جسر العودة
جسر العودة: محاولات إسرائيلية للإفلات من العقاب - ياسر علي
محاولات إسرائيلية للإفلات من العقاب
ياسر علي
|
|
اعتادت «إسرائيل» ارتكابَ الجرائم من دون أن يحاسبها أحدٌ أو تدينها جهة ذات سلطة وقوة، وكانت تحتمي من المجتمع الدولي بالقوة الأمريكية و«الفيتو» المضمون دائماً..
لسنا أقوى من «إسرائيل»، بل إن ميزان القوى المسلحة يميل بوضوح لمصلحتها عاماً بعد عام، وأفق التوازن العسكري – في ما عدا بُعد المقاومة – ليس في مصلحة الطرف العربي. |
فما الذي تغير في السنوات الأخيرة؟
إيهود باراك وغابي أشكينازي وشاؤول موفاز لا يجرؤون على السفر إلى كثير من البلدان، دان ميريدور يلغي جولة غربية، تسيبي ليفني تُهرّب من الأبواب الخلفية في لندن إلى المطار، وزارة الخارجية الإسرائيلية تصدر تقريراً تنصح فيه قادتها ومسؤوليها بتوخي الحذر من السفر إلى الدول التي يمكن أن تعتقل مجرمي الحرب.
لم تتراجع قوة «إسرائيل» ولم تتقدم قوتنا.. لكن الوضع اختلف عندما انتقلت مهمة قتال الاحتلال ومقاومته من الأنظمة إلى المقاومة، وقد تجلّت بصورة واضحة في حرب لبنان 2006 وحرب غزة (2008 – 2009)، حيث شارك الشعب في المقاومة، من هذا الشعب انطلقت كلمة السر الكفيلة بالردّ على الجريمة المبنية على عنصرين: ضحية الجريمة، والحرصاء على عقاب المجرم الذين تابعوا هذه الجرائم وتكفلوا بإنزال العقاب بالمجرم.
من هنا، تعددت وسائل مقاومة العدو، وتنبّه الجانب الفلسطيني متأخراً لقوة السلاح القانوني، بعد أن كانت دوائر منظمة التحرير الفلسطينية المتعددة لا تضم الدائرة القانونية.
لعل أبرز تجليات العمل الحقوقي للمنظمات الأهلية الفلسطينية كان اجتماع ديربان الشهير، بعدما تمكن الضغط السياسي من إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، فتمكن الضغط الشعبي من إعادة هذا القرار إلى الواجهة من جديد.
منذ ذلك الحين أدركت «إسرائيل» أنها تواجه سلاحاً جديداً لطالما استخدمته هي ضد العرب، هو سيف المنظمات الأهلية المسلول؛ سلاح القانون والحقوق، الذي تعاظم تأثيره عندما يترافق مع فعاليات وغليان شعبي، وبلغ ذروته في الحرب على غزة، فكان له التأثير الكبير على إقرار لجنة غولدستون التي توصلت إلى نتائج حاصرت «إسرائيل» في خانة المجرم الإرهابي (رغم أنها رفضت هذا التقرير)، ويبدو الفرق كبيراً في قوة السلاح القانوني وفعالية استخدامه بين الحرب على غزة وتدمير مخيم جنين على رؤوس أهله.
وتواصلت الأنشطة الشعبية في التعاظم بعد الحرب على غزة، حتى بلغت -في ظل عجز الأنظمة- ذروة النشاط المتميز في تجهيز انطلاق أسطول الحرية والمجزرة الكبيرة التي ارتكبت يومها. ثم ما لحقها من هيجان شعبي عالمي أجبر «إسرائيل» على التراجع للتخفيف من حدّته وامتصاص النقمة الدولية ومخاطر المحاكمة القانونية.
من هنا، بدأ العمل بقوة على منع السلاح القانوني الحقوقي الذي لم يستطيعوا صدّه بردود فعل، لذلك يجري الآن العمل على إبطال أسسه ومقدماته لتعطيل نتائجه.
وكمثل، من الإجراءات التي يجري العمل عليها، قرار نتنياهو بتمديد الحَجْر على بعض الوثائق الرسمية من الأرشيف الإسرائيلي من عام 1948، وفيها وثائق عن ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، لئلا تُستعاد تجربة «المؤرخين الجدد»، فتنفتح عليهم أبواب جهنم من جديد (وهذه المرة ستكون محمولة بدعاوى جماعية يرفعها اللاجئون على المؤسسين الصهاينة).
كذلك، فقد أثبتت المعركة مع تقرير غولدستون فشل أسلوب الرد على التقارير لمصلحة منع الموكلين بإعداد التقارير من أداء مهماتهم. فعرقلت عمل ريتشارد فولك، ولم تستطع ذلك مع غولدستون بعدما ظنوا أن بإمكانهم منعها في مجلس حقوق الإنسان بالضغط على الأطراف السياسية العربية، لكنهم فشلوا في ذلك، فما كان منهم إلا أن بدأوا العمل على القوانين الدولية وبنود اتفاقات حقوق الإنسان.
وهذا ما جرى في اجتماع مجلس حقوق الإنسان الأخير.. حيث اتبع الوفدان الإسرائيلي والأمريكي سياسة جديدة تهدف إلى تغييب الفقرات التي تتناول قضايا الاحتلال والمقاومة وحق تقرير المصير من الأجندة الدورية لمجلس حقوق الإنسان، وقد جرى الاستنفار من أجل ذلك في أعمال المراجعة العامة للمجلس في دورته الحالية المستمرة في جنيف. فأيد الوفد الأمريكي ووفود قريبة منه بقوة الاقتراح الإسرائيلي بحذف البند السابع المتعلق بالأراضي المحتلة (الضفة الغربية، القدس، غزة والجولان)، الأمر الذي يحصر تناول القضية الفلسطينية بالحد الأدنى عبر تقرير كل أربع سنوات كما تطرح الوفود الغربية أو كل سنة كما يطرح الوفد الفلسطيني في جنيف.
كل هذا، وحال الوفود العربية في المجلس غير مريح.. فماذا نحن فاعلون؟!