مقابلة
مقابلة ثقافية مع الأسير المحرّر سلطان العجلوني: في المعتقلات نضال بالقلم، وحياة ثقافية غنيَّة
الأسير المحرّر سلطان العجلوني: في المعتقلات نضال بالقلم، وحياة ثقافية غنيَّة
كان الحديث يحتاج إلى صفحات وصفحات، فرغم ما نعرفه عن اهتمام الأسرى الفلسطينيين بالثقافة والمعرفة ، إلا أن إضاءات الأسير المحرر سلطان العجلوني كشفت عن جوانب مهمة
عن هذه الحياة الثقافية التي تتميز بالتصميم والإصرار والإيمان ، وكان لنا في العودة هذه المحطات معه: |
|
|
«العـودة»: الحياة الثقافية في المعتقلات كيف يراها سطان العجلوني؟
عندما يدخل الأسير إلى المعتقل، أول ما يعطى له داخله من زملائه السابقين دفتر وقلم وسجادة صلاة ومصحف. والثقافة والعلم الآن هما وسيلة نضال ومقاومة داخل المعتقل، وهذا انتقال من المقاومة بالسلاح إلى النضال بالقلم، ولقد حصلت على درجة البكالوريوس والماجستير داخل المعتقل من طريق المراسلة.
هناك إنتاج أدبي زاخر للأسرى بكل أنواع الإنتاج الأدبي، والحياة الثقافية داخل المعتقل غنية وذلك للوقت الكبير لتجمع الخبرات، والمستوى الثقافي للأسرى من أعلى المستويات الثقافية في المعدل العام للشعب في الخارج، وجزء كبير من الأسرى هم أكاديميون ومن حملة شهادة الدكتوراه والماجستير.
«العـودة»: ماذا عن أبرز مظاهر هذه الحياة الثقافية؟
الحياة الثقافية واسعة، وكان هناك فنون داخل المعتقل، فهناك من يكتب الشعر ومن يغنيه ومن يلحن، وسجلنا داخل المعتقل ألبوماً كاملاً يسمى «رنين القيد»، وجميع مراحل التسجيل جرت من دون علم إدارة السجن؛ لأنها كانت تمنع تلك الفعاليات، وذلك لتعاملها مع الثقافة كسلاح خطير، وقد تعرض الأسير وليد الهودلي بسبب رواية كتبها داخل السجن للتحقيق، وكان المحققون أساتذة أدب في الجامعات الإسرائيلية.
وكتب أنس أبو خضير، أحد الأسرى المحررين، ديوان شعر جميلاً، وبعيداً عن تجربة جامعة يوسف، كان لدى كل فصيل لجنة ثقافية تهتم بالمستويات الثقافية. وعندما يدخل الأسير تجلس معه اللجنة الثقافية للتعرف إلى مستواه الفكري، ومن ثم وضعه في مراحل يكون اجتيازها عبر مجموعة علوم تاريخية وجوانب شرعية وغيرها من العلوم المتنوعة، ويتنقل من مستوى إلى مستوى.
«العـودة»: حبذا لو وضعتنا في صورة نماذج من المبدعين الأسرى؟
في مجال الأدب كان الكاتب سعيد الهودلي من الناس المبدعين، ومن انتاجه رواية «ستائر العتمة»، ولديه قدرة رائعة على التصوير الفني. ووصلني أخيراً كتاب للأسير جلال رمانة يتحدث عن الواقع الإسرائيلي الداخلي، والأسير محمد عمار يتحدث عن المقاومة من الداخل. وقد كان هناك إنتاج ثقافي وفكري يومي في الشعر أو الرواية أو تأريخ للحركة الأسيرة وغيرها، إضافة إلى عدد من التحليلات السياسية التي لا يمكن حصرها ويجري نشرها عبر البريد الإلكتروني من خلال الهواتف المهربة داخل المعتقلات، بمستوى أدبي رائع جداً، وقد ألَّفتُ كتاباً فكريًاً يسمى «عوائق في وجه النهضة»، وكتاباً آخر تحت عنوان «العدو يعرف نفسه».
«العـودة»: ما أهم الفعاليات الثقافية التي كانت تقام في المعتقلات في المناسبات الوطنية؟
الفعاليات الوطنية كانت محاربة من إدارة المعتقل، وكنا نحاول إجراء هذه المناسبات رغم العقوبات، وتُجرى لقاءات احتفالات وتخريج حفظة للقرآن الكريم رغم التشديدات، وتُجرى كذلك مهرجانات تتخللها مناظرات شعرية ومسرحيات في ذكرى النكبة والأعياد.
وفي يوم الأسير كان هناك جلسات ومناقشات ومهرجانات، وكان أهم مطلب في أي إضراب أو تحرك داخل السجن السماح بإدخال الكتب وزيادة عدد الكتب، وكنا نحقق إنجازات ويُسمَح بإدخال بعض الكتب. وكنا في قسم (ب) في سجن عسقلان، وكان في الغرفة الشهيد إسماعيل أبو شنب، وجاء وفد من الصليب الأحمر واستغرب عدد الكتب الموجودة رغم صغر حجم الغرفة وارتفاع عدد الأسرى. لقد كان هناك استغلال للوقت وإصرار على متابعة العلوم المختلفة.
«العـودة»: كيف يتلقى الأسير علومه داخل قضبان السجن؟
التعلم داخل المعتقل يكون عبر تبادل الخبرات، وعندما تخرج إلى ساحة المعتقل في الساعة المتاحة خلال اليوم تجد مجموعة حلقات للتدريس في مختلف التخصصات، ومنها حلقات لتدريس الإسعافات الأولية والاقتصاد أو العلوم الشرعية وغيرها من العلوم. ومن أمضى وقتا طويلاً داخل المعتقل يكن لديه مخزون ثقافي في مختلف التخصصات. ووصلت الأمور داخل معتقل عسقلان في عام 2001 إلى الحصول على اعتراف رسمي من جامعة القدس المفتوحة بأن سجن عسقلان فرع كلية من كليات الجامعة بوجود مدرسي ومساعدي تدريس، وجرى تسجيل الطلاب وسُمِّيَت جامعة يوسف في ذلك الوقت، الأمر الذي لم يُرق إدارة المعتقل، فوزعونا على أقسام العزل المختلفة وأجهضوا هذه التجربة. واستطاع بعض الأسرى كتابة رسالة الماجستير والدكتوراه وناقشوها عبر هواتف خلوية مهربة.