مجلة العودة

بعيون غربية: عملية السّلام والأميركيون وفشل آخر - نسيمة أيّوب

عملية السّلام والأميركيون وفشل آخر
 

نسيمة أيّوب/ بيروت

لا شك في أنَّ إعلان الولايات المتحدة تخلّيها عن الجهود التي تبذلها لإقناع «إسرائيل» بتجديد «تجميد الاستيطان»، وذلك في إطار مساعيها لإعادة إحياء محادثات السلام لم يكن مفاجئاً. فالقصة القديمة الجديدة نراها تعاد، ولكن في كل مرة لها أبطال جدد. وهذه المرة كان الفشل مصاحباً لأوباما الذي حاول أقصى جهده مع فريقه- كلينتون وبايدن وميتشل-إقناع حكومة نتنياهو بتجميد الاستيطان، إلا أن هذا الأخير سَوّف وماطل حتى انتهى الأمر إلى الطريق المسدود.

وقد ادّعت الحكومة الإسرائيلية على لسان وزير دفاعها، إيهود باراك، أنّ محادثاتهم مع الأمريكيين تأجّلت بسبب انهاك واشنطن بتداعيات كشف موقع ويكيليكس عن وثائق سريّة متعلقة بالأزمة الكورية، إلا أن الناطق باسم الخارجية فيليب كراولي، نفى الأمر وصرّح عن استمرار المحاولات الأمريكية لبناء نوع من الثقة التي ستؤدي في النهاية إلى مفاوضات مباشرة.

هذا المقال لن يتعرض كعادته بعض ما تقوله الصحافة الأمريكية، بل سنعرض بعض التحليلات الأوروبية وبالتحديد، تعليقات الصحافة الألمانية على هذه المحادثات وغيرها، حيث وصفت مجلة Der Spiegel الصادرة في 9 ديسمبر الماضي بأنه أصبح لدى الفلسطينيين شكوك كبيرة إزاء قدرة الولايات المتحدة على إحراز تسوية سلمية نهائية، إذا ما كانت عاجزة عن إقناع «إسرائيل» بتجميد نشاطها الاستيطاني، ولو مؤقتاً!! وأضافت الصحيفة أنَّ هناك معطيات تنبئ باحتمال توجه الفلسطينيين إلى إعلان أحادي الجانب عن الدولة الفلسطينية.

أما صحيفة Die Welt المُحافظة، فأشارت إلى أنَّ خطأً تكتيكياً وقع عندما عُدَّت المستوطنات المشكلة الأساسية في الصراع. فمنذ البداية كان الأمر غير واقعيٍّ عندما اعتُقِد أنّ جناح اليمين في الائتلاف الحكومي سيقبل بتجميد الاستيطان لفترة طويلة. وأضافت الصحيفة أنّ كلاًّ من نتنياهو وعباس لم يكونا جديّين في إحراز سلام. ففي السنوات الأخيرة أصبح اعتبار «الصراع في الشرق الأوسط»، أمّ الأزمات، موضةً متبعةً في العالم الإسلامي، إلا أن تسريبات ويكيليكس أثبتت أن هناك مبالغة كبيرة في هذه المقولة. وتتابع الصحيفة قائلة إنَّ الدول العربية ليست قلقة بشأن الوضع في فلسطين، بل بشأن التهديد الإيراني، وإنه لمن الأفضل أن يُنهى الصراع في فلسطين. وإذا لم يكن لدى شركاء السلام استعداد لحلِّ الأمر، فعلى الولايات المتحدة تكريس طاقتها لحل مشاكل أكثر أهمية.

أما صحيفة Süddeutsche Zeitung من الوسط اليساري، فعبَّرت عن اعتقادها بوجوب استعمال أوباما لجميع وسائل الضغط للوصول إلى حل، وأنه عوضاً عن ذلك- للأسف - أثبت أنه غير قادر على ذلك، فقد بدّل مسار ضغوطه عندما واجه معارضةً إسرائيلية لتجميد الاستيطان وبالتالي فإن سياسته توصف بـ«التأرجح الضعيف». لقد حظي أوباما بفرصته في الشرق الأوسط، ومن الصعوبة بمكان أن يحظى بفرصةٍ أخرى في السنتين الباقيتين من ولايته، فالإسرائيليون لا يخافونه، والفلسطينيون لا يثقون به. إذاً فالتصعيد هو سيّد الموقف، إذ لا يمكن تجميد هذا الصراع. بالمقابل، رأت صحيفة Die Tageszeitung أنّ فشل الولايات المتحدة في تحقيق تجميد الاستيطان كان أمراً جيداً. فلو تمّ الأمر وأُعفيت القدس من التجميد، لكان الأمر بمثابة اعتراف ضمني في كون القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهذا الفشل سيؤدي إلى تحسين العلاقات بين فتح وحماس.

وهكذا نرى أنَّ التحليلات الألمانية وضعت عدّة سيناريوات محتملة، إلا أن هناك وقائع تفرض نفسها. فالوضع الديموغرافي في تغيّر مستمر، والإبقاء على الاحتلال يعرّيه من شرعيته الدولية، وحماس وحزب الله مستمران في أجندتهما، أما الشرطة الفلسطينية والقادة «المعتدلون» مثل عباس وفياض فإنهم لن يستمروا في السلطة إذا تبيّن أن المحادثات لن تؤدي إلى التحرير.

إنَّ المتخصصين في عمليات السلام لديهم نظرية الدرّاجة التي تقول: «إذا لم تدفع بالعجلات إلى الأمام فأنت لا شك ستقع». وهذه النظرية يوافقها الرأي مارتن أنديك، نائب رئيس مجلة Foreign Policy ومديرها، الذي نشر مقالة في صحيفة Financial Times في 9 ديسمبر الماضي تصف الواقع بأنه يضغط للعودة إلى المفاوضات التي يجب أن تتركّز على الحدود، على أن يسبق هذه المفاوضات اعترافٌ إسرائيلي بالدولة الفلسطينية واعترافٌ فلسطيني بالدولة اليهودية. هذان الأمران برأيه المفتاح لدفع المفاوضات إلى الأمام. أما نحن فنرى أنّ «من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب!».