مجلة العودة

المجزرة الكبرى في «الدوايمة» ظلت مختفية 36 عاماً

ظلت مختفية 36 عاماً
المجزرة الكبرى في «الدوايمة»

أحمد الباش/ دمشق

حين تنظر إلى فيلم عن صيد بعض الحيوانات البحرية وكيف تضرب على رأسها حتى تموت، يقشعر لهذا المنظر بدنك، وتشفق على هذا الحيوان المسكين وتستنكر على الصياد هذه الطريقة في الصيد. فما بالك حين ترى الأطفال الرضّع تحطم بالهراوات جماجمهم وهم أحياء في أحضان أمهاتهم!

قرية الدوايمة قضاء الخليل: تقع قرية الدوايمة إلى الغرب من مدينة الخليل حيث تبعد عنها مسافة 24 كم وترتفع مقدار 500 م فوق سطح البحر. بلغت مساحة أراضي القرية عام 1945 (60585) دونماً وبلغ عدد سكانها (3710) نسمات تحيط بها قرى بيت جبرين والقبيبة ودورا وإذنا وعرب الجبارات.

المجزرة: بتاريخ 23/10/1948 قصفت القوات الصهيونية القرى المحيطة بقرية الدوايمة وهي بيت جبرين والقبيبة. وبتاريخ 26/10 انسحب الجيش السوداني من القبيبة إلى الخليل ونصح أهالي القرية بالانسحاب لأن حجم المؤامرة أكبر مما يتحملون. وبعد يوم واحد، أي في 27/10 انسحب الجيش المصري من قرية بيت جبرين.

هذه الانسحابات مهدت لقيام العصابات الصهيونية باحتلال قرية الدوايمة، وقد كلفت الكتيبة الـ89 التابعة للواء الثامن بهذه المهمة.

البداية

بدأت المجزرة بعد صلاة الجمعة من يوم 28/10 بثلاثين دقيقة، دخلت عشرون عربة مصفحة القرية من جهة القبيبة، فيما هاجمها في الوقت نفسه جنود من الجهة المقابلة. وشلّ الخوف على الفور الأشخاص العشرين الذين كانوا يحرسون القرية. وفتح الجنود الموجودين في العربات المصفحة النار من أسلحة أوتوماتيكية ومدافع المورتر، بينما كانوا يشقون طريقهم داخل القرية بحركة شبه دائرية، وعلى جري عادتهم، طوقوا القرية من ثلاث جهات وتركوا الجهة الشرقية مفتوحة، كي يطردوا من خلالها السكان البالغ عددهم 6000 نسمة هم سكان القرية وسكان بعض القرى المجاورة خلال ساعة واحدة.

عندما لم يتحقق لهم ذلك قفز الجنود من عرباتهم وراحوا يطلقون النار على الناس من دون تمييز، ولجأ كثير ممن فروا إلى جامع الدراويش للاحتماء به، وكان أغلبهم من الكهول ويزيد عددهم على خمسة وسبعين شخصاً، فقام الجنود بحصدهم جميعاً. بعض العائلات لجأت إلى كهف مقدس يدعى كهف طور الزاغ وكان تعدادهم أكثر من 35 عائلة، وعندما اكتشف الجنود أمرهم، أخرجوهم من الكهف وذبحوهم عند مدخله وكانوا في غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

شهود المجزرة

* من الجانب الصهيوني: وصفت صحيفة (عل همشمار) الصهيونية المجزرة نقلاً عن شهود عيان فكتبت تقول:

(قتلوا الأطفال ضرباً على رؤوسهم بالهراوات ولم يخلُ منزل واحد من قتيل، وأمر ضابط أحد زارعي الألغام بوضع امرأتين مسنتين في أحد المنازل وتدمير المنزل وهم فيه فرفض التنفيذ فأمر جنوده بأن ينفذوا ذلك وتمّ له. وقد تباهى هذا الضابط أمام جنوده بأنه اغتصب امرأة ثم قتلها.

أحد الجنود الذين شاركوا في المجزرة وصف ما اقترفته أيدي العصابات من الكتيبة 89 التابعة للواء الثامن التي أعطيت إليها الأوامر من رئيس الأركان (يغئيل يادين) قال واصفاً المجزرة: رأيت كيف حطمت جماجمهم الأطفال الرضع ورأيت النساء كيف اغتُصبن، أو كيف كنّ يُحرقن أحياء داخل بيوتهن، والرجال كيف كانوا يطعنون حتى الموت.

* من الجانب الفلسطيني يتذكر المختار حسن محمود اهديب المجزرة فيقول:

عندما عدت للقرية ثاني أيام المجزرة هالني ما رأيت.. أكوام من الجثث في الجامع، الجثث تملأ الشوارع في كل مكان. كان من بينهم والدي.. ذهبت إلى الكهف وجدته مسدوداً بعشرات الجثث. وأحصيت العدد الذي وصل إلى 455 جثة بينهم 170 طفلاً وامرأة.

في عام 1984 رجع المختار إلى موقع القرية أول مرة منذ وقوع المجزرة وبيّن لصحفي رافقه، موضع منزله، وموقع البئر التي دفنت فيها الجثث، وبعد أيام قليلة عاد الصحفي ومعه أربعة عمال وحفروا قليلاً فاكتشفوا عظاماً بشرية بينها ثلاث جماجم إحداها لطفل. ولم يواصلوا الحفر، بل قاموا بدفن العظام التي وجدوها.

شاهدة أخرى على المجزرة هي رحمة أحمد مصلح الناجية من مجزرة كهف طور الزاغ:

عندما وصلت العصابات اليهودية إلى الكهف طلب قائدهم أن نخرج منه، فانفجر الأطفال بالبكاء وخلع أحد الرجال كوفيته. ورفعها بيده ثم خرج الرجال واحداً تلو الآخر وتبعهم النساء والأطفال. وأمروهم بالوقوف في صفين أحدهما للرجال والآخر للنساء ثم تقدم ثلاثة جنود من صفّ النساء وأخرجوا ثلاث بنات من الصف فأخذت الأمهات بالصراخ والعويل. لكنهم رفضوا ترك البنات ثم فتحت النيران على الرجال والنساء وسقطوا على الأرض، وسقطتُ (رحمة) معهم وتظاهرت بالموت وعندما تأكد الجنود من القضاء على الجميع تركوهم وكانوا قد قتلوا ابني في حضني. ومع ابتعادهم وقفت وهربت باتجاه قرية بيت عوا.

الحاج عبد الله موسى حجي فيقول:

كنت مختبئاً بين صخرتين على مقربة من المجزرة، فقد حمل اليهود البنات الثلاث في إحدى السيارتين وانطلقوا باتجاه القرية وصراخهنّ يدوي وعندما وصلوا إلى (مراح المكون) اعترضهم الشيخ محمود محمد الحجر وتوسل إليهم أن يتركوا البنات وحاولت البنات القفز من السيارة، فما كان من الجنود إلا أن قتلوا البنات والشيخ.

كما شاهدت في سوق القرية قتل العديد من أهالي القرية، ثم جمعت جثثهم وأضرمت النار فيها حتى تفحمت.

وهكذا ظلت مجزرة الدوايمة مطوية عن العالم مدة ستة وثلاثين عاماً حتى كشفت عنها صحيفة (حداشوت الصهيونية) بتاريخ 24/8/1984 بواسطة مراسلتها (يوئيلا هارشيفي) ونقلت أخبار المذبحة حين التقت بمختار القرية.

فإلى متى يظل هذا التقصير، وإلى متى سيبقى هؤلاء المجرمون أحراراً طلقاء؟!