مجلة العودة

في الذكرى السنوية الرابعة لقرار محكمة لاهاي لماذا لم يستطع القرار منع بناء الجدار العازل

في الذكرى السنوية الرابعة لقرار محكمة لاهاي
لماذا لم يستطع القرار منع بناء الجدار العازل

سامي حمود/ بيروت

تمر الذكرى السنوية الرابعة على صدور فتوى محكمة لاهاي القاضية بإزالة جدار الفصل العنصري الذي تبنيه دولة الاحتلال، والذي أضرّ بحياة الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وهدم مئات البيوت وتشريد ساكنيها وقطع مئات الآلاف من الأشجار ومصادرة العشرات من آبار المياه.


 فضلاً عن تقطيع أواصر القربى وتهديد مستقبل الطلاب الفلسطينيين من خلال تدمير العشرات من المدارس وخسارة المئات من الفلسطينيين أعمالهم وأرزاقهم.

بالمقابل لا تعير دولة الاحتلال اهتماماً لصدور الفتوى عن أعلى هيئة استشارية قضائية للأمم المتحدة وتضرب عرض الحائط بكل المواقف الرسمية العربية والدولية المطالبة بإزالة الجدار، وما زالت مستمرة في عملية بناء الجدار على حساب هدم العديد من المنازل ومصادرة المزيد من الأراضي للفلسطينيين.

بعد مرور أربع سنوات على صدور هذه الفتوى، ما مصيرها؟ وهل يستطيع العرب عموماً والفلسطينيون خصوصاً الاستفادة منها والبناء عليها لتحقيق بعض المكاسب في المحافل الدولية وإعادة بعض الحقوق المسلوبة؟

صدور الفتوى

الفتوى الاستشارية صدرت عن محكمة العدل الدولية في لاهاي بتاريخ 9/7/2004، بعد أن أفشلت أمريكا صدور قرار من مجلس الأمن ضد بناء الجدار من خلال استخدامها حق النقض الفيتو لصالح «إسرائيل» بتاريخ 14/10/2003، ما دفع الجمعية العمومية إلى اتخاذ قرار بطلب الرأي الاستشاري من المحكمة.

في المقابل قام الفلسطينيون بحملة إعلامية ونشاطات جماهيرية وقانونية وكذلك نشاطات دبلوماسية ضد الجدار، ونجحوا في القيام من خلال مناصري القضية الفلسطينية في مختلف دول العالم بحشد رأي عام (إلى حد ما) ضد بناء الجدار، وفي الأمم المتحدة استطاع الفلسطينيون والعرب حشد عدد كافٍ من الدول الأعضاء في الجمعية العمومية، لاتخاذ قرار بطلب رأي قانوني من المحكمة الدولية حول الجدار.

ولخصت المحكمة قراراتها النهائية في البند 163، أن الجدار يتعارض مع القانون الدولي، وأن «إسرائيل ملزمة بأن توقف على الفور أعمال تشييد الجدار، وأن تلغي على الفور أو تبطل مفعول جميع القوانين التشريعية واللوائح التنظيمية المتصلة به، وأن تعوض على المتضررين».

وبعد صدور الفتوى وإرسالها إلى الجمعية العمومية، قامت الجمعية العمومية بتبنيها بأغلبية كبيرة وصدر قرارها بهذا بتاريخ 20/7/2004 وحمل الرقم A/RES/ES-10/15.

ما هو الجدار؟

تم إقرار إقامة هذا الجدار في شهر نيسان/ أبريل من عام 2002 خلال جلسة خاصة للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر «الكابينت»، وتم البدء بتنفيذه في شهر حزيران من العام نفسه، بعد أن تسلم شارون رئاسة الحكومة.

يخترق الجدار حدود الضفة الغربية لأعماق متفاوتة تتراوح بين عشرات الأمتار مثل المقطع الواقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الخليل وحتى مئات الأمتار في الأغوار.

سيصل طول الجدار حال اكتماله إلى 770 كم، وحسب خريطة الاحتلال، فالجدار سينهب 46% من أراضي الضفة الغربية منها 10% ستعزل غربي الجدار من كل محافظات الضفة ولا تشتمل هذه النسب أراضي القدس التي تشكل 4% من الضفة، وفي الأغوار سيتم عزل 28.5% من أراضيها عن الضفة.

يلتف الجدار إلى عزل 74 مستوطنة يسكنها 367,646 مستوطناً من الجهة الغربية منه، في حين يبقى الشرق منه حوالى 74 مستوطنة أخرى يسكنها 56،354 مستوطن..

وفي أحدث تقرير عن الجدار صدر مطلع تموز/ يوليو 2008، ذكرت دراسة أعدها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) ووكالة الأونروا أن 87% من مساحة الجدار الفاصل مقامة على أراضي الضفة الغربية، خلافاً لقرار المحكمة الدولية، منوهة إلى أن 9.8% من مساحة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية موجودة ما بين الجدار والخط الأخضر، وبالتالي هي معزولة عن باقي أنحاء الضفة.

وبحسب الدراسة، فإنه إذا ما تم استكمال بناء الجدار وفق مساره الحالي، فإن 35 ألف فلسطيني يحملون بطاقات هوية الضفة الغربية ويقيمون في 35 تجمعاً سكانياً سيتواجدون بين الجدار والخط الأخضر، فضلاً عن أن 250 ألف فلسطيني من سكان القدس الشرقية ويحملون بطاقات القدس سيتواجدون بين الجدار والخط الأخضر، في حين أن تجمعات سكانية فلسطينية موجودة في داخل ما يسمى حدود بلدية القدس سيفصلون عن القدس من خلال الجدار، الذي سيعزل قرابة 285 ألف فلسطيني عن الضفة الغربية.

إلى ذلك، تكشف الدراسة عن وجود 66 بوابة على طول مسار الجدار، من بينها 8 بوابات فيها جميع صفات الحاجز، و11 بوابة زراعية و7 بوابات موسمية أسبوعية، و12 بوابة موسمية، و27 بوابة يتطلب الدخول عبرها التنسيق المسبق، وبوابة واحدة مفتوحة لمدة 24 ساعة في بلعين.

تأثيرات الجدار

في القطاع الزراعي سيؤدي الجدار إلى انخفاض في الإنتاج الزراعي من زيت الزيتون بمعدل 2200 طن/ سنوياً، وإنتاج الثمار بمعدل 50 طناً والخضراوات بمعدل 100 ألف طن سنوياً. والحيوانات التي ستفقد مناطق رعيها بـ 10 آلاف رأس.

في مجال البيئة، الأشجار المقتلعة والمقطوعة وصل عددها منذ بدء الانتفاضة الحالية إلى مليون شجرة من مختلف الأصناف منها 83 ألف شجرة زيتون، سيؤدي قلعها لإلحاق الأذى والأضرار بالبيئة الفلسطينية من تلوث الهواء والضوضاء والناحية الجمالية وسيؤدي إلى تعرية الأرض والتربة بشكل كبير، وإلى انسياب المياه السطحية وتؤثر الحوض المائي والجوفي.

اقتصادياً، سيؤدي الإغلاق وتقطيع المصدر الزراعي إلى زيادة جيش البطالة في نسبة السكان، بإضافة 35% من تعداد السكان كانوا يعتمدون على الزراعة كمصدر رزق لهم، وتدمير البنية التحتية الصناعية والاقتصادية حيث أدت إلى هروب رأس المال العامل في هذا القطاع لخارج المدن.

يُفيد ذلك بأن هدف الاحتلال من إقامة هذا الجدار يرمي إلى قطع التواصل الفلسطيني وتفكيك أوصال الدولة الفلسطينية القادمة من خلال فرض سياسة الكنتونات على أراضي الضفة الغربية (3 كنتونات) شمال، وسط، جنوب، وإلى قطع التواصل السكاني في ما بينها، في المقابل سيتم خلق تواصل وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية حيث تم ربطها بالأراضي المحتلة عام 1948 من خلال شبكة طرق حديثة وسريعة وبنية تحتية متطورة جداً وشاملة.

هل يُبنى على فتوى لاهاي؟

- فتوى محكمة لاهاي إنجاز دولي وعربي وفلسطيني تجاه مسألة إلزام «إسرائيل» قانونياً بإزالة الجدار وعدم متابعة استكمال المراحل الأخرى من البناء بالإضافة إلى التعويض على الأضرار الناجمة عن بنائه للفلسطينيين.

- إن تبنّي الجمعية العمومية للأمم المتحدة لفتوى لاهاي وصدور قرار بهذا الشأن، له تأثير قوي يدعم الموقف الفلسطيني في مواجهة الغطرسة الصهيونية.

- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة له أهمية كبيرة جداً في تقوية فتوى المحكمة وتحويلها إلى جزء من القانون الدولي، ويجب إعطاء جهد واهتمام كبيرين للبند السابع في هذا القرار والذي يطالب سويسرا بالتحرك للعودة لعقد مؤتمر للدول أعضاء معاهدة جنيف للعمل على إلزام «إسرائيل» باحترام وتطبيق المعاهدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

- هذه أول مرة يصدر قرار دولي يدين «إسرائيل» ويطالبها بتنفيذ قرار دولي من طرف واحد واعتبار الجانب الفلسطينى معتدى عليه.

- هناك إجماع دولي رسمي وشعبي على أن بناء الجدار مخالف للقوانين الدولية ويضر بحياة الآلاف من الفلسطينيين.

- بالمقابل، إن ضعف الموقف الرسمي العربي والفلسطيني في المحافل الدولية، وعدم إلمامهم القوي بالقانون الدولي والتصدي لألاعيب الاحتلال ومواجهتها بالسلاح نفسه والاستفادة من قرارات الأمم المتحدة التي تُلزم «إسرائيل» بإعادة الحقوق الفلسطينية وأبرزها قضية اللاجئين والعودة، كان سبباً أساسياً في الضعف الذي لحق بالفتوى.

بناء على ما تقدم، نرى أن الرهان الحقيقي والتعويل الأساسي يقعان على عمل المنظمات والجمعيات الأهلية التي كانت أحد أهم الأسباب الضاغطة لإصدار هذه الفتوى - القرار.
 

النص الحرفي للبند 163

ولهذه الأسباب، فإن المحكمة:

1- بالإجماع، تقرر أنها ذات اختصاص بالنسبة إلى إصدار الفتوى المطلوبة.

2- بأغلبية أربعة عشر صوتاً مقابل صوت واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية: تقرر أن تستجيب لطلب إصدار الفتوى.

3- تجيب كما يلي عن السؤال المطروح عليها من الجمعية العامة:

أ- بأغلبية أربعة عشر صوتاً ضد صوت واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية: إن تشييد الجدار الذي تقوم إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، ببنائه في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وحولها، والنظام المرابط به، يتعارض مع القانون الدولي.

ب‌- بأغلبية أربعة عشر صوتاً ضد صوت واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية: إسرائيل ملزمة بوضع حد لانتهاكاتها للقانون الدولي، وهي ملزمة بأن توقف على الفور أعمال تشييد الجدار الذي تقوم ببنائه في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وما حولها، وأن تفكك على الفور الهيكل الإنشائي القائم هناك، وأن تلغي على الفور أو تبطل مفعول جميع القوانين التشريعية واللوائح التنظيمية المتصلة به، وفقاً للفقرة 151 من هذه الفتوى.

ج- بأغلبية أربعة عشر صوتاً ضد صوت واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية: إسرائيل ملزمة بجبر جميع الأضرار الناتجة من تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وما حولها.

د- بأغلبية ثلاثة عشر صوتاً مقابل صوتين وهما الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا: جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني المترتب على تشييد الجدار وعدم تقديم العون أو المساعدة في الإبقاء على الوضع الناشئ عن هذا التشييد، وتتحمل جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949، مع احترامها لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، التزاماً إضافياً، بكفالة امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي على النحو الوارد في تلك الاتفاقية.

هـ- بأغلبية أربعة عشر صوتاً مقابل صوت واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية: ينبغي للأمم المتحدة، ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن، النظر في ما يلزم من إجراءات أخرى لإنهاء الوضع غير القانوني الناتج من تشييد الجدار والنظام المرتبط به، مع المراعاة الواجبة لهذه الفتوى.