مجلة العودة

يريدون إخراس صوت الحقيقةفي غزة.. إسرائيل تغتال حبر القلم وعين الكاميرا

يريدون إخراس صوت الحقيقة
في غزة.. إسرائيل تغتال حبر القلم وعين الكاميرا

    غزة - العودة

 
والكاميرا تستعد لضبط عدستها لالتقاط الصورة، وفيما حبر الأقـلام يتأهب لنزف حروفه لإخبار العالم بحكاية غزة وجرحها الغائر، يتفنّن الاحتلال برصااته وبطائراته الحربيّة بالانقضاض على صوت الحقيقة ليكتم أنفاسها ويخنق وجودها.وفي غزة، لا يدري رجال الكلمة والصورة وهم يضبطون أقلامهم وعدساتهم أنهم باتوا أول أهداف نيران الاحتلال التي تنقضّ عليهم، فيصير المصوّر صورة، والقـلم يغدو خبراً عاجلاً.
طوال أيام الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لم تتوقف الضربات الجوية، وضراوة القصف الإسرائيلي تحركهم في أماكن القصف، لتلتقط كاميراتهم صور الدمار التي خلفتها الحرب.
كانوا يتحركون في الليل والنهار، رغم أزيز الطائرات المحلّقة بكثافة، ولم تحدّ ضراوة القصف من عزيمتهم، ولم تفلح قذائف الطائرات وصواريخها في إسكات صوتهم والنيل من صورهم التي كانوا ينقلونها لإيصال حجم الإجرام الإسرائيلي للعالم.
وفي حرب 2008 وحرب الثمانية أيام الأخيرة على قطاع غزة، لم يتوانَ الاحتلال في تدمير المكاتب الصحافية واستهداف الصورة والقلم، وهو الأمر الذي رأى فيه مختصون حرباً على الحقيقة وكتماً لبشاعة ما يرتكبه الاحتلال من مجازر بحق الفلسطينيين.
وخلال حرب الثمانية أيام، ارتقى حسام سلامة ومحمود الكومي من فضائية الأقصى، ومحمد أبو عيشة من إذاعة القدس التعليمية، أثناء تأديتهم واجبهم الإعلامي في تغطية الحرب، وأُصيب عدد من الصحافيين في القصف الذي استهدف عدداً من المكاتب الإعلامية.
ومن المصورين الجرحى الذين أصيبوا خلال العدوان، خضر الزهار من فضائية القدس، ولا يزال يتلقى العلاج في مصر بعد أن بترت قدمه في القصف الذي استهدف مكتب الفضائية بغزة.
إرهاب الصحافيين
ولا يزال مدير مكتب الجيل للصحافة، الصحافي مصطفى الصواف، يجهل حتى اللحظة سبب قصف الطائرات الإسرائيلية لمكتبه الصحافي في اليوم الثامن للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقبل أن تضع أوزارها بسويعات.
وأدى قصف مكتب الجيل إلى مقتل الطفل عبد الرحمن نعيم، ذي العامين الذي يقطن في بناية مجاورة، نتيجة إصابته بإحدى شظايا الصاروخ الإسرائيلي، وأحدث القصف دماراً وأضراراً مادية كبيرة في المكتب.
وعن سبب استهداف إسرائيل المستمر للصحافيين في غزة، قال الصواف: "هي رسالة واضحة تستهدف إرهاب الصحافيين الفلسطينيين الذين فضحوا جرائم الاحتلال بحقّ المدنيين، ويريدون إخراس صوتهم وترهيبهم".
أضاف الصواف: "هذا الاستهداف لن يكسر إرادة الصحافيين، بل على العكس من ذلك سيستمرون بأداء دورهم المهني والوطني في كشف جرائم الاحتلال ونقلها إلى العالم أجمع".
 وأشار إلى أن مكتبه قُصف بصاروخي أباتشي في عام 2004، إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة عمله.
ورأى مدير البرامج في فضائية الأقصى، سمير أبو محسن، أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحافيين هو محاولة يائسة لطمس الحقيقية وإخراس الكلمة وحجب الصورة، في وسيلة ضغط لمنعهم من مواصلة عملهم وواجبهم الوطني الذي يمليه عليهم واجبهم الصحافي.
ومضى يقول: "ومن أهم الأسباب التي دفعت الاحتلال إلى استهداف الصحافيين هو عدم إظهار بطولات المقاومة وفضح جرائم الاحتلال وممارساته المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الذي لم يرحم أحداً".
وتابع: "الاحتلال اغتال المصورين محمود الكومي وحسام سلامة أثناء تأديتهما عملهما وتحركهما لتغطية عملية قصف وقعت في أحد شوارع مدينة غزة، رغم أنهما كانا يستقلان سيارة تحمل إشارة مميزة كتب عليها بالإنكليزية TV، وتدلّ على أنهما صحافيان وليسا مقاتلين تابعين لأحد الأجنحة العسكرية".
وأضاف أبو محسن: "ورغم خطورة الأوضاع وصعوبتها في ذلك الوقت، وعدم قدرة أحد على التحرك بحرية، إلا أن الشهيدين كانا يعدّان نفسيهما مشروع شهادة، وأصرا على نقل ما يجري على الأرض وتغطيته، لفضح جرائم الاحتلال".
إخراس الحقيقة
الصحافي الفلسطيني حازم البنا (32 عاماً)، مراسل قناة القدس الفضائية، الذي كان يعمل كالمكوك طوال أيام الحرب الأخيرة قال: "عملنا خلال الحرب في أجواء قاسية للغاية وصعبة جداً، وخاصة بعد قصف مقر الفضائية واستهدافها مباشرة وإصابة عدد من زملائي؛ ففي ذلك الوقت شعرنا بالموت يقترب منا في كل لحظة".
وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه لم يميّز بين المدني والعسكري؛ فكل متحرك في قطاع غزة كان مستهدفاً من الطائرات التي لم تفارق أجواء المدينة، والتغطية المباشرة كانت صعبة جداً ومحزنة ومؤلمة.
وتابع بالقول: "إن أكثر الأمور خطورة في هذه الحرب، أنّ إسرائيل تتهم الصحافيين بأنهم فدائيون، وليسوا مهنيين، وأنّ استهداف الصحافيين له علاقة بنشاط إرهابي، وذلك يدلّ على أنه في المستقبل، أي استهداف الصحافيين سيبرر بعبارة مائعة، أن هذا له علاقة بعمل إرهابي".
وفي تعليقه على استهداف الاحتلال مباشرةً لصوت الحقيقة ومكاتب الصحافيين، أكد الكاتب الفلسطيني غسان الشامي أن الاحتلال الإسرائيلي عاش حالة من الفزع والتخبط خلال حرب الأيام الثمانية الأخيرة على قطاع غزة بسبب الأداء الإعلامي والدور الكبير لوسائل الإعلام الفلسطينية في كشف جرائم الاحتلال ومجازره الوحشية التي لم ترحم الصغار والكبار في قطاع غزة المحاصر.
ومضى يقول: "إن قصف المكاتب الصحافية في قطاع غزة والاستهداف المباشر للصحافيين الفلسطينيين، جاءا بعدما نجحوا بجدارة في نقل صورة القتل والدماء التي سُفكت في كل شوارع القطاع، واستطاعوا تغطية العدوان الإسرائيلي الهمجي وإبراز وحشية الاحتلال وجرائمه بحق المواطنين العُزّل".
وشدد على أنّ طائرات الاحتلال وقياداته تريد إخراس الحقيقة وإسكاتها للأبد، ووقف الصوت الإعلامي المدوي في غزة؛ فهو لا يرغب في نقل جرائمه الوحشية إلى العالم، ولا يرغب في مشاهدة العالم لجثث الأطفال المقطّعة والمفحّمة.
وأردف قائلاً: "إن هذا الاستهداف الإسرائيلي السافر للإعلام الفلسطيني لن يثنيه عن دوره الجهادي ومهمتها في مواصلة إظهار الحقيقة ونقل جرائم الحرب الإسرائيلية إلى العالم.  واستهدافهم المباشر لن يقتل نور الحقيقة، ولن يوقف عملهم الصحافي الباسل، بل سيزيد من عزمهم على مواصلة مشوارهم الإعلامي الجهادي".
جريمة حرب
وأوضح أن هؤلاء الصحافيين الذين كانوا ينقلون الصورة والحدث لحظة بلحظة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضربوا أروع الأمثلة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني من خلال الكلمة الصادقة والصورة التي تفضح الاحتلال وتعريه، مستدركاً: "وهو الأمر الذي دفع قوات الاحتلال إلى تعمّد استهدافهم مباشرةً في محاولة بائسة لطمس الإعلام الصادق وإسكات صوت الصحافيين من خلال ترويعهم وترهيبهم".
وتابع: "إن جرائم الاحتلال بحق الصحافيين دليل واضح على النجاح الكبير الذي حققت وسائل الإعلام الفلسطيني في الكشف عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ودليل كبير على تخبّط الاحتلال في ضرباته لقطاع غزة".
وشدّد على أن استهداف قوات الاحتلال للصحافيين والاعتداء عليهم، جريمة حرب بحسب الاتفاقيات الدولية، حيث نصّت المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1949 على أنّ الصحافيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاص مدنيون يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات الدولية وهذا البروتوكول.
ودعا الشامي وسائل الإعلام العالمية والعربية إلى زيارة قطاع غزة والاطلاع على حجم الدمار والاستهداف الصهيوني للقطاع، ووجه دعوة إلى الاتحادات الدولية الصحافية للتحرك الجاد والعمل على وقف استهداف الصحافيين وتوفير الحماية لهم في أماكن عملهم الميداني، ومحاسبة وفضح جرائم العدو بحق الصحافيين وكافة الطواقم الإعلامية العاملة في الميدان.
 وفي ختام حديثه، وجه تحياته إلى الصحافيين والإعلاميين العاملين في قطاع غزة الذين ينقلون الحقيقة، رغم الخطر الذي يلاحقهم، قائلاً: "تحية وألف تحية لكافة الزملاء الإعلاميين على دوركم الكبير وجهدكم الأسطوري في نقل وقائع العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة ونقل الجرائم بحق أبناء شعبنا الفلسطيني وإبراز المعاناة والآلام التي يحياها المواطن الفلسطيني في كل يومٍ ودقيقة"، مشدداً على أن "الصوت الإعلامي لن يخبو، والكاميرات لن تتحطم، وستتواصل رسالة التحدي والصمود للصحافي الفلسطيني في نقل الحقيقة وفضح جرائم الاحتلال الصهيوني بحق أبناء شعبنا الفلسطيني".♦