مجلة العودة

عرض كتاب "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية 2001-2011"

عرض كتاب "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية 2001-2011"

  بيروت /حسن ابحيص 

 
 
 شكّل العنصر الدولي، ولا يزال، أحد أهم جوانب التأثير في القضية الفلسطينية منذ بداياتها؛ حيث ارتبطت نشأتها أساساً بمصالح القوة العالمية الأبرز في أوائل القرن العشرين، أي بريطانيا آنذاك، قبل أن تحتكر وريثتها الولايات المتحدة الأمريكية دور اللاعب الدولي الأكثر تأثيراً في مسارها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. ولذلك، فقد كانت دراسة سياسة القوى العظمى، وتحديداً الولايات المتحدة، تجاه القضية الفلسطينية محطّ اهتمام متزايد لعدد كبير من الدراسات على مدار عقود، تضاف إليها اليوم دراسة جديدة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت للباحث أحمد جواد الوادية، في كتاب بعنوان "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية 2001-2011".
 ربما كانت الإضافة الأبرز التي يقدمها هذا الكتاب هي تركيزه على دراسة السياسة الأمريكية خلال فترة زمنية قريبة، تشمل ولايتي الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن (2001-2009) وجانباً كبيراً من ولاية الرئيس باراك أوباما الأولى، مع ما حملته المرحلة التي تلت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 والحرب العالمية على "الإرهاب" من أبعاد وتأثيرات على القضية الفلسطينية. ويبرز في الكتاب كذلك إلقاؤه الضوء على مدى قدرة النظام السياسي الفلسطيني على التعامل مع السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، ومحاولة تقديم تصور مقترح لكيفية التعامل مع هذه السياسة.
  يقع الكتاب في 272 من القطع المتوسط، ويضم ستة فصول متبوعة بمجموعة من النتائج والتوصيات. ومن أهم النتائج التي يخلص إليها الكتاب أنّ الولايات المتحدة، على حدّ وصفه، لم تكن يوماً جادة وصادقة في المبادرات التي قدمتها لحلّ القضية الفلسطينية؛ إذ تبيّن أنّ الهدف وراء تلك المبادرات كان فقط إدارة الصراع وكسب الوقت لمصلحة "إسرائيل"، لفرض حقائق تستفيد الأخيرة منها، وأن الولايات المتحدة لم تكن وسيطاً نزيهاً في كل جولات المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
 التطور التاريخي والمحددات
 يعرض الفصل الأول من الكتاب التطور التاريخي لسياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية في الفترة 1917-2000، موضحاً أنّ أمريكا التي كانت تعتمد سياسة العزلة وفقاً لمبدأ مونرو في بداية القرن العشرين، لم يكن لها دور فعّال في المنطقة عموماً، ولم تكن فلسطين محل اهتمام لها، وأنّ الاهتمام الأمريكي نحو الشرق الأوسط بدأ مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بينما بدأ الالتزام الأمريكي تجاه الحركة الصهيونية فعلياً مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أخذت الولايات المتحدة دور بريطانيا الداعم، بل والمتطابق مع موقف الحركة الصهيونية، بعد ضغط كبير من الأخيرة على صانعي القرار الأمريكي.
 ثم يتابع الكتاب عرض مواقف الإدارات الأمريكية المتتابعة من القضية، مروراً بمؤتمر بلتيمور المنعقد في نيويورك في أيار/ مايو 1942، الذي وثّق العلاقة بين أمريكا والحركة الصهيونية، وبالدور الأمريكي في دعم صدور قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947، والاعتراف الأمريكي "الفوري والسريع" بـ"إسرائيل" عند إعلان قيامها في أيار/ مايو 1948. ثم يتوقف عند تأثير تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية على تلك المواقف، مشيراً في هذا السياق إلى أن التوتر ساد التفاعل بين الطرفين نتيجة للسياسة الأمريكية الداعمة للحركة الصهيونية، إلا أن الفلسطينيين لم يتوقفوا عن محاولاتهم في إجراء اتصالات مع الولايات المتحدة لمعرفتهم بأنها الطرف الوحيد الذي يمكن أن يرعى تسوية سلمية.
 ويذكر الكتاب أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى هي التي دفعت إدارة الرئيس رونالد ريغان إلى توسيع دائرة الحوار مع م.ت.ف بوصفها عنصراً حاسماً في اللعبة لا يمكن تجاوزه بأيّ حال من الأحوال، لتتولى بعدها إدارة الرئيس جورج بوش الأب العمل على إنجاح هذا الحوار، عندما وجدت أن الوقت مناسب لبدء حل القضية الفلسطينية، مستغلة ظروف الساحة الدولية التي أنهت نظرية القطبين لمصلحة الولايات المتحدة. ويتناول أيضاً رعاية إدارة بيل كلينتون (1992-2000) لاتفاق أوسلو الموقّع في واشنطن في 1993، ولجولات المفاوضات التي فشلت في التوصل إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي.
 أما محددات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، فيقسمها الكتاب إلى محددات داخلية وخارجية، وتشمل الأولى الرأي العام وجماعات الضغط، وخصوصاً جماعات الضغط الصهيونية، فيما تتضمن الثانية عامل النفط، و"إسرائيل" ودورها كقاعدة استراتيجية في المنطقة. وهو ينبّه في هذا السياق إلى أنّ من غير الممكن فصل الاستراتيجيتين الأمريكية والإسرائيلية بعضهما عن بعض؛ لأنّ عناصر التخطيط الاستراتيجي لكلا الطرفين مترابطة إلى حدّ الوحدة.
 أحداث 11 أيلول/ سبتمبر
 
يتناول الفصل الثاني تأثير أحداث 11 أيلول/ سبتمبر على القضية الفلسطينية، مشيراً إلى محاولة "إسرائيل" استغلال مفهوم "محاربة الإرهاب"، الذي اكتسب أهمية خاصة في العلاقات الدولية إثر تلك الأحداث، من خلال الربط بين العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية والإرهاب.
 وفي هذا الفصل، يحلل الكاتب رد الفعل الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، مبيناً أن رد الفعل الأولي ركّز على السعي إلى التخفيف من الشعور المعادي لأمريكا في العالمين العربي والإسلامي، من خلال إبداء جهود جدية على صعيد حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودعم إنشاء دولة فلسطينية، إلا أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن لم تبذل جهداً في إقناع "إسرائيل" أو الضغط عليها لتغيير سياساتها، وانتهى بها الأمر بالاقتناع بوجهة النظر الإسرائيلية المتشددة تجاه الفلسطينيين.
 ويصف الكاتب الحرص الذي أبدته الولايات المتحدة لحلّ القضية الفلسطينية بأنّه نابع من الخوف على مصالحها، نتيجة لإدراكها أن سياستها الخارجية تجاه "إسرائيل" قد سببت لها إحراجاً، بل شجّعت من سمّتهم "الإرهابيين" على مهاجمة أمريكا، وبالتالي فإنّ هذا التوجه كان تكتيكياً، حيث وظفته واشنطن لاستمالة الدول العربية للدخول في الحلف الذي أقامته لمحاربة الإرهاب، وما لبثت أن راجعت مواقفها وعادت إلى التوافق مع المواقف الإسرائيلية ما إن تسنى لها تشكيل ذلك الحلف.
 ويعرض الفصل أيضاً المبادرات الأمريكية لحل القضية الفلسطينية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وأبرزها خطة خريطة الطريق، إلى جانب بحث دلالات مشروع الشرق الأوسط الكبير المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
 التأثير على النظام السياسي الفلسطيني
 يبحث ثالث فصول الكتاب تأثير السياسة الأمريكية على النظام السياسي الفلسطيني، متناولاً مظاهر التدخل الأمريكي المباشر في هذا النظام، وموقف أمريكا من الانتفاضة الثانية وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
 بعد عرض مظاهر الإشكالات في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومظاهر الإصلاح فيها، ومواقف الولايات المتحدة من هذه الإصلاحات، يخلص الفصل إلى أن واشنطن أسهمت كثيراً في عرقلة الجهود الذاتية الفلسطينية لإصلاح السلطة، عبر ممارسة ضغوط قوية على السلطة وعلى الأطراف الدولية الأخرى. ويضيف أنّ جلّ اهتمام الولايات المتحدة كان يتركّز على إصلاح البعدين الأمني والمالي، بهدف إنهاء المقاومة الفلسطينية، بينما أُعفي الاحتلال من أية مسؤولية تجاه الانتفاضة، وتجاه الخلل الذي لحق بالسلطة نتيجة ممارساته ضدها.
 وفي ما يتصل بالموقف الأمريكي من الانتفاضة وحصار عرفات، يشير الكاتب إلى أن هذا الموقف كان متعاطفاً مع الموقف الإسرائيلي، بل ومسانداً له، حيث إن إدارة بوش الابن، منذ توليها زمام الحكم في كانون الثاني/ يناير 2001، تعاملت مع المقاومة الفلسطينية على أنها "إرهاب"، وأيدت عمليات جيش الاحتلال ورأتها دفاعاً عن النفس. كذلك فإن الولايات المتحدة، المنادية بالديموقراطية وحرية الشعوب في اختيار ممثليها، قد أسقطت هذا الحق عن ياسر عرفات، وسكتت عن حصاره ومنعه من التنقل داخل الأراضي التي هي تحت حكمه، وحمّلته مسؤولية فشل المفاوضات وفساد السلطة واستمرار "الإرهاب" الفلسطيني، وتطابقت رؤيتها مع الرؤية الإسرائيلية المتمثلة بضرورة التخلص منه.
 الموقف من الانتخابات الرئاسية والتشريعية
 يعرض الفصل الرابع موقف الولايات المتحدة من النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الفلسطينية الرئاسية التي أجريت في مطلع 2005، والتشريعية التي أجريت في مطلع 2006.
 وهو يناقش السلوك الأمريكي تجاه الرئيس محمود عباس، مبيّناً أن المساندة الأمريكية له، بعد انتخابه رئيساً وعند توليه رئاسة الوزراء سنة 2003، لم تكن إلا مساندة شكلية بهدف شقّ الصف الفلسطيني، وأنها في الواقع لم تقدم له مساندة فعلية على المستوى السياسي. ويدلّ الكاتب على ذلك بتصرفات الإدارة الأمريكية إثر قمة شرم الشيخ في شباط/ فبراير 2005، التي لم تظهر جدية في مواجهة التوسع الاستيطاني وجدار الفصل، على الرغم من أن عباس كان قد قدّم خطوات ملموسة تتوافق إلى حدّ كبير مع المطالب الدولية، وتمكّن في الشهر التالي لانعقاد القمة من التوصل إلى التزام التهدئة من الفصائل الفلسطينية في حوار القاهرة، وكذلك الدعم الأمريكي لخطة فكّ الارتباط الإسرائيلية الأحادية الجانب، الذي عنى فعلياً موافقة أمريكا على إطلاق يد "إسرائيل" في الضفة الغربية مقابل انسحابها من غزة.
 وفي الموقف الأمريكي من الانتخابات التشريعية، يتناول الكاتب التباين في المواقف التي دعت إلى مشاركة حماس قبل إجراء الانتخابات، والمعادية للنتائج التي نجمت عن فوز حماس بغالبية المقاعد، وما تبع ذلك من حصار مالي وسياسي للحكومة التي شكلتها في 2006، وحكومة الوحدة الوطنية التي رأستها في 2007. وهو يخلص إلى القول إن الإدارة الأمريكية، على الرغم من تبشيرها بالديموقراطية واعتمادها أساساً لتصنيف الدول، إلا أنها أظهرت عدم إيمانها بهذه القيم إذا كانت إفرازاتها غير مواتية لمصلحتها.
 المفاوضات بعد مؤتمر أنابوليس
 يتناول الفصل الخامس الدور الأمريكي في مفاوضات الحل النهائي بعد مؤتمر أنابوليس، وهنا يربط الكاتب بين موعد إعلان انعقاد المؤتمر وموعد سقوط قطاع غزة بيد حماس (حزيران/ يونيو 2007)، ليضع المؤتمر في سياق سعي الإدارة الأمريكية إلى تعميق الخلاف بين الرئيس محمود عباس وحركة فتح من جهة، وحماس وحكومتها من جهة أخرى. وكذلك يضع الموقف الأمريكي الداعم لحكومة الطوارئ التي تشكّلت في رام الله برئاسة سلام فياض في السياق نفسه.
 ويلخص الفصل دلالات مؤتمر أنابوليس في سبع نقاط، هي: تعزيز الانقسام الفلسطيني، والضغط على حركة حماس، ومحاولة الرئيس بوش تحسين صورته المهزوزة عربياً، وتعزيز السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط، وإظهار "إسرائيل" في صورة المعنية بالسلام، ومنحها تطبيعاً أكثر، وخصوصاً مع الدول العربية.
 ثم يتابع عرض الجهود الأمريكية في دفع المفاوضات في الفترة التي تلت المؤتمر وحتى نهاية ولاية الرئيس بوش الابن، معدداً بضعة أسباب موضوعية لفشل المفاوضات، أبرزها أنّ الهدف الأمريكي منها لم يكن سوى تحقيق مكاسب دبلوماسية لإدارة بوش وليس التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية.
 عهد أوباما
 
يناقش الفصل السادس من الكتاب السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية خلال النصف الأول من ولاية الرئيس باراك أوباما الأولى (2009-2011)، وذلك من خلال بحث الموقف الأمريكي من الحرب على غزة 2008-2009 ومن تقرير جولدستون الذي حقق فيها، والموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية بعد تلك الحرب، والدعوات الأمريكية إلى إطلاق المفاوضات ومدى جديتها، ومن خلال تحليل خطاب أوباما في جامعة القاهرة في حزيران/ يونيو 2009 ومناقشة ما تحقق من الوعود التي وردت فيه، ومن ثم بحث الموقف الأمريكي من توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن لنيل العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.
 وفي الخلاصة، يرى الكاتب أن إدارة أوباما لم تتمكن خلال السنتين مدار البحث من تحقيق أي تقدّم على صعيد حل القضية الفلسطينية عموماً، حيث بقي الموقف الأمريكي داعماً للانقسام الفلسطيني، وداعماً لكل ما تسعى إليه "إسرائيل" من استمرار للاستيطان، والاحتفاظ بمرجعيات إسرائيلية للمفاوضات، وضرورة أن تكون نتائجها لمصلحة "إسرائيل".
 نتائج وتوصيات
 اختتم الكتاب بمجموعة من النتائج والتوصيات، يمكن أن نقول إنها جاءت بمثابة تأكيد لما خلصت إليه الكثير من الدراسات والتحليلات السابقة، من أن الولايات المتحدة عملت على إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يخدم مصالحها، ولم تسعَ إلى حلّه على أساس عادل، وأن رؤية كل من بوش وأوباما ووعودهما لحل الصراع بقيت حبراً على ورق، وأن الدعم المادي ومطالب الإصلاح الإداري والأمني كانت أبرز أدوات الضغط التي استخدمتها واشنطن تجاه السلطة الفلسطينية، إضافة إلى أنها عملت على تعزيز الانقسام الفلسطيني، في حين أنها لم تمارس أي ضغط على الإسرائيليين بهدف التوصل إلى حل سلمي.