مقابلة
مقابلة العودة: الرسّام عماد حجّاج: كما رسمتُ المفاتيح سأرسم طريقَ العودة - أحمد سعد الدين
بعد أوسلو ووادي عربة قُمعتُ وطلبوا مني عدم انتقاد «إسرائيل»!!
الرسّام عماد حجّاج: كما رسمتُ المفاتيح سأرسم طريقَ العودة
أحمد سعد الدين⁄ عمّان
عماد حجّاج فنان كاريكاتير من طراز فريد، يتميز بالتصاقه بفلسطين في مئات اللوحات التي رسمها خلال مسيرته الفنية، فهو ابن نكسة فلسطين عام 1967 والذي ترعرع في مخيم الوحدات في الأردن، يرى في حق العودة ركيزة من ركائز رسالته الفنية، التقته «العودة» وكان هذا الحوار:
«العـودة»: حدثنا في البداية عن مسيرتك في رسم الكاريكاتير؟
ابتدأت فن الرسم في سنّ مبكرة في مرحلة الدراسة ورافقتني موهبة الرسم في المراحل الابتدائية، وأول تقدير على موهبتي في الرسم كان عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي، وحزت جائزة في مسابقة مدرسية كان موضوعها عن ذكرى إحراق المسجد الأقصى.
وأثناء دراستي الجامعية تبلورت عندي موهبة الرسم واطلعت على تجارب فنانين عرب وأجانب، ومنهم الفنان الشهيد ناجي العلي، وكان ذلك لأول مرة، وأعطتني مثالاً قوياً على عظمة فن الكاريكاتير، واتخذت ناجي مثلاً أعلى عندما باشرت بنشر أولى رسوماتي في الصحافة الجامعية.
تحولت إلى دراسة الفنون الجميلة بعد سنوات من دراسة الفيزياء لاقتناعي بأنني أجد نفسي أكثر تأثيراً وتعبيراً عما يجول في نفسي من خلال هذا الفن «رسم الكاريكاتير». وبعد تخرجي أول تسعينيات القرن الماضي احترفت فن الكاريكاتير عندما باشرت العمل في إحدى الصحف اليومية الأردنية بصفة رسام كاريكاتير يومي، وكانت هذه تجربتي الحرفية في مهنة رسم الكاريكاتير على مرّ عشر سنوات اكتملت معالم مشروعي في مجال الكاريكاتير.
قدمت العديد من الأعمال الفنية في مجال الكاريكاتير السياسي بتلك الفترة السياسية الحرجة، وكنت مناهضاً لمفاوضات مدريد عند انطلاقها، وكانت مع بداية عملي في الصحيفة، وبعدها بفترة وجيزة قدمت سلسلة رسوم عارضت فيها بشدة اتفاق أوسلو، إلى أن وقعت معاهدة وادي عربة مع الأردن وكان من ضمنها وقف الحملات الإعلامية المتبادلة وكانت هذه نهاية خط تمتعت به، وقُمعت ووضعتُ أمام خيارات كثيرة، إما أن أبقى في صحيفة تحدد سقفي ولديها ممنوعات، من ضمنها عدم انتقاد «إسرائيل» أو مفاوضات السلام، فكان خياراً صعباً، وآثرت البقاء في الصحيفة وهربت من الموضوع السياسي الممنوع غير المرغوب إلى الموضوع الاجتماعي، فقدمت شخصية أبو محجوب الاجتماعية الممثلة لرجل الشارع العادي في الأردن الذي يعكس هموماً حياتية، ولكنه بدأ يكتمل في عالمه وبدأ يدخل أيضاً بالتدرج إلى عالم السياسة.
الكاريكاتير جزء من مهنة المتاعب، ففي عام 2000 فُصلت من عملي في تلك الصحيفة وأنا في أوج شهرتي وفي ذروة عطائي بسبب موقف ورأي تبنيته انحيازاً إلى حريتي بوصفي رسام كاريكاتير في التعبير وفي الدفاع عن موقفي، وتنقلت في العديد من الصحف الأردنية، وعندما تركت تلك الصحيفة وجدت نفسي أكثر إقبالاً على الصحف العربية، وكانت الإنترنت في أول حضورها قبل عشر سنوات، وكنت من أوائل الرسامين العرب الذين أطلقوا موقعاً إلكترونياً لأعمالهم ولنشر الرسومات غير المنشورة، كي أتواصل من خلال النافذة مع قرائي دون رقيب.
«العـودة»: كيف تحضر فلسطين والقضايا العربية في أعمالك؟
لا تخفى على أحد محورية القضية الفلسطينية في حياة كل عربي، ومن يطالع باكورة أعمالي يجد أن القضية الفلسطينية محور أساسي من أعمالي، وعلى مرّ السنين اجتاحت الكثير من المفترقات المفصلية في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني تجاه قضيته وحريته وحقوقه المشروعة وجسدتها في رسوماتي، وكنت أحرص دوماً على إبقاء الموضوع الفلسطيني والحق الفلسطيني في الصدارة، واتهمت بين حين وآخر بأنني أتناسى همومي كمواطن عربي وهموم أقراني في الأردن لمصلحة كاريكاتير سياسي في نظر البعض لا يغير شيئاً، وأيضاً أجد من الضروري أن يظل رسام الكاريكاتير حاملاً للواء الذي رفعه الفنان الشهيد ناجي العلي وأن يبقي صوت الحق في القضية الفلسطينية حاضراً دوماً، وأن يظل بوصلةً صادقة للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الحساسة والغامضة التي تضطرب فيها اتجاهات الناس، وأحاول أن أكون وحدوياً وأن أكون نابذاً للانقسام.
«العـودة»: كيف تتفاعل فنياً مع نبض الشارع في رسوماتك؟
الكاريكاتير يختلف عن الفنون البصرية الأخرى، لأنه أكثر تفاعلية وشعبية وحضوراً، ورسام الكاريكاتير في حالة تجربة واختبار يومي، بعد نشر الرسوم تأتيه ردود الأفعال، وبناءً على ذلك يطور فنان الكاريكاتير بناءً على حالة الاشتباك تلك وتعتبر الحياة اليومية أهم مصدر لموضوعات رسم الكاريكاتير، والرسام قادر على نقل معاناة ومشاعر وهموم الناس، وفي المقابل إن كان الرسام معزولاً يجلس في برج عاجي، فبالتأكيد لن يكون رساماً صادقاً. الكاريكاتير بطبيعته فن شارع وجماهيري وإذا فقد الرسام شعبيته وجمهوره وتواصله فقد قيمة من فنه.
«العـودة»: ما هي أبرز المشاكل التي يواجهها رسام الكاريكاتير؟
أهم العوائق التي تواجه الرسام حرية الرأي والتعبير والرقابة بشتى أشكالها، ولا يمكنني رسم الكاريكاتير بكل حرية، إضافة إلى تقدير فن الكاريكاتير في الوطن العربي. وكانت أزمة الرسوم المسيئة إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، قد أعادت الحياة إلى أهمية رسم الكاريكاتير في الصحافة الغربية والعربية بحضور الفنون والرسوم المتحركة، وعادت أهمية الكاريكاتير لدى الصحف الغربية ولم يحدث هذا لدى الرسامين العرب. وهناك صعوبات في الحصول على العمل ويعاملون في أدنى سلم الرواتب، وأصبحت الصحف لا تنظر إلى الكاريكاتير الذي يعبر عن موقف ملتزم بقدر ما تنظر إليه بعين الرقيب ومساحة الحرية التي يرسم بها.
«العـودة»: كيف يقدم الفنان عماد حجاج قضية العودة واللاجئين في رسوماته؟
حق العودة من الثوابت التي ينبغي أن نذكّر الناس بها، وإن غابت عن السياسيين ونسيها تجار المواقف ومن يتصدرون المشهد. وعلى كل رسام أن يصرخ بهم في ما لا يحبون، كذلك تجد مفتاح البيت القديم في فلسطين، والتذكير بحق العودة هو الشكل الأساسي في اللوحة التي أرسمها، وكان الرسام المبدع ناجي العلي هو من ابتكر هذا الرمز ونحن سنُبقي هذا المفتاح حاضرا في رسوماتنا.
ينبغي لكل رسام كاريكاتير أن يجسد حق العودة وإصرار الشعب الفلسطيني على عودته إلى أرضه، رغم إطلاق الأصوات التي تتحدث عن الوطن البديل. ومن المهم جداً أن أعبر عما يعتقده الكثير من اللاجئين في الأردن، والأردنيين على تشبثهم بحق العودة واقتناعهم التامة بأن فلسطين هي وطنهم، وهي ستكون وطن أبنائهم، ولن نتخلى عن هذا الحلم وعن هذا الحق، وكما رسمت الكثير من المفاتيح، سأرسم طريق العودة إلى فلسطين حتى العودة.
«العـودة»: أين تأثر الفنان عماد حجاج ببيئة مخيم الوحدات، وكيف صنع علاقة التأثر والتأثير؟
ولدت بعد أيام قليلة من نكسة عام 1967، فخرجت من البيرة وكان عمري 40 يوماً، وتفتحت عيني في مخيم الوحدات وما زلت أذكر مراحل دراستي الابتدائية على الرغم من أن والديَّ كانا لا يشجعانني على الرسم، وكنت أرسم على جدران المنزل. وأذكر أنني دخلت الصف الأول وأمضيت سبع سنوات في المخيم، وانتقلت بالعيش إلى أحد أحياء مدينة عمان بحكم عمل والدي في الجيش، وكانت حياة المخيم بائسة ومليئة بالبؤس. وأذكر أقدامي المليئة بالطين عند ذهابي إلى مدرسة وكالة الغوث، وكنت أذكر الطابور الصباحي، وشرب الحليب الفاتر وزيت السمك، وما كنا نعانيه من برد. وكنت أرسم العديد من الرسومات للحياة المدرسية. وعندما بدأت بالرسم استذكرت العديد من شوارع المخيم، ولا سيما أنني بقيت على تواصل مع الكثير من الأقارب. وحفر المخيم الشيء الكثير في ذاكرتي ومن يراقب رسوماتي يجد أحياء عمان، ويجد جدران المخيم المليئة بالشعارات وبالناس المتعبين، حتى إنني أتأمل الشعارات التي يرسمها الأطفال على الجدران واستوحي منها لقطة في رسوماتي.
«العـودة»: شخصية أبو محجوب، كيف ولدت في رسوماتك؟
في بداية عملي سنة 1993 كان الخط الأغلب على رسوماتي، الكاريكاتير السياسي المجرد، وكلغة بصرية بحتة دون أي بطل أو شخصية. ولدواعٍ رقابية، حاولت التركيز على البعد الاجتماعي، وكنت في تلك السنة بدأت بابتكار شخصية لهدف مرحلي ومؤقت في وقت الانتخابات النيابية، شخصية تعبّر عن عدة أفكار متسلسلة تنتقد جو الدعاية الانتخابية، فوجدت أفضل شكل شخصية لطرح هذه الأفكار، وفكرت في هذه الشخصية من هي، ومن تكون وقمت بعملية عصف ذهني، ووجدت أن أنسب نموذج يكون من شخصية والدي رحمه الله نمطاً للرجل المكافح في رعاية أولاده، لم يكن يشبه والدي بشكل وجهه، لكن استلهمت طريقة تفكيره وطباعه في رسوماتي.
«العـودة»: ما تقويمك للمشهد الفني الفلسطيني في الكاريكاتير؟
المشهد الفني الفلسطيني تجربة عظيمة وخالدة كان منها الرسام ناجي العلي، وكنا نأمل أن يكون له الحضور نفسه ولكن على العكس نجد المشهد الفني الفلسطيني في حالة انقسام، ومن المؤسف أن رسامي الكاريكاتير انساقوا إلى الانقسام. في خضم الصراع، تجد بعض الأطراف تكرس الانقسام في رسوماتها وأعمالها الفنية، كذلك إن الرسامين العرب هم من يعبرون عن الحالة الفلسطينية قبل الرسامين الفلسطينيين، ويجب على الرسامين توحيد أعمالهم بما يتناسب مع الحالة الفلسطينية.