مجلة العودة

سيناريوات أمنية لتوريط الفلسطينيين في لبنانبالصراعات المحلية والإقليمية

سيناريوات أمنية لتوريط الفلسطينيين في لبنان

بالصراعات المحلية والإقليمية

رافت مرة - بيروت

اضطربت الأوضاع السياسية في لبنان، وازداد التوتر والاحتقان في الأشهر الأخيرة، وذلك بسبب تداعيات الأزمة السورية، ومشاركة لبنانيين في القتال الدائر هناك، واقتراب انتهاء مدة ولاية المجلس النيابي، وعجز القوى اللبنانية عن التوصل إلى قانون جديد حتى أواسط شهر أيار/ مايو، واستقالة الرئيس نجيب ميقاتي وتكليف تمام سلام المحسوب على قوى 14 آذار تشكيل حكومة جديدة.ونتيجة لذلك، تعزز الانقسام السياسي في لبنان، وازدادت حدة الخطاب الطائفي، وحصلت صدامات مسلحة في بعض المناطق وسقط قتلى وجرحى.

امتدّت هذه الأزمة إلى الوجود الفلسطيني في لبنان، وإن بشكل أخفّ، فحصلت توترات أمنية في مخيم عين الحلوة، وزُجّ بمخيم البداوي في شمال لبنان في دعم أطراف لبنانية متصارعة في محيط طرابلس، وفي الأيام الماضية حصل إشكالان أمنيان في محيط مخيم شاتيلا وشارع صبرا كادا يسببان اشتباكات.

حملة إعلامية

ودخلت وسائل الإعلام اللبنانية على خط التصعيد، فقالت صحيفة "الأخبار" المحسوبة على فريق "8 آذار"، إن أهالي مخيم برج البراجنة أطلقوا الرصاص ابتهاجاً بخطاب الرئيس سعد الحريري في 14 شباط، في محاولة من الصحيفة لتوتير العلاقة الفلسطينية اللبنانية.

وذكرت صحيفة "السفير" اللبنانية، يوم الجمعة 17/5/2013، معلومات عن تحريك ملف المخيمات. وأوردت صحيفة "السياسة" الكويتية تقريراً في أول أيار/ مايو عن تجمّع مئات المقاتلين من فتح وحماس في منطقة البقاع للتوجه للقتال في سوريا، في استجابة لدعوات علماء مسلمين سنّة للقتال، وهو ما نفته بشدة كل من فتح وحماس في بيانيْن منفصلين.

وترافقت هذه الأحداث مع دخول جماعة دحلان بقوة على المشهد الفلسطيني في لبنان؛ إذ منذ بداية العام إلى اليوم، أرسل دحلان زوجته أم فادي مرتين محمّلة بالأموال التي تنفقها على جهات سياسية أو مدنية فلسطينية، وخاصة في عين الحلوة والبداوي، مع تبرعات إغاثية ودعم لقطاع شبابي، ترافق مع ما قيل عن نية دحلان تشكيل مجموعات عسكرية في لبنان تعمل لحسابه.

سيناريو معلن

هذه الأحداث والتوترات والتسريبات الإعلامية، استُكملت بتقرير نشرته صحيفة "السفير" يوم السبت 18/5/2013، للصحفي داود رمال يورد فيه ما يقول إنه "خطة أصولية للسيطرة على المخيمات"، ويتحدث التقرير بالتفصيل، حيث جاء فيه:

"يبدو أن إرهاصات عام 1975 تستنسخ نفسها، حينما تمّ الدفع بالعامل الفلسطيني إلى الوحول اللبنانية، ما أفقده الإجماع الوطني حول قضية فلسطين وتحوّل بالتالي إلى طرف في صراع مرير استمر خمسة عشر عاماً.

اليوم، هناك تخوّف من أن يتكرّر السيناريو نفسه، إذ تلقّت جهات لبنانية معلومات مفادها أن دولاً خليجية تتقدمها قطر تحضّر لمشروع فتنة كبيرة في لبنان تستهدف «حزب الله»، من خلال استخدام البندقية الفلسطينية مجدداً.

وتقول المعلومات إن «العائق أمام حصول هذا الأمر هو سيطرة «حركة فتح» على المخيمات الفلسطينية في لبنان، نظراً إلى الالتزامات الرسمية للسلطة الفلسطينية بعدم استخدام المخيمات في أي صراع داخلي لبناني».

وبالتالي، ليتحقق مشروع الفتنة لا بد من نقل السيطرة داخل المخيمات إلى بعض التنظيمات الأصولية المتطرفة. وما يعوق هذا الأمر حتى اليوم، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) يعارض هذا التوجه، وهو أجرى اتصالات مع الجانبين السوري واللبناني، ومن المنتظر أن يزور بيروت قبيل نهاية الصيف المقبل لعقد قمة مع نظيره اللبناني ميشال سليمان.

كذلك فإن السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور ينسّق مع كلّ القيادات اللبنانية لتدارك أي تطور سلبي، مع لحظ ارتفاع منسوب التنسيق مع «حزب الله»، وسط ضغوط كبيرة تمارس على محمود عباس لتسليم المخيمات إلى الإسلاميين، حتى تحصل فتنة في ظهير «حزب الله».

وتوضح المعلومات أن الدوحة تمارس ضغطاً على «أبو مازن» بهذا الخصوص، من خلال التلويح بوقف كل مصالحه في قطر، غير أن الرئيس الفلسطيني لم يستجب لهذه الضغوط، وهو أوعز إلى بعض معاونيه ممن زاروا العاصمة اللبنانية في الأسابيع الأخيرة، وبينهم الوزير جبريل الرجوب، أن ينسقوا مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، وخاصة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في كل ما من شأنه تحصين الوضع اللبناني، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية التي تُعَدّ جزءاً لا يتجزأ من الوضع اللبناني.

وعمدت دولة خليجية تتهم قطر بتحريك «الإخوان المسلمين» على أراضيها، إلى استخدام ورقة القيادي الفتحاوي المبعد محمد دحلان، وأبلغت «أبو مازن» أنها جاهزة لتمويل «حركة فتح» في لبنان، لمنع أي سيناريو يؤدي إلى تسليم مخيمات لبنان للمجموعات الأصولية المتطرفة.

وبعد هذا الوعد، زار موفد فلسطيني لبنان واجتمع بقيادات فتحاوية وأبلغها بأن جهات خليجية مستعدة لتمويل أي فصيل يقف حجر عثرة أمام مشروع وقوع المخيمات في قبضة الأصوليين.

وكشفت المعلومات «أن التركيز يتمّ على مخيم عين الحلوة، والهدف ربطه عسكرياً بشرق صيدا ومناطق وجود الإسلاميين في صيدا، وصولاً إلى قطع طريق الساحل من خلال التحكم بحركته، أي فصل الضاحية الجنوبية عن الجنوب، ليصبح «حزب الله» محصوراً بين ناري الأصولية وإسرائيل».

الجدير ذكره أن جهات ديبلوماسية غربية في العاصمة اللبنانية توقفت أخيراً عند ظاهرة انتشار مجموعات أصولية في مخيمي صبرا وشاتيلا على خلفية إشكال فردي مع أشخاص ينتمون إلى تنظيم محلي بيروتي صغير".

مخطط أو شائعات

من حيث الكمّ والمضمون والاستمرارية، يجب أخذ مضامين هذه التسريبات والمقالات والمخططات والأحداث الأمنية المتلاحقة والمنظمة على محمل الجد؛ إذ كل شيء في لبنان معروف ومكشوف ولا يمكن إخفاؤه. وهذه الأخبار تكشف وجود نيات حقيقية عند الأطراف المعنية لإشعال الوضع في لبنان من زاوية المخيمات، أو من بوابة المجموعات الفلسطينية الأصولية، وهي عبارات كبيرة وأسماء غير حقيقية أو ليس لها ذلك الوزن الذي تُصوّر فيه.

وكلما خسرت جهة سياسية معركة ما، تفكر في إشعال المخيمات الفلسطينية؛ لأن هذه الأطراف تريد تحميل الفلسطينيين وزر حروبهم الداخلية وصراعاتهم.

الموقف الفلسطيني

لكن الموقف الفلسطيني لجميع الفصائل يشدد على حفظ الأمن والاستقرار، ومنع التوتر داخل المخيمات ومع المحيط، ويرفض إدخال الفلسطينيين في لبنان في حروب طائفية أو مذهبية، أو في القتال مع أو ضد أي طرف في لبنان وسوريا.

وتتعاون القوى الفلسطينية مع الدولة اللبنانية، وتحديداً مع الجيش اللبناني، لمنع التوترات ولتطويق أي حدث أمني. لكن هذه الوقائع يجب أن تدفع القوى الفلسطينية إلى التعامل معها بمسؤولية ووعي، وتشكيل مرجعية فلسطينية موحدة، تتعاطى مع هذه الأحداث لتُجنّب الفلسطينيين ما هو أسوأ.♦