مجلة العودة
فلسطين... بين العدوان والإعلان

لم يكن آرثر بلفور بوعده المشؤوم هو الحاضر الوحيد في دفتر الأيام الفلسطينية في نوفمبر المنقضي؛ ففي الوقت الذي ظنّ فيه البعض أنّ الأحداث الفلسطينية ستظل في منحنيات تقليدية متوقعة، وظنّ آخرون أنه لا يأتي بجديد، جاء نصفه الثاني مشتعلاً بالأحداث العسكرية والسياسية.

ففي الرابع عشر منه استهدفت الطائرات الصهيونية سيارة كانت تقل أحمد الجعبري، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، ما أدى إلى استشهاده مع عدد من مرافقيه، كان من المتوقع أن يأتي رد المقاومة الفلسطينية على الاعتداء الصهيوني ، خاصة أن عملية الاغتيال استهدفت شخصية لها دورها الكبير في أشهر عملية خطف جندي صهيوني في تاريخ النضال ، والتي أِشرف الجعبري بنفسه فيها على تسليم الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في صفقة وفاء الأحرار.

العملية التي أسماها العدو الصهيوني " عمود السحاب " جاء رد المقاومة عليها بعملية " حجارة السجيل " ، وكانت المقاومة عند مستوى هذا الاسم حين وصلت الصواريخ الفلسطينية إلى قلب عاصمة الكيان في تل أبيب، بل وإلى مدينة القدس أيضاً .

المقاومة الفلسطينية بصواريخها التي ضربت في العمق الصهيوني ، سواء في الشمال حيث تل أبيب أو في الشرق من القطاع حيث النقب وما حوله، أو في الشمال الشرقي حيث القدس، قدمت صمودا نوعيا رغم الفارق الهائل في الإمكانيات العسكرية الذي يصب حتما في صالح الاحتلال.

وقدم المجتمع الفلسطيني ثباتاً وتمسكاً بالأرض والمقاومة ، في مشهد مختلف تماماً عما رصدته وسائل الإعلام عن عدد من ردود الفعل الصهيونية سواء كان في صفوف الجنود أو المستوطنين ، الذين وصلت عشرات الإصابات " النفسية " منهم إلى المستشفيات.

في النتيجة الشعب الفلسطيني الذي احتضن المقاومة ، وتمسك بأرضه ودافع عن أبنائه استطاع أن يفرض على الصهاينة طلباً للتهدئة ، هذا الطلب الصهيوني عبّر عنه في قنواته السياسية مع الإدارة الأمريكية ، وبشكل مشرف للشعب الفلسطيني حيث جاء في تفاصيل الاتفاق الذي حمل عنوان "تفاهمات خاصة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة"، والتي كان من أهم بنودها أن تقوم دولة الاحتلال بوقف كل الأعمال العدائية على قطاع غزة برًّا، بحرًا، وجوًا، بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص.وتقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال من قطاع غزة تجاه "إسرائيل" بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود.

كما أنّ الاتفاق أقرّ بشكل واضح فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

وقد كان الحضور السياسي المصري واضحاً ومؤثّراً في رعاية هذه التفاهمات في أول حراك مصري مهم على الصعيد الفلسطيني منذ الثورة المصرية، وقد عبر الاتفاق عن هذا الدور من خلال الرجوع إلى مصر في حال وجود ملاحظات أو قيام أي طرف بخرق هذه التفاهمات التي رعتها مصر.

وفي المقلب الآخر جاءت كلمة محمود عباس " أبو مازن " أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك 27 سبتمبر 2012 إلا أن ماجاء فيها وللأسف لم يصب في ذات السياق الذي أنتجه صمود الشعب والمقاومة في معركة حجارة السجيل .فهل يعقل أن يقول أنه :"لم نأتِ إلى هنا ساعين إلى نزع الشرعية عن دولة قائمة بالفعل منذ عقود هي "إسرائيل"، بل لتأكيد شرعية دولة يجب أن تقام سريعاً هي فلسطين، ولم نأت هنا كي نضيف تعقيدات لعملية السلام التي قذفت بها الممارسات الإسرائيلية إلى غرفة العناية المركزة، بل لإطلاق فرصة جدية أخيرة لتحقيق السلام، ولا يستهدف مسعانا الإجهاز على ما تبقى من مفاوضات فقدت جدواها ومصداقيتها، بل هو محاولة لبث روح جديدة نأمل أن تنجح."

وختم كلمته قائلا: " إنّ الأحداث التي شهدتها فلسطين دخلت التاريخ المعاصر بين عدوان الاحتلال على قطاع غزة ، وإعلان قبول فلسطين في الأمم المتحدة كعضو مراقب".

وبالمقارنة نقول فعلاً دخلت فلسطين التاريخ المعاصر بين العدوان والإعلان ولكن ليس من بوابة مواقف الرئيس أبو مازن وتصريحاته وإنما من بوابة دماء الشهداء وصواريخ المقاومة التي استقرت في تل الربيع والقدس .♦

رئيس التحرير