مجلة العودة

العنصرية في إسرائيل: معطيات مقلقة ومخيفة

العنصرية في إسرائيل: معطيات مقلقة ومخيفة

عباس إسماعيل /بيروت

عادت العنصرية الإسرائيلية إلى واجهة الاهتمام، في أعقاب الكشف عن مظاهر عنصرية جديدة تجلت في المواقف التي أبداها الجمهور اليهودي في «إسرائيل» تجاه فلسطينيي 48، في كل ما يتعلق بحقوقهم السياسية والمدنية، فضلاً عن «الفتوى» العنصرية التي أطلقها مئات رجال الدين اليهود من حاخامات المدن، التي حظرت على اليهودي بيع البيوت للعرب أو تأجيرها، حتى وإن كان من «مواطني» الدولة العبرية، مستندين في فتواهم إلى ما ورد في التوراة لجهة تحريم بيع بيت أو حقل في أرض «إسرائيل» لغريب»، ومعلِّلين فتواهم بالسعي إلى الحيلولة دون إلحاق الضرر باليهودي.

فقد أظهر استطلاع «مقياس الديموقراطية» الذي نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أنَّ أغلبية الجمهور تؤيد اشتراط حق الاقتراع بتصريح الولاء للدولة، وأن أغلبية مطلقة تؤيد اتخاذ قرارات مصيرية للدولة من قبل اليهود وحدهم، وأغلبية تؤيد تخصيص مزيد من المصادر لليهود منها للعرب؛ ونحو ثلث اليهود يؤيدون إدخال فلسطينيي 48 إلى معسكرات اعتقال في أوقات الحرب، ونحو الثلثين يعتقدون بأنه يجب عدم تعيين وزراء عرب. وحسب البروفيسورة تمار هيرمان، وهي باحثة كبيرة في المعهد الإسرائيلي للديموقراطية، فإن نتائج الاستطلاع تبين أن «الشرخ الأكثر إشكالية في المجتمع الاسرائيلي، بالمعنى الديموقراطي، هو الشرخ اليهودي– العربي، وهو الذي يلقي بظلاله على الصورة الديموقراطية لدولة «إسرائيل»».

هذه المعطيات أثارت قلق كثير من المراقبين في «إسرائيل»، الذين وجدوها تُعرض «الديموقراطية الإسرائيلية» للخطر، وفق افتتاحية صحيفة هآرتس التي قالت إنّ ثمة شروخاً في الديموقراطية الاسرائيلية تنفتح، وهي آخذة في الاتساع، مشيرة إلى أن استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، يظهر صورة شوهاء ومقلقة عنها، أساسها انعدام فهم مبادئ النظام المتبع في «إسرائيل».

وأشارت هآرتس إلى أن هذه النتائج تأتي بعد حملات التحريض والشقاق على فلسطينيي 48، من حاخامات وسياسيين، وبعد مشاريع قوانين مناهضة للديمقراطية بُحثت في الكنيست وأقر بعضها. ولفتت إلى أن كل هذا حصل من دون سماع صوت رئيس الحكومة، ووزير التربية والتعليم، ورئيسة المعارضة. بناءً على ذلك فإن النتائج، رغم أنها غير مفاجئة، إلا أنها خطيرة جداً، بحسب هآرتس، وأنه يقبع في أساسها التفكير المشوَّه في أن الديموقراطية معناها طغيان الأغلبية، وأن مساواة الحقوق لعموم مواطني الدولة ليست جزءاً لا يتجزأ من النظام.

في السياق ذاته، قال يهوشع سوبول في صحيفة «إسرائيل اليوم» إن المعطيات التي انكشفت في الاستطلاع مخيفة. وأضاف أنه مخيف بقدر لا يقلّ السماع بأن الوزير ليبرمان يدعي أن قادة الجمهور العربي مذنبون باعتبارهم أن الوسط اليهودي بات عنصرياً.

وإذ أشار سوبول إلى أنه في أعقاب الاستطلاع كتب من يبرر عنصرية أغلبية الوسط اليهودي بأن العرب يدفعون اليهود في «إسرائيل» إلى الزاوية، سخر من هذا الادعاء اعتماداً على المعطيات الواردة في الاستطلاع، فقال ساخراً: «إن إسرائيل تسيطر على 78 في المائة من الأرض التي بين البحر والنهر – وهذا يسمى أن العرب حشروا اليهود في الزاوية. لم تبن أي بلدة عربية جديدة منذ قيام الدولة – وهذا يدفع اليهود إلى الزاوية. البلدات العربية تختنق من انعدام الأراضي للتوسع– وهذا يدفع اليهود إلى الزاوية. الأكاديميون العرب يستبعدون من مجالات كاملة في الصناعة والاقتصاد الإسرائيلي – وهذا يدفع اليهود إلى الزاوية. 13 مواطناً عربياً أطلقت النار عليهم فقتلوا على أيدي رجال شرطة إسرائيليين، ولا أحد يقدم الحساب على ذلك – وهذا حقاً يدفع اليهود الى الزاوية» وختم بالقول: «ليس القاتل بل الضحية هو المذنب».

ورأت الكاتبة ياعيل باز ملماد في صحيفة معاريف أن «إسرائيل» أصبحت رسمياً دولة عنصرية من أسوأ نوع.

وقالت ملماد: «إن كلمة زلزال فيها شيء من عدم الإفراط في وصف ما يُبينه هذا الاستطلاع، ومن ذا يهمه الجنون المطلق، والجهل، والحماقة، والحَيونَة التي رُميت بها وجوهنا على نحو جاف بالأرقام والحقائق؟ لم يطلب أي عضو كنيست بحثاً عاجلاً للموضوع ولم يطرح أي وزير هذا الموضوع في الحكومة».

ورأت زهافا غلؤون في صحيفة «إسرائيل اليوم» أن الحاخامات الذين وقّعوا بيان يحظر تأجير الشقق للعرب ليسوا وحدهم على الإطلاق، إذ إنّ وضع حقوق الإنسان في «إسرائيل» 2010 في تراجع. وقالت إنهم ينضمون إلى الحكومة والكنيس اللذين قررا تقليص الديموقراطية لمواصلة الاحتلال من أجل المسّ بدولة الرفاه ومن أجل تلبية الاحتياجات القطاعية.

وقالت غلؤون: «للأسف الشديد، الكنيست بدلاً من أن يكون بيت الديموقراطية الإسرائيلية، أصبحت خطراً استراتيجياً عليها. هذا كنيست دفع في السنة الأخيرة إلى الأمام بسلسلة قوانين عنصرية، متزلفة للجمهور ومناهضة للديمقراطية».

وأشارت غلؤون إلى أنه حتى اليوم كانت هناك حاجة إلى المعاذير لتغطية العنصرية وكراهية الأجنبي والمختلف. أما اليوم فلم تعد هناك حاجة إلى ذلك. فالمسّ بحقوق الإنسان بات عادياً.