مجلة العودة

إعادة نظر: إعجاب القتلة بالقانون - بلال الحسن

إعجاب القتلة بالقانون

بلال الحسن

كان الإسرائيليون يفتخرون برئيس أركانهم، ثم بوزير دفاعهم، ثم برئيس وزرائهم، الجنرال إسحق رابين. فهو بطل حرب بالنسبة إليهم، وهو أيضاً بطل سلام، رعى اتفاق أوسلو، ووقّعه، وسعى إلى وضعه موضع التنفيذ. وعند التنفيذ لم يعجب ذلك الإسرائيليين أنفسهم الذين افتخروا به ودعموه وحيوه، فأطلقوا عليه بضع رصاصات وقتلوه. وكانت خلاصة الرسالة أنهم أبدوا إعجابهم برابين المقاتل، أما رابين المسالم فهو رجل يستحق القتل.

والفلسطينيون الآن يبدون إعجابهم برجل من نوع آخر، رجل يدعى اللواء (عدنان الضميري) الناطق الإعلامي بلسان الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تناضل بشراسة، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لوقف (الفوضى) الفلسطينية، وبخاصة فوضى أولئك الذين يفكرون بالعمل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفرض القانون بعد ذلك على الجميع.

ما هي نقطة الشبه الجوهرية بين الجنرال رابين واللواء الضميري؟ كلمة واحدة تؤكد هذا الشبه، هي كلمة (القانون). ولكن كيف؟

كان رابين مغرماً بالقانون، لا يفعل شيئاً إلا إذا كان له سند قانوني. وحين كان يتجول في المدن والقرى الفلسطينية، وقريباً من المستوطنات، كان يصر على أن يكون برفقته دائما رجل قانون. فإذا أطل على ربوة مشرفة، أو على سهل فسيح، وفكر بينه وبين نفسه في أن هذا الموقع يصلح لبناء مستوطنة إسرائيلية جديدة، كان يستدعي مرافقه القانوني، ويسأله إذا كان من الممكن (قانونياً) أن يأمر ببناء مستوطنة في هذا الموقع، وإذا كان الجواب سلبياً، كان يأمر بإعداد قانون يسمح ببناء المستوطنة، وبهذا يصبح البناء قانونياً، ويرتاح ضمير رابين، ويستطيع أن ينام بعد ذلك مرتاح البال، فقد أنجز كل شيء حسب القانون ... باستثناء الرصاصات القليلة التي استهدفته وأنهت حياته.

أما اللواء عدنان الضميري، فهو مغرم بالقانون أكثر من الجنرال رابين. وقد أطل على المواطنين الفلسطينيين قبل أيام، شارحاً لهم غرامه بالأمن.

تحدث عن معتقلين في سجون السلطة، مضربين عن الطعام، بسبب سوء المعاملة، فأكد خطأ موقف هؤلاء المعتقلين، مؤكداً «أن السلطة الوطنية ومؤسساتها الأمنية ملتزمة بمواثيق وقوانين حقوق الإنسان وحماية الحريات».

وتحدث عن حملة التضامن مع المعتقلين المضربين عن الطعام، فقال إنها ليست حملة تضامن، ولكنها «دعوة للقتل والفوضى والفلتان».

وحين سئل عن الحملة على مناضلي حماس، بشّرنا بأنّ من يُعتقَلون هم من حماس، ومن فتح أيضاً. فالقانون يسري على الجميع حين يفكرون بحمل السلاح (غير القانوني) ضد الاحتلال.

ولعله لاحظ أن أعضاء فتح الذين تجري اعتقالهم، هم أعضاء في تنظيم يقوده رئيس السلطة محمود عباس، فأراد أن يخفف من وطأة المسألة، فأكد لنا أن الرئيس عباس هو القائد الأعلى لأجهزة الأمن، أي أن اعتقالات فتح تتم بأوامر من رئيس حركة فتح. ولا ندري إن كان التعبير هنا قد خان اللواء الضميري، أم أنه عبّر عن الواقع بدقة، تطبيقاً للقانون.

وبهذا يتكرس القانون برعاية اللواء الضميري، ويرتاح الناس لذلك، إلى أن يكتشف الناس، أو بعض الناس، أن القانون والاحتلال لا يلتقيان. فماذا يحدث آنذاك؟ وهل لمصير رابين المعجب بالقانون، إشارة دالة باتجاه الضميري؟

لا أحد يدري