مجلة العودة

أُغلقت "العودة" ولم تتحقق "العودة"

أُغلقت "العودة" ولم تتحقق "العودة"

لا أحبُّ هذا النّوع من الرثائيات، رغم أنّ الشهور الماضية كانت تنبئ بحدوثه، ولم أتمنّ أن أكونَ من يكتب هذه السطور؛ فمن يسهر الليالي في مواصلة الجهود، يتمنّ أن يسلّم الراية لمن يأتي من بعده ليواصل المسير، لكنّ الأمل في رحلة التتابع الإعلامي تصل إلى خطواتها الأخيرة.
في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2007م صدر العدد الأول من مجلة العودة، يومها سطّرت في افتتاحيتها وهج ميلاد هذا الأمل الإعلامي:
بصدور هذا العدد، تكون مجلة «العودة» قد أطلقت مسيرتها في عالم الصحافة، وتكون قد بدأت مشوارها الميمون على بركة الله.
وتأتي مجلة «العودة» لكي تعكس حراك وآراء الشعب الفلسطيني والعربي في ما يتعلق بحق العودة، وتعتمد سياسة الانفتاح على الجميع بما يخدم هذا الهدف.
في ذاك الجو الاحتفالي بميلاد مؤسسة إعلامية قادرة على الانطلاق نحو أفق رحب في فضاء العودة، انطلق الصوت بأملٍ عظيم في افتتاحية ذلك العدد (فصحيح أن حق العودة «قديم»، ولكنه «حاضر» أيضاً، وهو العنصر الأهم في «مستقبل» الصراع(.
في العدد الثاني والسبعين، تقف مسيرة المجلة عند محطتها الأخيرة، واكبتُها مُحرّراً في الصفحات الثقافية منذ انطلاقتها، وكُلفت من مجلس الإدارة الكريم برئاسة التحرير في حزيران 2010، وتسلمت ذلك رسميّاً في مارس/ آذار 2011م، متزامناً بقدر عجيب مع انفجار الأوضاع في سورية، فكانت مسيرة إعلامية محفوفة بالصعوبات الواقعية والإدارية، سعيتُ فيها إلى أن نؤسس فريقاً للعمل من خلال شباب متحفز لقضيته، مؤمن برسالته، يعضّ على الجراح ويمضي من خلال أسرة التحرير وفريق من المراسلين حملوا العبء الأكبر، بالإضافة إلى كوكبة من الكُتاب الناشطين في حق العودة الذين لم يترددوا في تلبية نداء العودة سياسياً وإعلامياً وثقافيّاً واجتماعيّاً، ويحاول أن يتجاوز كثيراً من العوائق التي واجهها.
عامان ونصف، ثلاثون شهراً وثلاثون عدداً في تحديات كثيرة، وظروف متقلبة، انتقلت فيها المجلة من سورية مروراً بلبنان إلى مصر.
سعينا جاهدين إلى أن نكون على مستوى القضية، أن نكون صوتاً صادقاً للاجئين، وانعكاساً حقيقياً لآمالهم وطموحاتهم، من خلال عمل إعلامي متخصص.
العودة: المنبر الفلسطيني الوحيد الذي حمل هذا الاسم في فضاء الإعلام الفلسطيني المطبوع، يُطلب منه أن يتوقف الآن بسبب ظروف مالية خانقة، ستحول دون أن تواصل هذه المجلة دورها، والحسرة مضاعفة حين نقرأ عن المئات من رجال الأعمال الفلسطينيين الذين لا تهمهم قضية، ولا يلتفتون إلى رسالة، حسبهم أموالهم في بنوك متعددة، وأموال في مشاريع مختلفة في أكثر من بلد.
يجيء الألمُ حسرةً على شعبٍ لاجئ ومشرد، في وقتٍ حرج، ومرحلة زمنية بالغة الحساسية، ومنعطف بالغ التعقيد، تتداخل فيها مخيمات الفلسطيني في العراق مع الفلسطينيين في سورية ولبنان، فيما يهدد الفلسطينيون في غزة، وتكمم أفواه اللاجئين في الضفة الغربية، وبين هذا الاضطراب يقف الفلسطيني في الأردن حائراً في آليات الدفاع الحقيقي والفاعل عن قضيته وشعبه وأمّته.
في هذه المرحلة الحرجة كم نتمنى والأمنيات تُغرر بالمرء أحياناً! أن تكون أصواتنا إلكترونية في الحدّ الأدنى إن تعذّر تطوير المطبوع، غير أنّ هذه الاستطاعة هي التي تحاصرُ أحلامنا ولا تفتّت من عزائمنا، رغم قسوة الواقع الإعلامي العربي، والحال الذي يعيشه إعلامنا الفلسطيني.
في طريقنا إلى العودة، ذلك الحلم المشروع، والأمل الكبير، والقضية العظيمة، والتحدي الكبير، في طريقنا إلى كل ذلك، ولدت مجلة "العودة"، وبعد سنين من العطاء، أُغلقت قبل أن تتحقق العودة!