مجلة العودة

"الدولة المراقِبة"... اعتراف دمَّر أحلام اللاجئين الفلسطينيين

"الدولة المراقِبة"... اعتراف دمَّر أحلام اللاجئين الفلسطينيين


محمد أحمد ترابي - الضفة الغربية


"دولة فلسطين"... اعتراف جعل من الأرض المحتلة دولة وعضواً مراقباً في الأمم المتحدة. هو تحقيق لهدف سعت إليه السلطة منذ سنوات، أيده الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني باعتباره تحدياً للاحتلال ومخططاته في محو الوجود الفلسطيني. ومن جهة أخرى، عدّه البعض قراراً دمّر آمال اللاجئين وطمر أحلامهم بالعودة إلى أراضيهم المحتلة عام 48؛ فالدولة المعترف بها مساحتها لا تتجاوز 22% من أرض فلسطين، وتسقط من حساباتها الأراضي المحتلة عام 48. ولتسليط الضوء على موقف اللاجئين الفلسطينيين من قرار إعلان الدولة، زارت "العودة" بيوت عدد منهم، واستطلعت آراءهم، وقرأت في عيونهم إحباطاً وخذلاناً تجاه مَن فرّط بأرض آبائهم وأجدادهم، وأخرجها من إطار الدولة التي يطمحون إليها، حسب تعبيرهم.

الطالب الجامعي محمود أبو عبية (22 عاماً) يسكن في مخيم عسكر للاجئين شرق مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، وتعود أصوله إلى مدينة يافا، وقد عارض بشدة قرار "الدولة"، وقال لـ"العودة: "أنا أرفض الدولة التي تقام فقط على أراضينا المحتلة عام 67، وفي ظل غياب معالم الدولة على أرض الواقع بسبب الاستيطان وجدار الفصل العنصري".

وانتقد محمود خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لأنه لم يذكر شيئاً من الثوابت التي لا نقبل بالتنازل عنها، وبصوتٍ غاضب قال: "أبو مازن لم يذكر حتى حق العودة الذي هو أساس حقوقنا، كذلك فإنه لا يريد نزع الاعتراف عن دولة إسرائيل"، مؤكداً: "نحن الفلسطينيين واللاجئين لا نعترف بدولة إسرائيل التي قامت على أنقاض قرانا المدمرة وعلى أرض أجدادنا وآبائنا".

ويشير محمود إلى أن حلمه قد دُمِّر عندما اصطدم بقرار الدولة ذات حدود الـ67، معتبراً إياه تنازلاً عن أرضه وأرض أجداده في الـ48، التي يتمنى أن يعود إليها، وأن تتحرر كامل فلسطين والعودة إلى أراضيهم المسلوبة في الداخل، وأن يصبح للسلطة الوطنية الفلسطينية جيش وطني يمتلك السلاح، وأن تكون الفترة القادمة فترة التحرر الكامل لجميع أراضي فلسطين، وأن يكون قرار الدولة على أراضي الـ67 خطوة مبدئية للسعي وراء تسليح الدولة وتحسين الوضع الاقتصادي، معرباً عن فقدانه الأمل بتحسين حياة اللاجئين في المخيمات حتى بعد "الدولة".

وكان الرئيس محمود عباس قد سعى إلى الحصول على اعتراف بلقب دولة مراقِبة في الجمعية العامة بالأمم المتحدة، وحصلت عليه أخيراً، ليُعترَف بفلسطين الدولة، التي لا تتجاوز نسبتها 22% من أراضي فلسطين التاريخية.

ويتطلع الفلسطينيون إلى أن تكون دولتهم خطوة في طريق مقاضاة الاحتلال، حيث إن "الدولة" ستمكّن الفلسطينيين من التوجه إلى المحاكم الدولية ورفع قضايا ضد الاحتلال، بينما يرى الكثيرون أن هذا الاعتراف يُعَدّ تنازلاً عن باقي الأراضي المحتلة، ولا سيما أراضي الـ48، ما يقيد حلم اللاجئين في العودة إلى أراضيهم، وانتهاء معاناتهم في مخيمات الضفة والقطاع والشتات.

دولة من ورق

الشاب محمود شوبكي (23 عاماً) الذي تعوده أصوله إلى مدينة حيفا المحتلة عام 1948، ويسكن حالياً في مخيم الفارعة شمال مدينة نابلس، أبدى عدم مبالاة بقرار الاعتراف بدولة فلسطين، وقال لـ"العودة": "أنا من الناس غير المبالين بإعلان الدولة؛ لأنها دولة على الورق لا أكثر. كيف سأبالي بخطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة، وهو لا يعترف بحق عودتنا إلى أراضينا المحتلة عام 48؟ إن كان لدينا أمل بالعودة فقد تلاشى بعد إعلان الدولة".

وتساءل الشوبكي: "أين هي الدولة التي تنصب على أراضيها الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الطريق وتعوقنا في التنقل من منطقة إلى أخرى، وما هي هذه الدولة التي يقتحمها جيش الاحتلال ليل نهار، ويعتقل الناس من بيوتهم".

واستنكر الشوبكي احتفال بعض الفلسطينيين بهذا القرار، وقال إنّ هناك من خرج للاحتفال بالدولة التي تتضمن فقط 22% من أراضينا، بينما الإسرائيليون كانوا غير راضين؛ إذ وصفوا هذا القرار بأنّه تفريط بـ 22% من أرضهم، كما يدّعون.

ولفت الشوبكي إلى أن الإيجابية التي يمكن أن يحملها قرار الاعتراف بالدولة هي أن السلطة قد تتمكن من محاسبة الاحتلال على جرائمه.

ولدى حديثه عن التغيرات التي يتطلع إليها بعد إعلان الدولة، قال الشوبكي: "نتمنى تحسين الظروف في المخيم وزيادة الاهتمام الصحي للأسر الفقيرة، والنظر إلى أمور الشباب الموهوبين، كذلك إن الكثير من العائلات في المخيم تعتمد في تلبية احتياجاتها على المساعدات، وخاصة المساعدات التي كانت تقدمها وكالة الأونروا، وبما أنه ستُلغى بطاقة المؤن بعد إعلان الدولة، وبما أنه أصبح لنا دولة، فعلى دولتنا أن تساعدنا وتقدم للعائلات الفقيرة ما كانت تقدمه الأونروا، ويجب أيضاً معاملتنا بعد إعلان الدولة، كمواطنين لا كلاجئين".

مكسب لمقاضاة الاحتلال

وإلى مخيم جنين شمال الضفة، أشار المواطن جمال الشاتي (45 عاماً) الذي هجّر من قرية المنسي قضاء مدينة حيفا، إلى أن الاعتراف بالدولة خطوة إيجابية ومكسب سياسي للقضية الفلسطينية، وقال: "الأراضي المحتلة عام 1967 كانت تُعَدّ أراضي متنازعاً عليها. أما الآن، فأصبحت أراضي للشعب الفلسطيني، ومن حقه، ولا يسمح للاحتلال بالاستيلاء عليها. إضافة إلى ذلك، أصبح لفلسطين الحق في الدفاع عن نفسها لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد أي جريمة تقوم بها إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني. أما قضية اللاجئين، فستبقى من ثوابت شعبنا ولن نتنازل عن حقنا في العودة إلى أراضينا".

أما مدير جمعية تأهيل المعوَّقين في مخيم جنين، جمال أبو العز (49 عاماً)، فقال إن القضية الأولى التي يجب أن نلتفت إليها قبل الدولة هي إتمام المصالحة، وتابع: "العالم الآن ينظر إلينا، وبسبب الانقسام الناس يعتقدون أن هذه الدولة هي في الضفة فقط، لذلك علينا أن نتوحد ونحقق المصالحة".

وأضاف: "أما في ما يتعلق بقضية اللاجئين، فهناك حق عودة، ولا ينبغي للسلطة القبول بحل على حدود 67 فقط، بل يجب المطالبة على حدود 48 التي هي من حق كل لاجئ فلسطيني، فكل الاتفاقيات السابقة كانت تنص على عودة اللاجئين التي هي من أهم البنود، وحيث إن اللاجئين ضحوا كثيراً عبر الزمن وخلال أربعة أجيال، وإضافة إلى ذلك يجب حل مشكلة الفقر المدقع الذي تعانيه المخيمات، وخاصة مخيم جنين في ظل وجود دولة حالياً".

ضياع حقوق اللاجئين

من ناحيتها، أبدت المعلمة في إحدى مدارس الأونروا في رام الله، بثينة عارف، عن خشيتها من ضياع حقوق اللاجئين إن تملصت السلطة من حق العودة، وتساءلت: "ماذا يقصد أبو مازن بتحقيقه حلم الدولة في الوقت الذي تخلى فيه عن أراضينا المحتلة عام 48؟ أكثر ما نخشاه الآن أن تتملص الأونروا أيضاً من الاعتراف بنا كلاجئين، وأن تسحب كل خدماتها من "الدولة"، وتعدّنا مواطنين، لا لاجئين هُجِّرنا من يافا وحيفا وبيسان وصفد واللد والرملة وباقي قرانا ومدننا المهجرة".

وتشير إلى أنّ "وكالة الأونروا بدأت منذ عامين بتقليص خدماتها المقدمة لنا في المخيمات، وفصل العديد من الموظفين، وتسعى إلى تقليص أعداد المعلمين في المدارس وتكديس الطلاب في الصفوف المدرسية. وأنا أعتقد أن هذا الأمر قد يكون تمهيداً لشطب قضيتنا ومحوها عن جدول الرئاسة الفلسطينية أيضاً".

وفي مخيم نور شمس بطولكرم شمال الضفة، كانت الحاجة أم روحي تجلس أمام بيتها، تتمعن بالتفاصيل الصغيرة التي تمرّ أمام عينيها منذ عشرات السنين. الأزقة هي ذاتها، وجدران البيوت الرمادية في المخيم تروي حكاية النكبة، تسترجع ذكرياتها وهي طفلة صغيرة تلعب في أرض والدها وجدها في يافا قبل أكثر من 65 عاماً، وتقول: "وكأن نكبتنا كانت بالأمس. لا زلت أذكر كل التفاصيل في بيتنا في يافا وحديقة المنزل وشجرة التين المعمَّرة التي كان جدي يعتني بها". تصمت قليلاً ثم تعاود رواية أوجاعها قائلة: "أما الآن، فانظروا إلى حالنا: نعيش في علب كبريت متلاصقة لا تدخلها الشمس، ونعاني قلة ذات باليد، وأحوال الناس في المخيم لا تطاق، ومع كل هذا يأتي عباس ويقول إننا أصبحنا دولة، وتخلى عن أرض جدي وأبي في يافا".

وتؤكد: "نحن لن نتخلى عن أرضنا ولم نخوّل أحداً ليتنازل عن حقنا. لقد مضى العمر ويمكن أن أرحل عن الدنيا قبل أن أعود إلى أرضي، لكن أبنائي وأحفادي حملوا الأمانة وحملوا حب تلك الأرض في قلوبهم وسيعودون إليها مهما طال الزمن". ♦