مجلة العودة

تحت الخيمة: فاعـلٌ مُستَتِـر - حسام شاكر

فاعـلٌ مُستَتِـر

حسام شاكر

يُسحَقُ الطفل ولا يُشار إلى قاتِله. تُقترف المجازر ولا يُلتَفت إلى مرتكبيها. تُسوّى البيوتُ بالأرض فتُعرَض كأنها كارثةٌ مجرّدة. أليس هذا ما يحدث في عالمنا، عندما يتعلق الأمر بالفاعل الإسرائيلي؟
لا ينسجم مع التقليد السياسي أو الذائقة الإعلامية الرائجة أن يُربَط ذاك الإسرائيلي بما هو شنيع أو مريع. هو جديرٌ بالإنجازات «الباهرة» وحسب، لا بمشهد سفك الدم ووقائع التدمير الشامل.
 
شاعت توريتُه في ثنايا السياق أو بين كلمات المتن، إذا ما ارتكب الجرائم ومارس الانتهاكات وتمادى في الاعتداء والترويع. هو الإسرائيليُّ.. يمكن اكتشافُه فاعلاً ضمن التفاصيل غالباً، وليس على الأرجح في العنوان أو صدارة الأخبار والتعليقات التي يُدلي بها المسكونون بالرهبة من قوْل الحقّ.

حتى أولئك الساسة الذين عاينوا بأنفسهم ما ارتكبه جيش الدمار الشامل في غزة، أحجموا عن الإشارةِ إلى المُسبِّب، فذرفوا الدّمْعَ وتواطأوا في التعمية على الجريمة، وكأنّها مخلّفاتُ كارثةٍ طبيعية أو حتى «تسونامي» ضرب القطاع المُحاصَر.

هو نمط متكرِّس من التواطؤ، كثيرٌ من يستأنسون به حول العالم. هم لا يجرؤون على البَوْح بالحقّ، فتأتي انتقاداتُهم مواربةً تارةً ومُلتَبسةً أخرى. إن طالَبوا بوقف الجريمة فلأنّها «غير مُجدية» أو «لم تحقِّق أهدافها». لم تُجهِز السكينُ على الضحيّة إذا، وإلاّ كان فعلُ الذبحِ مُسَوَّغاً! هم يتقمّصون مصالحَ الاحتلال ويتحرّوْن اهتماماته، فَبِها يتذرّعون إن طالبوا بالإقلاع عن المجزرة بعد اتساع الخرق على الراقع.

بعيداً عن الأحمر القاني، لا يتورّع بعضُهم عن الإمعان في إبراز الفاعل الإسرائيلي في السياقات الورديّة، كمنجزات العلوم والتقانة والأموال التي تُخفَى ملابساتُها بوعي.

يتكرّس التستّر على الفاعل الإسرائيلي، بموجب حصانةٍ تضعه فوق النقد، فلا يُنظَر لانتهاكه وتجاوزه، بالمعيار ذاته الذي تُقاس به أفعالُ الآخرين. أمّا النقد، عندما لا يكون منه بُدّ، فينال الإسرائيليَّ محفوفاً بالمُداهنة أو الودّ. ليس من مُتَسع لـ«إدانة عنف» الاحتلال، بل يكفي إعرابٌ عن «القلق من الإفراط في استخدام القوّة».

كم يبرع أولئك في نحت المصطلحات المُنتقاة بعناية، وصقل المُفردات المُخفّفة، للدلالة على الجرائم المنهجية والتجاوزات السافرة لقيم الإنسانية ومواثيقها، إذا ما اقترفها مشروع الاحتلال المحفوف بالرعاية. ليس الحصارُ الخانق أو العقاب الجماعي سوى «إغلاقٍ» أو «قيود»، أو هو «إجراءاتٌ» وحسب.

وفق منطقهم هذا، تُنسَب إرادةُ التدمير لأطراف بعينها على جانب محدّد من الصراع لا يتجاوزه إلى غيره. إنها أطرافٌ «تسعى إلى تدمير إسرائيل». ولا مجال تقريباً لإشاراتٍ عن «تدمير غزة»، و«تدمير قرى الضفة»، و«تدمير الوجود العربيّ في النقب»، و«تدمير الحياة الفلسطينية في القدس». هم «يُعرِبون عن انشغالهم» بما يجري وحسب، دون أن يُبصِروا «تدميرَ فلسطين» أو يعايِنوا نكبتَها المتواصلة واحتلالَها المتفاقم.

تُلامُ الضحيّةُ إن هي تَنفّسَت أو تحرّك فيها نبضُ الحياة. وإذا ما ترجّلت في مواجهة العدوان، تُحَمّل المسؤوليةُ عن ذبحها وسَلخِها على مرأى من العالم ومسمَع.

هي لعبةٌ تَبعَثُ على السأم، تُمَوِّه الجرائمَ وتغطِّي على الانتهاكات، تهبط بأصحابها مع المعتدين إلى الدّرك الأسفل.. فتأتي على رصيدهم الأخلاقي إن بقي لهم منه شيء.