أوروبا وأميركا كما حصل للاجئين الفلسطينيين في العراق، وقبلهم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان؟♦