مجلة العودة

النظام العربي الرسمي واستهداف الفلسطينيين

النظام العربي الرسمي واستهداف الفلسطينيين

محمد فوزي التريكي –تونس

أن الفلسطينيين ليسوا مسؤولين وحدهم عن مأساتهم فقد ضاع الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948 وجيوش عربية خمسة أخذت على عاتقها تحرير فلسطين، وضاع الجزء الباقي من فلسطين عام 1967 بسبب حرب عربية لم يكن الفلسطينيون طرفا فيها.

لقد تحول الفلسطينيون إلى ‘شماعة’ تعلق الأنظمة العربية فشلها عليها بسبب القيادة الفلسطينية الرخوة المتهالكة، التي استبدلت النضال بالمفاوضات العبثية، والعلاقة الاستراتيجية مع الشعوب العربية صاحبة المصلحة الحقيقية في التحرير والوحدة والتضامن بالعلاقة مع الأنظمة الدكتاتوية الفاشية الفاسدة والمرتبطة، وها هو الشعب الفلسطيني يدفع الثمن،

مصر ليست الاستثناء لقاعدة تجريم الشعب الفلسطيني بسبب تصرف مجموعة أو أفراد، فما فتئ النظام العربي الرسمي بكل أشكاله وأطيافه يستخدم الفلسطيني كبش فداء عندما يريد أن يبحث عن عذر أو شماعة يعلق عليها فشله أو تقصيره أو مخططه المشبوه، لانه مهيض الجناح لا دولة تحميه ولا قيادة كريمة تنتصر له ولا جواز سفر عادي يؤهله للحل والترحال على هواه، ولا قاعدة آمنة يلجأ إليها في الملمات.

وللتذكير فقط، أود أن أسرد للقراء الكرام مجموعة من الحوادث (من دون تسلسل تاريخي) قام بها أكثر من نظام عربي، تتمحور حول فرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين لتصرف فرد أو قائد أو مجموعة أو تصدير أزمة داخلية واتهام الفلسطينيين زورا وبهتانا بها، أو لتغطية فشل أو مؤامرة دنيئة لا يجد ما يبررها فيضع اللوم على الفلسطينيين جماعة وليس أفرادا:

- تتعرض كنيسة القديسين في الإسكندرية لعملية انتحارية ليلة رأس السنة في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2010 قتل فيها نحو 90 بريئا. المتحدث باسم الداخلية المصرية يتهم فورا ما سماه ‘جيش فلسطين الإسلامي’ غير الموجود أصلا إلا في خيال من اخترع القصة، ليتبين في ما بعد أن وزير الداخلية نفسه حبيب العادلي كان وراء العملية.

في بداية السبعينات في لبنان بدأت الطوائف المهمشة حسب الدستور اللبناني تدق الأبواب من أجل إعادة صياغة عقد التوافق الاجتماعي بين الطوائف المختلفة ليكون أكثر انصافا وعدلا. القوى الانعزالية رأت أن توجه اللوم للوجود الفلسطيني فقامت يوم 13 نيسان (أبريل) 1975 بمذبحة لركاب حافلة من فلسطينيي مخيم تل الزعترعندما كان يمر في منطقة عين الرمانة قتل فيها نحو 26 فلسطينيا، ليكون هذا الحادث بداية لحرب أهلية استمرت نحو 16 سنة. بعد رحيل منظمة التحرير من لبنان في أيلول (سبتمبر) 1982 وحسب المنطق الانعزالي، كان يجب أن تتوقف الحرب الأهلية التي أشعلها الفلسطينيون، على حد تعبيرهم. فماذا كانت النتيجة؟ ارتكب الانعزاليون مذبحة صبرا وشاتيلا انتقاما من الفلسطينيين لكن الحرب الأهلية بين مكونات المجتمع اللبناني لم تتوقف، بل استمرت لثماني سنوات إضافية ولم يخمد أوارها إلا بعد أن تمت إعادة صياغة العقد الاجتماعي بطريقة أكثر انصافا في تقاسم السلطة في اتفاقية الطائف عام 1989، التي أدت إلى وقف الحرب الأهلية عام 1990

جماعة إسلامية مصرية متطرفة تحاول اقتحام الكلية الفنية العسكرية في القاهرة عام 1974 وتفشل. من بين المجموعة رجل أردني من أصل فلسطيني يدعى صالح سرية (أعدم عام 1976). قوات الأمن المصرية تقوم في جنح الظلام بجمع كافة الطلبة الفلسطينيين، وهم في بيجامات النوم وتطردهم من البلاد، وكأن هناك مؤامرة كبرى اشترك فيها كل الطلاب لقلب نظام حكم السادات في مصر.

في جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1983 دعي مندوب البوليساريو لإلقاء كلمة، بناء على رغبة الدولة المضيف حيث لا يملك الفلسطينيون حق الرفض أو القبول. فما كان من المغرب إلا أن أغلق مكتب منظمة التحرير وطرد السفير ومئات الطلاب وبعض المقيمين هناك لسنوات طويلة

صباح الثاني من آب (أغسطس) 1990 يقوم جيش صدام حسين باحتلال الكويت ويلغيها من الخارطة. يدفع الفلسطينيون الذين يقطنون ذلك البلد ثمن بعض التصريحات لرموز فلسطينية لا دخل لهم فيها، فيطرد نحو 400000 فلسطيني من الكويت ويشتتون في الصحراء علما بأنهم كانوا ثاني أكبر المتضررين بعد الكويتيين، فقد فقدوا أعمالهم وأملاكهم ووظائفهم ومدارسهم. تصالح الكويتيون مع العراقيين وما زال الفلسطينيون ومؤسساتهم إلى غاية هذه اللحظة يدفعون الثمن

في أيار/ مايو 2007 تقوم مجموعة صغيرة متطرفة تدعى ‘فتح الإسلام’ باتخاذ مخيم نهر البارد الواقع في شمال لبنان مقرا لها، فما كان من الجيش اللبناني إلا أن هدم المخيم بالكامل وشرد سكانه جميعا، البالغ عددهم نحو 28000 وقتل العشرات من الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم من سكان المخيم

بعد سقوط نظام صدام حسين قامت فئات عنصرية وطائفية متطرفة بلوم الفلسطينيين في العراق بدعم النظام السابق فهدموا بيوتهم وأحرقوا ممتلكاتهم وقتلوا العشرات وشردوا نحو 30000 تكدسوا على الحدود العراقية الأردنية، والعراقية السورية. وقد أوصدت الحدود أمامهم وبقيت مجموعة منهم في العراء نحو ثلاث سنوات إلى أن تم توزيعهم في بلدان بعيدة مثل آيسلندا والبرازيل وتشيلي

-أراد العقيد القذافي أن يثبت أن اتفاقية أوسلو لا تشكل حلا للقضية الفلسطينية فتفتق خياله المريض وجنون العظمة لديه بطرد آلاف الفلسطينيين من ليبيا عام 1995 ورميهم في الصحراء على الحدود بين ليبيا ومصر لمدة تزيد عن السنتين، لا مصر تدخلهم ولا ليبيا تعيدهم، (تذكرون فيلم الحدود لدريد لحام؟) وقع المئات منهم ضحايا للبرد والمرض وعقارب الصحراء.

السيدة بثينة شعبان، المتحدثة باسم الحكومة السورية، تصرح في أول مؤتمر صحافي لها حول الحراك الشعبي في درعا وانتقاله إلى المدن السورية فتقول يوم 26 آذار (مارس) 2011 بالحرف: ‘أتى أشخاص من مخيم الرملة للاجئين الفلسطينيين الى قلب اللاذقية وكسروا المحال التجارية وبدأوا بمشروع الفتنة، وعندما لم يستخدم الأمن العنف ضدهم خرج من ادعى أنه من المتظاهرين وقتل رجل أمن واثنين من المتظاهرين’. هكذا إذن بكل بساطة تفسر الثورة السورية بأنها مؤامرة من الفلسطينيين