مجلة العودة

في الصميم :الفلسطينيون بين حالَي الظلم والانتفاض عليه

ماجد الزير
 

تجرّع  الشعب  الفلسطيني  واللاجئون  منه  على  وجه  الخصوص  شتى  أنواع  الظلم،  من  العدو  الصهيوني  ومن  ذوي  القربى  على  حدٍّ  سواء،  مع  اختلاف  درجاته .. فأعظم  الظلم  والقهر  هو  الطرد  والتشريد  وسرقة  الأرض  يرافقه  إزهاق  الأرواح،  وقد  امتدّ  ذلك  بأشكاله  وأساليبه  خلال  المائة  سنة  الماضية  من  دون  انقطاع . ولم  يسلم  منه  أيّ  فلسطينيّ  بالعموم  مع  اختلاف  الجغرافيا.

ومع  استحضار  الفرق  في  الأهداف  والنوايا  وفظاعة  الأحداث  والتفريق  بين  حيثياتها،  فإن  الشعب  الفلسطيني  تحت  الاحتلال  وإخوته  اللاجئين  المشرّدين  في  أنحاء  المعمورة،  تساوَوا  في  تلقّي  الظلم  وتجرُّعِه  بالمطلق . ونعتقد  يقيناً  بفرادة  تجربة  الشعب  الفلسطيني  في  الوقوع  تحت  الظلم  والعيش  معه  حتى  أصبح  جزءاً  من  كيانه  وصبغ  شخصيته.

ولكنّ  الشعب  الفلسطينيَّ  لم  يركنْ  يوماً  لحال  القهر؛  بل  انتفض  عليه  وتعملق  حتى  حلّق  في  سماء  العالم،  مُبرزاً  الوجه  الآخر  لشخصيته  الثائرة  التي  لم  تخضع  يوماً  لفرض  واقع  الاضطهاد،  وخصوصاً  من  جانب  العدوّ  الصهيوني  الذي  حاول  جاهداً،  ومعه  حشود  الداعمين  في  العالم،  أن  تخلوَ  له  الأرض  الفلسطينية  من  شعبها،  حيث  حاول  المغتصبُ  عبثاً  التنكيلَ  به  من  أوائل  القرن  العشرين،  مروراً  بالانتداب  البريطاني،  وبعده  إعلان  الدولة  الباطلة  على  أرض  فلسطين  الطاهرة.

فالشعب  الفلسطيني  ثار  يومَ  لا  ثورة  في  عالمه  الإقليمي  المحيط،  وانتفض  على  جلاّده  الصهيوني  مرات،  في  ظلّ  إعجاب  المراقبين  واستغرابهم  في  الوقت  نفسه  من  عِظم  مخزون  البطولة  والبسالة  لديه،  حتى  أصبح  ملهِماً  لكل  متعاطف  معه  أو  توّاق  للانعتاق  من  ظلم  واقع  عليه . ولعلنا  نجزم  بأن  شعبنا  هو  أكثر  من  يستشعر،  بعمق  وأسى،  الظلمَ  الذي  شاهده  ويشاهده  على  أي  شعب  أو  هيئة  أو  حتى  حكومات،  سواء  كان  المظلوم  عربياً  مسلماً  أو  غير  ذلك.

وباستطرادٍ  مهم،  وهو  بين  حالَي  الظلم  والانتفاض  عليه،  نظنّ  أن  الشعب  الفلسطيني  تعلّم  بالعموم  من  أخطاءٍ  وقع  فيها،  ونرى  أنه  اقتنع  أيضاً  بحقائق  عديدة،  أهمها  حاجته  إلى  إسناد  أمميّ  لكي  يحقق  أهدافه،  يبدأ  من  محيطه  العربي  إلى  الإسلامي  ومن  ورائه  الفضاء  العالمي  الداعم  للحق  والعدل . فقد  رأى  الدعم  غير  المنقطع  للكيان  الصهيوني،  وهو  ما  لا  يمكن  أن  يُقابل  إلا  بدعم  أكبر  لكي  تتحقق  الغَلَبة.

من  جانب  آخر،  نرى  أن  مواقفه  وتصرفاته  تجاه  أمور  عديدة  في  غير  زمان  ومكان،  لم  تخلُ  من  أخطاء . ومنها  التدخل  في  شؤون  الدول  وخاصة  المضيفة  له . لا  ننفي  أن  هذا  الرأي  يحتاج  إلى  حوار  داخلي  معمق  ما  زلنا  بانتظاره،  حتى  نستخلص  الدروس  بدقة  للوصول  إلى  توافق  عام  على  السلبيات  والإيجابيات  من  تجارب  الماضي.

ننطلق  مما  سبق  لنُعبّر  عن  رأينا  بأن  الشعب  الفلسطيني  غير  معني  بالخوض  في  تجارب  دموية  جديدة  بعيدة  عن  فلسطين،  كلّفته  مثيلاتها  في  السابق  عشرات  آلاف  الشهداء  ومزيداً  من  التشرّد  والأحوال  المعيشية  السيئة،  ولا  نريد  أن  يجرّه  أيٌّ  كان  إلى  تصدُّر  مشهدٍ  يجعله  ضحية  من  جديد . وهذا  لا  يعني  سلخ  الشعب  الفلسطيني،  وهو  المظلوم  أصلاً،  عن  التعاطف  والشعور  بالظلم  الواقع  على  الشعوب  في  أماكن  عدة.

فلسطينيو  الخارج  هم  في  حال  ضيافة  لدى  عدد  من  الدول .. وعلى  المضيف؛  أي  مضيف،  أن  لا  يزيد  معاناة  التشرّد  بجرعات  إضافية  من  الظلم  والقهر  وسوء  الأحوال  المعيشية  وأحياناً  إزهاق  الأرواح ! فتجربة  فلسطينيي  العراق  ونهر  البارد  في  لبنان  ومخيم  غزة  في  الأردن  وحملة  الوثائق  المصرية  من  فلسطينيي  غزة  والفلسطينيين  في  ليبيا  ومعاناة  فلسطينيي  الخليج،  وأخيراً  سقوط  شهداء  فلسطينيين  في  أحداث  سوريا  الجارية . تجارب  تدلّ  على  حال  الظلم  الذي  يتعرض  له  الفلسطينيون  في  الشتات.

الشعب  الفلسطيني  لديه  ما  يكفيه  من  هموم،  وهو  منعدم  الخيارات  في  المكان  الذي  يعيش  فيه  والزمان  والكيفية . فحذارِ  من  الزّجّ  بهذا  الشعب  في  وضع  لا  حول  له  فيه  ولا  قوة .