مجلة العودة

دراسة إسرائيلية - أميركية: لا مناص من حماس

دراسة إسرائيلية - أميركية: لا مناص من حماس
عباس اسماعيل/بيروت
 
  تطرقت دراسة إسرائيلية-أميركية، إلى الخيارات المتاحة أمام الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية لمواجهة "معضلة" حماس، التي تفاقمت كثيراً بالنسبة إليهما، في ضوء فشل كل الجهود والمساعي والمحاولات التي بُذلت على الصعد   الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والسياسية، في إسقاط الحركة أو إضعفاها أو ترويضها، ولا سيما بعد سيطرتها على قطاع غزة، فخلصت الدراسة إلى أنه لا مناص من حركة حماس، وأنه لا مجال لتجاهلها أو تجاوزها في أي تسوية مستقبلية ممكنة.  

وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن الدراسة التي أعدّها أحد كبار قادة "الشاباك" السابقين، المعروف بالحرف الأول من اسمه "ج"، والذي كان مرشحاً لرئاسة الشاباك خلفاً للرئيس السابق يوفال ديسكين، بالتعاون مع البروفيسور دانيال بايمان، مدير البحث في مركز "سابان" والمحاضر في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، نشرها معهد "بروكنغز"، وهي تتضمن ثمانية خيارات لمعالجة موضوع قطاع غزة. وكان استنتاج الباحثين الواضح أنه لن يوجد أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية بلا تسوية – تُحرز بطرق عنيفة أو بطرق سياسية – مع حماس في غزة. وكل محاولة لتأخير النهاية أو تجاهل الحاجة إلى حل مع حماس، تُعرض مصالح إسرائيل والولايات المتحدة للخطر.

يعرض "ج" وبايمان ثمانية نماذج ممكنة للتسوية بين إسرائيل وحماس ويحللانها. لا يوجد بين هذه النماذج نموذج مثالي، بل ثمة إمكانية للتأليف بين عدة نماذج أيضاً أبرزها:

النموذج الأول، هو التوصل إلى هدنة. وبحسب الدراسة، تبدأ إسرائيل بضمان ومساعدة أمريكيين محادثات رسمية مع حماس للتوصل إلى هدنة دائمة. تمنح هذه الهدنة حماس الشرعية، وتزيل عنها الضغط الإسرائيلي وتهب لها فرصة لأن تُبين للعالم أن عندها قدرة على الحكم. ومن جهة إسرائيل، ستُمكّن الهدنة الدائمة من وجود حياة سليمة على طول الحدود وتزيل الانتقاد الدولي لسلوكها إزاء القطاع.

يقول الباحثان إن أخطار هذا النموذج لا يستهان بها؛ فحماس قد تستغل الهدنة لتعزيز قدراتها العسكرية. وسيصعب على إسرائيل، في المقابل، أن تعرض فرقاً كبيراً بين ما يحدث في غزة وإنجازات السلطة في الضفة الغربية. وستشوش الهدنة أيضاً على صوغ تصور دولتين للشعبين؛ لأنها ستؤكد هوية غزة الذاتية وتفضي إلى فصلها عن الضفة.

ويرى المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان أنه على الرغم من أن الباحثين   لا يرتبان في الحقيقة الخيارات في سلم أفضليات، لكن جعل التفاوض المباشر مع حماس هو الأول في القائمة ليس صدفة كما يبدو. والتعليلات المضادة للهدنة في الجانبين، هي في الأساس تعليلات زائفة، بحيث يمكن أن نفترض أن هذا هو الحل المراد في نظر "ج" وبايمان.

النموذج الثاني، احتلال القطاع من جديد، وهذا عكس النموذج الأول, والهدف منه الاستيلاء على جزء من القطاع أو كله، بما يتيح للجيش الإسرائيلي هدم البنية التحتية العسكرية لحماس والمنظمات الأخرى.

يقول الباحثان سلفاً إن احتلالاً جديداً سيكلف إسرائيل ثمناً باهظاً، ولا سيما من القتلى والجرحى. ستطول الحرب كثيراً، وستستعمل حماس رجالها في الضفة أيضاً، مع محاولة إسقاط أبو مازن. في وضع كهذا، لن يكون للسلطة أي إمكان لإجراء تفاوض، وسيلحق بإسرائيل ضرر سياسي على صعيد علاقاتها مع الولايات المتحدة والجماعة الدولية.

النموذج الثالث يدعو إلى توجيه ضربة عسكرية محدودة. يرمي هذا البديل إلى تدمير قدرة حماس الصاروخية وإصابة القادة والنشطاء العسكريين. لكنه، في زعم الباحثين، لن يُسهم في شيء؛ لأن حماس قادرة على تحسين قدراتها تحت الهجمات الإسرائيلية أيضاً.

النموذج الرابع، عزل القطاع. هذا في الحقيقة هو الوضع الراهن تقريباً. لكن كما يرى الباحثان، للحصار أيضاً جوانب سلبية من جهة إسرائيل: فهو يعزز مكانة حماس إزاء خصومها في المجتمع الفلسطيني، ويزيد من تعلق المنظمة بطهران، ويزيد الحصار الانتقاد الدولي لإسرائيل في الشأن الإنساني.

ويقول الباحثان إن الإصرار على سياسة العزل يصبح أكثر تعقيداً بالنسبة إلى إسرائيل، في ضوء تغيّر النظام في مصر.

النموذج الخامس يتمثل في إقامة ثلاث دول لشعبين. وهذا يعني أن تجري إسرائيل تفاوضاً مع حماس ومع أبو مازن في إنشاء فعلي لدولتين فلسطينيتين. غير أن هذا الحل غير ممكن تقريباً في الظروف الحالية؛ فحماس وأبو مازن لن يبدآ تفاوضاً، خشية اتهامهما بإهمال فكرة فلسطين الموحدة. والتجربة الأخيرة لتوحيد الصفوف تكاد تقضي تماماً على احتمال تنفيذ هذا النموذج.

النموذج السادس، الاستبدال بحماس. وفق هذا النموذج، تستطيع إسرائيل - بمساعدة أمريكية - أن تبذل جهداً، وأن تفضي إلى إنهاء حكم حماس بإجراء عسكري. لكن لن يكون لقيادة فلسطينية تتولى الحكم "فوق حراب" إسرائيلية شرعية على الأرض، وسيعيد إجراء ديموقراطي بالانتخابات حماس إلى السلطة.

النموذج السابع يقوم على مبدأ المسؤولية الدولية. الفكرة هي أن تتولى الأمم المتحدة أو حلف شمالي الأطلسي مسؤولية إدارية عن غزة. لكن الباحثين يقولان فوراً إن حماس وجماعات أخرى ستعارض قوة من هذا القبيل، وتعمل في مواجهتها بالوسائل نفسها التي عملت بها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وستهاجم في المقابل إسرائيل، لا لتبرهن على الجهد الوطني المعادي للمحتل، بل كي تورط إسرائيل مع الجهات الدولية.

لكن مشكلة هذا النموذج تكمن في أنه يصعب اليوم تجنيد موارد كبيرة لغزة، يحجم القطاع الخاص عن الاستثمار هناك، والدول العربية لا تفي أصلاً بالتزاماتها المالية للقطاع، والأزمة الاقتصادية العالمية لا تساعد أيضاً.

يُجمل الباحثان الدراسة بالقول: "إن جميع الخيارات التي عرضت إشكالية، وبرغم أنه لا تبدو واحدة منها واعدة، لا توجد خيارات أخرى. فعملية السلام وأمن إسرائيل واستقرار المنطقة أيضاً متعلقة بعلاج التهديدات من نظام حماس. فتجاهل القطاع ليس خياراً".