مجلة العودة

أهالي مخيم اليرموك... معابر في الداخل ومعابر في الشتات

 
العودة /خاص
 
 

خمسة وتسعون يوماً هو عمر الحصار الذي يفرضه الجيش السوري النظامي على مخيم اليرموك، أي منذ أن سيطر الجيش الحر عليه، ونزح عنه سكانه في2012/12/17. فمعبر البطيخة تسمية أطلقها سكان مخيم اليرموك على الحاجز التابع للجيش السوري الموجود على مدخل المخيم نسبةً إلى دوار البطيخة المتعارف عليه عند أول المخيم ربطاً منهم بالذاكرة الفلسطينية المرتبطة بالمعابر في فلسطين المحتلة؛ فالمعاملة السيئة غير الإنسانية التي يعامل بها عناصر حاجز الجيش النظامي الأهالي قد فاقت كل حدّ؛ حيث يضطر الداخل إلى المخيم للوقوف في طابور لساعات طوال حتى يتمكن من الدخول أو الخروج، هذا بالإضافة إلى تشديد الحصار الذي لا يقتصر على انتهاك كرامة الإنسان ويقيد حرية حركة الأفراد وتنقلهم فحسب، بل امتد ليشمل إمدادات الغذاء والدواء اللازمة للحياة اليومية لأكثر من خمسين ألف لاجئ فلسطيني ونازح سوري هم تعداد من بقي من سكان اليرموك، وكافة احتياجاتهم من المحروقات (غاز الطهو، بنزين، مازوت) ومواد إغاثية وطبية وحليب الأطفال، ما انعكس ذلك سلباً على الأوضاع المعيشية وأدى إلى تفاقم معاناتهم الإنسانية والمعيشية وتوقف كافة مظاهر الحياة في المخيم حيث بات سكانه يعانون من أزمات اقتصادية متعددة جراء ذاك الحصار؛ فالمخابز توقفت عن العمل، والمشافي أغلقت أبوابها بسبب نقص الكوادر والتجهيزات الطبية والأدوية.

إن ما يقوم به عناصر الحاجز من تفتيش دقيق للسكان وتوجيه الشتائم والضرب لبعض الأهالي، وخاصة الشباب والرجال، وإجبارهم على الوقوف في طابور طويل بهدف عرضهم على ملثمين من أجل معرفة الناشطين والمتعاملين مع مجموعات الجيش الحر، جعل الكثير من أبناء المخيم يترددون في العودة إليه؛ فقد لوحظ في الفترة الأخيرة أن أعداد الملثمين تتضاعف تدريجاً، وأن الاعتقالات على الحاجز تزداد، كذلك لجأ الجيش السوري النظامي إلى وضع سواتر ترابية عند الحاجز ليمنع دخول السيارات وخروجها من المخيم.

أبو جهاد أحد سكان اليرموك، وهو رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، يستيقظ يومياً في الصباح الباكر من أجل أن يستطيع مغادرة المخيم والعودة إليه قبل أن يمنع الحاجز دخول السكان إليه. يقول أبو جهاد: "هم لا يسمحون لنا إلا بإدخال كميات قليلة من الطعام والخبز الذي لا يكفي إلا ليوم واحد. هي سياسة عقاب جماعي يمارسها هؤلاء ضد أبناء مخيم اليرموك الذين يحملونهم مسؤولية دخول الجيش الحر المخيم وسيطرته عليه، وهي حجة واهية لا تقنع الطفل الصغير".

أما محمد (24 عاماً) فيستغرب هذه المعاملة غير الإنسانية التي يتصرفها عناصر الجيش السوري النظامي تجاه أهالي المخيم، ويرى محمد الذي لم يخف تأييده للنظام السوري أن من حق عناصر الحاجز تفتيش الداخل والخارج من المخيم وإليه، لكن لا يحق لهم أن يتعاملوا مع سكانه معاملة لاأخلاقية؛ لأن ذلك سيفقدهم الكثير من رصيدهم عند الناس الذين يلتزمون الحياد إلى الآن.

بدوره، أبدى ياسين 55 عاماً غضبه من إجبار سكان المخيم على الوقوف في طابور طويل وتوجيه الإهانات والشتائم لهم، وتفتيشهم تفتيشاً دقيقاً وعرضهم على ملثمين لمعرفة الناشطين والمتعاونين مع الجيش الحر. أردف ياسين قائلاً: لقد ذكّروني بتصرفات الكيان الصهيوني الذي كان ولا يزال يستخدم هذا الأسلوب مع شعبنا في فلسطين من أجل إركاعهم وإذلالهم. ووصف ما يجري على معبر البطيخة على أيدي الجيش السوري بأنه محاولة للتنكيل بسكان المخيم بعيداً عن القوانين واحترام حرية الإنسان.

من جانب آخر، تروي أم يوسف، وهي موظفة في إحدى دوائر الدولة لم تجد مكان يؤويها خارج المخيم، معاناتها اليومية في الخروج والدخول إلى المخيم، فتقول: "أخرج كل يوم ولا أعرف إن كنت سأعود لأسرتي أو لا؛ لأنني أخرج أحياناً تحت وابل الرصاص بسبب الاشتباكات التي تجري بين الطرفين اللذين لا يميزان بين طفل أو امرأة أو مسن. وعندما أعود أجد المخيم قد أُغلق ومُنع من الدخول إليه. لذلك، أمضيت عدة ليالٍ بعيدة عن أسرتي التي باتت تخاف على مصيري وتطالبني بعدم الذهاب إلى العمل". وأردفت والدمع يذرف من عينيها: "لكن ما الحل؟ فأنا مضطرة للذهاب إلى العمل، وإلا مات أولادي من الجوع".