مجلة العودة

فلسطينيو لبنان: اللاجئون ضد الفتنة وإصرار على الأمن والاستقرار - رأفت مرّة

وضع اللاجئين الفلسطينيين في أجواء المحكمة الدولية
ضد الفتنة وإصرار على الأمن والاستقرار والعلاقة المنفتحة على الجميع
 

رأفت مرّة/ بيروت

هذه هي حال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: التعايش مع الأزمات، والانتقال من أزمة إلى أخرى، أو من تهديد إلى آخر.

يتأثر اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في لبنان بالأجواء السياسية اللبنانية، ويتعايشون معها، وهم مضطرون أحياناً شاؤوا أو أبوا إلى تأثر بالأجواء السياسية، لكن المؤسف أن الفلسطينيين في لبنان يدفعون دائماً ثمناً سلبياً أو يسددون فاتورة الخسارة، وفي أحيان كثيرة تكون الحلول على حساب الفلسطينيين أو يدفع الفلسطينيون الثمن مرتين.

لمحة تاريخية

عام 1958 قامت ثورة شعبية في لبنان على حكم الرئيس اللبناني يومها كميل شمعون، وهذه الثورات كانت بين معسكرين، معسكر قومي عربي وطني يساري وقف ضد التحالفات التي نسجها شمعون مع الولايات المتحدة في ما عرف يومها باسم «حلف بغداد»، وتحالف مسيحي مؤيد لخط كميل شمعون، وقد أدّت هذه الثورة إلى إنزال القوات الأميركية على الشواطئ اللبنانية.

وتأثرت الأجواء السياسية في تلك الأيام بالقضية الفلسطينية وزعامة جمال عبد الناصر، لكن ما إن انتهت «الثورة» حتى دفع الفلسطينيون الثمن، فنزلت قوات الاستخبارات المعروفة باسم «المكتب الثاني» وشددت قبضتها على المخيمات الفلسطينية وحاصرت العمل السياسي الفلسطيني.

وعام 1961، نفذ الحزب السوري القومي الاجتماعي انقلاباً على الرئيس الجنرال فؤاد شهاب، وفشل هذا الانقلاب، واعتُقل المئات من الشباب الفلسطينيين الذين ينتمون إلى الحزب السوري القومي، الذي كان يومها من أكثر الأحزاب انتشاراً وله حضور واسع في لبنان وفلسطين وسوريا، وشددت الاستخبارات اللبنانية الحصار على العمل السياسي الفلسطيني في لبنان.

وفي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات استفحل الخلاف السياسي في لبنان، وازداد الانقسام السياسي، وحصلت اضطرابات سياسية لها علاقة بالأوضاع الطائفية والأزمات الاقتصادية والموقف اللبناني من فلسطين ومن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان ومن التركيبة السياسية والطائفية الحاكمة، وتفاعلت الأحداث لتصل إلى حد قيام الطائرات الحربية اللبنانية بقصف مخيمات نهر البارد وبرج البراجنة وشاتيلا وتل الزعتر ومهاجمة الوجود الفلسطيني في لبنان.

أحداث عام 1975 وما بعدها

عام 1975 وقعت الحرب في لبنان إثر حادثة بوسطة عين الرمانة، وتوجهت أصابع الاتهام للفلسطينيين، وحملوا مسؤولية ما وقع، مع العلم بأن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب عام 1990 توقف في الحلول عند تركيبة النظام السياسي اللبناني، وجرى تعديل الدستور، وتصحيح المعادلة الطائفية المتمثلة في الوزارات والوظائف، وقلّصت صلاحيات رئيس الجمهورية، وعزّزت صلاحيات مجلس الوزراء، ولم يجرِ التطرّق في اتفاق الطائف إلى الموضوع الفلسطيني إلا من زاوية رفض التوطين، ما يعني أنه لم يكن للفلسطينيين إلا دور هامشي صغير في أحداث عام 1975، بخلاف ما يزعم بعض الأطراف.

بعد اتفاق الطائف دفع الفلسطينيون الثمن، من خلال تهميش المجتمع الفلسطيني في لبنان، ومحاصرة المخيمات، والحملة على السلاح، وصدرت منذ عام 1982 إلى اليوم قرارات تمنع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من العمل والتملك وغيرها من الحقوق.

بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانيه الأسبق رفيق الحريري، ازداد التوتر السياسي في لبنان وتأثر بالأجواء الدولية والإقليمية المعروفة، ومنها القرار 1559 القاضي بنزع سلاح المقاومة وإخراج سورية من لبنان، ودخلت عوامل دولية وإقليمية على خط الصراع المحلي، وبرزت العوامل الطائفية والمذهبية بدوافع سياسية واضحة، فانقسم اللبنانيون بين معسكرين، وخرجت القوات السورية من لبنان، ثم تجدد المشروع بعد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان، فظهرت حالة فتح الإسلام وأدخلت بغطاء معروف إلى مخيم نهر البارد، ولما فشلت محاولات تنفيذ المشروع، وظهرت بوادر مصالحة دولية إقليمية، استُهدِف مخيم نهر البارد لقتل «غـول» فتح الإسلام في أيار (مايو) 2007 ودفع اللاجئون الفلسطينيون في مخيم نهر البارد وفي لبنان الثمن.

المحكمة الدولية

اليوم توتّر الوضع السياسي في لبنان، وازدادت المخاوف من انفجارات أمنية أو أحداث طائفية أو اقتتال مذهبي، نتيجةً لاحتمال صدور القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ولا شك في أن جريمة اغتيال الرئيس الحريري لا علاقة للفلسطينيين بها من قريب ولا من بعيد، لكن لا شك أيضاً في أن هناك من يحاول أن يدفع بالعامل الفلسطيني في صلب هذه الجريمة، لتحويل النظر عن المتهم الحقيقي ولخلق توترات تساعد في تحقيق أهداف سياسية واضحة.

فأحمد أبو عدس الذي نشر تصوير فيديو له هو فلسطيني، وخالد طه الذي قيل إنه جند أبو عدس هو فلسطيني، ورئيس لجنة التحقيق الدولية الأولى ديتليف ميليس قال في أول مؤتمر صحافي عقده إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة لها علاقة بالموضوع، وإن الشاحنة التي استُخدمت في التفجير فخّخت في أحد معسكرات القيادة العامة في منطقة الزبداني في سورية.

لكن ما صدر بعد ذلك من تحقيقات ومعلومات وردود أظهر كذب كل هذه الادعاءات التي ذُكرت، وتراجع اتهام عناصر فلسطينية لمصلحة توجيه الاتهام إلى سورية ثم إلى حزب الله، وهذا ما يترك أثره ونتائجه على المجتمع الفلسطيني في لبنان.

وفي الأشهر القليلة الماضية ازدادت المخاوف من حدوث فتنة مذهبية تغذّيها جهات دولية خارجية، وهناك مخاوف حقيقية من اقتتال مذهبي في لبنان، فإلى أي مدى يتأثر المجتمع الفلسطيني في لبنان بهذه القضايا؟!

الهدف من الحملات السياسية والإعلامية الهائلة هو اتهام حزب الله باغتيال الحريري، أي اتهام جهة شيعية باغتيال رئيس وزراء وزعيم سني حتى تحصل فتنة طائفية أو مذهبية، وتنهار الأوضاع في لبنان وتشوّه سمعة المقاومة.

الموقف الفلسطيني

هنا تأتي المشكلة، الفلسطينيون في لبنان يقعون بين نارين، فهم محسوبون على نهج المقاومة وخطها، أي على ما يقال إنه المعسكر السوري الإيراني، وهم في الوقت نفسه من الطائفة السنية. لكن لا شك أيضاً في أن علاقة الفلسطينيين في لبنان قوية جداً بتيار المستقبل وبحزب الله، ولا تؤيد هذه الأطراف الفتنة ولا تبشر بها، بل تعمل لمكافحتها وضبط الشارع.

تطورات مفاجئة وصادمة، وانقلاب الشارع وتحريك الغرائز، وبعدها لا يستطيع العقلاء التدخل، ويفقدون سيطرتهم على الشارع.

في لبنان 12 مخيماً فلسطينياً، وأكثر من ثلاثين تجمعاً، وتنتشر هذه المخيمات والتجمعات على طول الأراضي اللبنانية، أو جوارها من السنة والشيعة، ولا شك في أن وضع الفلسطينيين صعب في هذه المرحلة.

وهذا ما دفع القوى السياسية الفلسطينية إلى القيام بجولات سياسية على جميع القوى اللبنانية بهدف الاطلاع على الأجواء وتنسيق المواقف وتوجيه رسالة بابتعاد المجتمع الفلسطيني عن الأحداث الحاصلة.

وأكدت القوى الفلسطينية في جولاتها على الآتي:

- انفتاح هذه القوى في علاقاتها على الجميع.

- أهمية ضبط الأمن والاستقرار في لبنان.

- رفض الفلسطينيين لأي فتنة.

- عدم السماح لأي جهة باستخدام المخيمات ممراً لضرب لبنان وشعبه ومؤسساته ومقاومته.

- إمكانية التحرك العاجل لمحاصرة أي خلل.

ويراهن الفلسطينيون على دور سورية القوي في لبنان وعلى مواقفها للمحافظة على الأمن والاستقرار. كذلك يراهن الفلسطينيون على وعي القوى الفلسطينية ووقوفها إلى جانب جميع اللبنانيين، وعدم التدخل في الأزمات اللبنانية الداخلية.

من المحتمل أن تعزّز القوى الفلسطينية في الأسابيع القادمة حضورها السياسي ونشاطها الجماهيري وإجراءاتها الأمنية داخل المخيمات، لحماية الاستقرار ولطمأنة الفلسطينيين واللبنانيين. وهناك إصرار فلسطيني على عدم السماح لأحد بتوريط الساحة الفلسطينية أو على استقواء أي طرف بالوجود الفلسطيني لأي سبب. ولا شك في أن المرحلة القادمة صعبة، وأن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القوى الفلسطينية، التي عليها إدارة المرحلة بوعي، وحماية المجتمع الفلسطيني من التحول إلى كرة تتقاذفها الأطراف وتدفع ثمن التوافق والخلاف.♦