مجلة العودة

تقرير: انتخابات مجلس النواب الأردني جزَّأت المجزأ - أحمد سعد الدين

انتخابات مجلس النواب الأردني
جزَّأت المجزأ وأنتجت برلماناً بطابع عشائري

أحمد سعد الدين/ الأردن

 
أسفرت نتائج الانتخابات النيابية الأردنية الأخيرة عن إفراز مجلس عشائري، مع بروز واضح لقوى رأس المال، فيما غابت القوى السياسية الفاعلة كالحركة الإسلامية وبعض القوى الوطنية.

وعلى الرغم من قيام الحكومة «بنفخ الروح» في بقايا أحزاب براغماتية وقوى سياسية، ودفعها دفعاً للمشاركة، إلا أنَّ هيمنة العشيرة والمال السياسي وما جرى الحديث عنه من تلاعب وتزوير، قادت العملية الانتخابية إلى هذه النتيجة التي بدأت تداعياتها بصراعات خفية بين مرشحي العشائر الخاسرة من جهة والحكومة من جهة أخرى.

وإذا كان لقوة العشيرة دور مهمّ في ذلك، فقد عزز قانون الصوت الواحد وما استُحدِث في الدوائر الوهمية هذا الحضور، بل وصل إلى حد التنافس داخل العشيرة الواحدة، بالتالي جزأت هذه الانتخابات المجزأ وأنتجت برلماناً على المقاس «الحكومي».

ويرى الكثير من المحللين أن القانون الانتخابي الذي لا يتمتع بالقبول العام للقوى السياسية من ناحية، والنزوع إلى امتلاك طابع التنمية السياسية الحقيقية من ناحية أخرى، هو بحد ذاته أداة لتغيير إرادة الناخبين، وهو أداة تضمن إنتاج مجلس نيابي يوافق الحكومات وتتحكم به.

في المقابل، يرى الكثيرون أنَّ العيب ليس في الصوت الواحد، ولا في غياب تكتلات وأحزاب سياسية واسعة الانتشار عدا الحركة الإسلامية، بل في توظيف هذا القانون تحديداً للحيلولة دون حدوث تنمية سياسية حقيقية، فضلاً عن التوزيع الديموغرافي المجحف جداً، الذي يجعل دوائر العاصمة الثلاث الأولى ممثلة بخمسة عشر نائباً من أصل مئة وعشرة (عدا الكوتا) أي أقل من 14 في المئة، رغم أن سكانها يمثلون ثلث سكان المملكة تقريباً.

وجاءت مقاطعة جماعة الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) ممثلة في ذراعها السياسية جبهة العمل الإسلامي احتجاجاً على ما تقول إنه تراجع تدريجي في استقلال البرلمان، الأمر الذي يفسر نسبة المشاركة المتدنية غير المعلنة، خاصة أنها الأكثر حضوراً في الشارع الأردني.

فالإخوان بقوتهم الانتخابية، ما زالوا يتمترسون خلف تجربة الانتخابات في عام 1989 ويطالبون بالعودة إلى نظام تعدد الأصوات الذي سارت عليه الانتخابات الأردنية في ذلك الوقت.

وقد فتحت نتائج الانتخابات الأردنية الباب لتساؤلات متزايدة، بشأن صورة البرلمان الجديد, وعزوف الناخبين من أصول فلسطينية عن التصويت، وتراجع أعداد ممثليهم من النواب في المدن، وهو ما انعكس على النسبة المنخفضة في تمثيلهم، إذ تقدِّرها أوساط رسمية بـ25 في المئة، ما يعني أنَّ تصويت الأردنيين من أصول فلسطينية لم يكن مرتفعاً، بل انخفض مقارنة بنسب التصويت في الانتخابات الماضية، حيث رأى سياسيون أردنيون أنَّ المشهد السياسي الأردني بات أكثر غموضاً بعد أن تشكلت صورة برلمان يضم 80 نائباً جديداً من أصل 120.

وبينما ارتفعت أصوات المعارضة مشككة بنسب المشاركة المعلنة، رصد سياسيون ظواهر يرونها مقلقة رافقت الانتخابات، أبرزها العنف الدامي.

وتوالت تقارير تفاوتت في تقدير مدى نزاهة الانتخابات, من جانب مراقبين محليين وأجانب. ولفت مراقبون في هذا الصدد إلى انخفاض الأرقام التي حصل عليها النواب الجدد، مقارنة بانتخابات 2007 التي حلّ العاهل الأردني برلمانها قبل نهاية مدته بعامين.

وأظهرت نتائج الانتخابات الأردنية أن المشاركة المكثفة خارج العاصمة عمّان والزرقاء لم تكن بدافع الإيمان بجدوى العملية الديموقراطية، بقدر ما هي تعبير عن التحزب القبلي لهذا المرشح أو ذاك، فجاءت النتائج محرجة رغم التكتم الرسمي، حيث مجموع الأصوات في محافظة إربد (أكثر من مائتين وثمانين ألفاً) مثلاً كان أكثر من مجموع الأصوات في العاصمة عمّان (زهاء ربع مليون صوت)، رغم أن سكان محافظة إربد يمثّلون ككتلة عددية زهاء ثلث سكان العاصمة فقط.

وفيما سقط مرشح حصل على أكثر من 9500 صوت في إربد مثلاً، نجح مرشحون في عمَّان العاصمة بقرابة 2000 صوت فقط! فقد حرصت الحكومة من خلال قانونها الانتخابي الذي زاد تركز الدوائر وانغلاقها أكثر فأكثر، على تعزيز العشائرية، وعلى كونها عنصر الحسم في العملية الانتخابية، فمرشحون يتنافسون على مقعد يحسمه الفوز بـ3000-4000 صوت لا يعقل أن يقدموا برامج سياسية ذات طابع وطني.

وبطبيعة الحال لا يُمكِّن القانون الحالي القوى السياسية والحزبية الأردنية من دخول المجلس بهذه الصفة، حتى الأحزاب التي شاركت في الانتخابات أعدت قوائمها ومرشحيها على أسس عشائرية، لا على أسس حزبية. والغريبفي الموضوع أنَّ حزب التيار الوطني الذي قدَّم 32 مرشَّحاً في قائمته المعلنة لم ينجح منهم سوى ثمانية. وفي العموم جاء التوزيع السياسي لنواب المجلس انعكاساً للولاءات القبلية المحلية على نحو أساسي وأبعد ما يكون عن التلون السياسي، ما يعني أنَّ الحكومة نجحت من خلال قانونها الانتخابي في الحصول على مجلس نيابي لا يمثّل لها أي تحدٍّ.