مجلة العودة

من صحافتهم إسرائيل في مواجهة استحقاق أيلول: هستيريا وحماقة

إسرائيل في مواجهة استحقاق أيلول: هستيريا وحماقة
عباس اسماعيل / بيروت
 
 
 تترقب الأوساط الإسرائيلية بقلق وتوتر شديدين "استحقاق أيلول"، حيث من المتوقع أن تُعلن غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اعترافها بدولة فلسطين. وفيما تواصل المستويات السياسية والدبلوماسية في إسرائيل مسعاها الحثيث لفرملة هذا الاستحقاق بالتعاون مع الإدارة الأميركية، يبرز تلويح عدد من المسؤولين الإسرائيليين بسيف الإجراءات العقابية والانتقامية بحق الفلسطينيين من خلال التهديد بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية تارة، وإلغاء اتفاقات أوسلو تارةً أُخرى.

في ضوء هذه التهديدات، انبرى عدد من الكتّاب والمحللين الإسرائيليين، للتحذير من خطورة اللجوء إلى خطوات كهذه ومضارّه، على الإسرائييليين قبل الفلسطينيين، مُذكرين الحكومة الإسرائيلية بجملة من الوقائع والحقائق التي تدعم وجهة نظرهم.

في هذا السياق، تحت عنوان "هستيريا أيلول"، قالت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها إنه كلما اقترب موعد التصويت في الأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، تتعاظم مؤشرات الهستيريا لدى حكومة إسرائيل.

وتوقفت الصحيفة عند المواقف والخطوات الإسرائيلية، فأشارت إلى أنه في البداية جندت وزارة الخارجية لتنفيذ حملة إعلامية تخويفية في أرجاء العالم، تحولت أخيراً الى حملة توبيخ للدول التي وعدت بتأييد المبادرة الفلسطينية – العربية. وبعد أن تبين أن أكثر من 120 دولة تعتزم التصويت لمصلحة المبادرة في الأمم المتحدة، هدد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بأن إسرائيل ستلغي اتفاقات أوسلو، ثم اقترح قطع كل العلاقات مع السلطة الفلسطينية، في ردّ مسبق على موجة العنف التي ستندلع، بزعمه، غداة الإعلان في الأمم المتحدة.

وعقّبت هآرتس على التهديدات الإسرائيلية بالقول إنّ "من الصعب التفكير في خطوة أخطر وأسخف من تصفية السلطة الفلسطينية والمسّ بمصدر رزق عشرات آلاف رجال الأمن والموظفين الذين يعتمدون على طاولتها". ورأت أن هذه الخطوة "ستؤدي إلى الفوضى في الضفة وتلقي على إسرائيل المسؤولية عن رفاه 2.5 مليون نسمة. السلطة الفلسطينية بقيادة فتح هي الحاجز الأخير الذي يقف أمام تحول الضفة إلى فرع لحماس".

من جهتها، تطرقت صحيفة يديعوت أحرونوت، إلى التفكير الإسرائيلي بإلغاء اتفاقات أوسلو رداً على مساعي السلطة الفلسطينية. وكتبت في افتتاحيتها بقلم دوف فايسغلاس، أنه "قبل أن تورط إسرائيل نفسها بحماقة أخرى، يحسن أن نتفحّص المعنى العملي للإجراء المقترح".

ولفت فايسغلاس إلى أن إلغاء اتفاقات أوسلو معناه وقف نشاط السلطة، لأنه جرى الاتفاق فيها على مسيرة سياسية متدرجة تنتهي إلى إنشاء دولة فلسطينية.

وأعاد فايسغلاس التذكير بأنه حتى إنشاء السلطة تولت إسرائيل تدبير الحياة اليومية في الضفة الغربية وقطاع غزة كما يجب عليها أن تفعل بحسب قواعد القانون الدولي التي تعالج الاحتلال العسكري. وقد استعملت إسرائيل جميع أجهزة الحياة المدنية: الأمن الداخلي والاقتصاد والأموال والتربية والصحة والحياة المصرفية والاتصالات والكهرباء والمياه والعلاج الطبي والنقل العام والتخطيط والبناء والبنى التحتية وسائر الخدمات المطلوبة لسكان يبلغون ملايين. ولما كانت إيرادات الضرائب في المناطق الفلسطينية ضئيلة، أنفق دافع الضرائب الاسرائيلي على إدارة الحياة المدنية الفلسطينية مبالغ ضخمة.

وأضاف فايسغلاس القول إنه "لم تكن الإدارة المدنية الإسرائيلية في المناطق المحتلة باهظة الكلفة فقط، بل كانت سيئة ومثقلة وفاسدة أحياناً، ومثل كل إدارة عسكرية تدبر الحياة المدنية جلبت على إسرائيل أضراراً فظيعة بصورتها".

بناءً على ذلك، أبدى فايسغلاس استغرابه ودهشته إزاء سعي الحكومة الحالية خاصة إلى تعريض نفسها للخطر بإجراء قد يلقي على كاهلها تدبير أمور ملايين الفلسطينيين. وسأل: من أين ستُؤخذ الميزانية الضرورية التي تبلغ مليارات؟ ومن أين ستجند القوة البشرية؟

وحذر فايسغلاس من أن أفكاراً لا مسؤولية فيها قد تفضي إلى تطورات سلبية عن غير عمد أيضاً.

وبحسب فايسغلاس، "كلما استمرت الحكومة في التلهي بالفكرة السخيفة، وهي إلغاء أوسلو، فإنها قد تجد، والعياذ بالله، موافقة فلسطينية على ذلك. فهم، أي الفلسطينيون، سيتعلمون درساً، ونحن سنعود إلى كنس شوارع رام الله".

بدوره، رأى إسرائيل زيف (وهو لواء في الاحتياط) بمقالة له في معاريف أن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، سيمثّل تغييراً دراماتيكياً في تاريخ النزاع في المنطقة، وسيكون له تأثير كبير على مكانة، صورة وحرية العمل السياسي لإسرائيل في موضوع النزاع.

وتوقف زيف عند دلالات الاعتراف المرتقب فقسمها إلى ثلاثة أقسام: في القسم الأول، يتـناول الحديث تعايشاً يومياً لن يطرأ فيه أي تغيير حقيقي. التعلق المطلق للفلسطينيين بإسرائيل على المستوى الاقتصادي، البنى التحتية، المالي، سوق العمل وفي الجانب الأمني أيضاً سيستمر قائماً كما هو الآن. لا يمكن أي إنجاز سياسي أن يغير هذا الواقع الجيو – استراتيجي.

القسم الثاني يعنى بالمواضيع الجوهرية موضع الخلاف. التصويت المرتقب في الأمم المتحدة لن يغير الحاجة إلى حل متفق عليه في مواضيع الحدود، مسألة اللاجئين، القدس ومكانة المستوطنات. القسم الثالث هو التغييرات والمخاطر التي سيجلبها الاعتراف. فالاعتراف بالدولة وفتح سفارات في العالم سيعززان جداً المكانة السياسية والدولية للفلسطينيين، ومن شأنهما أن يصادرا بقدر كبير "إدارة النزاع" من يد إسرائيل. كذلك، سيؤدي الانكشاف القضائي إلى السماح للفلسطينيين باستخدام مؤسسات الأمم المتحدة في كل "خرق إسرائيلي"، والمطالبة بفرض العقوبات ورفع دعاوى قضائية على سياسيين وضباط من الجيش الإسرائيلي، ستجد إسرائيل صعوبة في الدفاع عنهم.