مجلة العودة

تقرير: بعد ثلاث سنوات على كارثته.. هل مخيم نهر البارد «منطقة إرهابية»؟ - رأفت مرّة

بعد ثلاث سنوات على نكبته
هل مخيم نهر البارد «منطقة إرهابية»؟

رأفت مرّة/ بيروت

 
لا يمكن تسمية مخيم نهر البارد إلا «المخيم المنكوب»، ولا يمكن وصف كل ما جرى ويجري له منذ ثلاث سنوات إلا بـ«النكبة».

هذا المصطلح كبير ومأساوي، ومرتبط في أذهان الناس بنكبة أهلنا في فلسطين عام 1948 على يد الاحتلال الصهيوني. لكن هذا المصطلح أصبح وصفاً يسري على حياة اللاجئين الفلسطينيين ليصف حجم المشاريع التي تستهدفهم، وحجم المآسي المنظمة والمبرمجة التي يتعرضون لها، وحجم الظلم الواقع عليهم بفعل السياسة اللبنانية الرسمية تجاههم، ولا داعي للعودة إلى الأرقام الصادرة عن منظمات دولية لإثبات عكس ذلك، لمن «يتنطّح» ويدافع بعنصرية وجهل عن موقفه.

لا مجال للحياة

في مخيم نهر البارد لا مجال للحياة، لا حياة في الحياة، كل ما في نهر البارد هو دعوة مجانية للموت الرخيص.

المخيم يعيش منذ ثلاث سنوات وضعاً مأساوياً، وجميع الجهات؛ اللبنانية الرسمية والدولية، متواطئة في ما يحصل للمخيم.

الدليل على ذلك مسألة مواصفات الشقق السكنية التي شُيّدت الرزمة الأولى منها، وعددها حوالى 570 وحدة. في هذه الرزمة، مساحة الشقة السكنية سبعون متراً مربعاً، وعرض الدرج ثمانون سنتيمتراً فقط، وهو مشيّد بشكل لولبي على ارتفاع أربعة طوابق، والشقة السكنية بدون شرفات.

وهنا نسأل: هل هذه المواصفات تتطابق مع مواصفات البناء والإعمار في لبنان، ومع القوانين اللبنانية ونظام نقابة المهندسين؟ وهل هذه المواصفات تتطابق مع المعايير الأوروبية للبناء والإعمار، على قاعدة أن التمويل مصدره أوروبي؟

وهل هذه المواصفات تتطابق مع حقوق الإنسان؟ وهو الشعار الذي رفعته الأونروا منذ أكثر من عشرين سنة، وبدأت بتطبيق برامج تعليمية وثقافية وحتى جنسية تحت هذا العنوان! لكن لمّا جاءت المسألة لمصير اللاجئين الفلسطينيين ولحقّهم الأساسي، وجدنا أن الأونروا بلعت لسانها، وسحبت حقوق الإنسان من التداول.

ونقول هذا الكلام لأن الأونروا هي الوكيل التنفيذي لإعمار مخيم نهر البارد، ولأن الأونروا تعمل وفق أنظمة وقوانين ومواصفات مطابقة للأنظمة الأوروبية، فهل طُوي هذا الملف لحساب ترك اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد يعيشون في أوضاع مأساوية؟

الإرهاب

الواضح إلى الآن أن الإجراءات التي تتخذها السلطات اللبنانية في مخيم نهر البارد هي إجراءات الحروب والمعارك. فواقع المخيم لم يتبدّل من هذه الناحية منذ ثلاث سنوات، مع العلم أن جماعة فتح الإسلام انتهت من المخيم والجوار، وعناصرها بين قتيل ومعتقل، والأسباب السياسية والأمنية التي أدّت إلى نشوء فتح الإسلام وتموضعها وانتشارها وخوضها للمعارك انتهت أو تلاشت، والدولة اللبنانية تمتلك كل المعلومات عن المقيمين في المخيم، والساكنين فيه وزائريه، وجنود الجيش اللبناني يتزوجون بكثرة من فلسطينيات في المخيم.

هذا يعني –من وجهة نظرنا طبعاً- أنه لا مبرّر لإبقاء السور الأمني الخانق على مخيم نهر البارد بما هو عليه اليوم.

المفارقة أن الدولة اللبنانية رفعت شعار مخيم نهر البارد نموذجاً لتعميمه على المخيمات الفلسطينية الأخرى، وبهذه الإجراءات الأمنية والسياسية والسكانية والاقتصادية يكون هذا النموذج قد سقط إلى غير رجعة.

الصوت الفلسطيني يرتفع

احتجاجاً على ما يجري في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، رفع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الصوت، مطالبين بتحسين أوضاع المخيم. وعقدت حركة حماس مؤتمراً صحفياً في بيروت في 28 نيسان (أبريل) 2010، قالت فيه إنه في 20 أيار 2007 اندلعت أحداث مخيم نهر البارد، وفي أوائل أيلول (سبتمبر) 2007 انتهت العمليات العسكرية، وسيطر الجيش اللبناني على المخيم بأكمله. في بداية المعارك طلب رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة من الفصائل الفلسطينية إخراج السكان من المخيم لتسهيل مهمة الجيش اللبناني، وهذا ما حدث، وأطلق الرئيس السنيورة كلمته الشهيرة «الخروج مؤقت، والإعمار مؤكّد، والعودة حتمية». بناءً على ذلك، غادر سكان المخيم منازلهم ولجأوا إلى مخيم البداوي ومدينة طرابلس.

للأسف، مضت ثلاث سنوات على الأحداث، وما زال سكان المخيم مهجّرين، والمخيم مدمراً بالكامل، والعودة لم تتحقّق، باستثناء 18 ألف نسمة، من أصل 40 ألف نسمة، عادوا إلى تخوم المخيم في منطقة العبدة، وهو ما يُطلق عليه (المخيم الجديد).

أضافت حماس: «ونقول لمن نسي أو تناسى، إن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد لم يكن لهم علاقة بجماعة «فتح الإسلام»، وإن القوى الفلسطينية في لبنان، استنكرت الاعتداء على الجيش اللبناني، وإن الموقف الفلسطيني كان ولا يزال ضدّ أي عمل يهدف إلى ضرب أو تخريب المجتمَعيْن اللبناني والفلسطيني.

لكن بعد ثلاث سنوات من انتهاء المعارك في مخيم نهر البارد، لا تزال المعاناة شديدة، والوضع مأساوياً. فالمخيم يعاني تشديداً أمنياً خانقاً من خلال الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش، والتضييق على الأهالي المقيمين والزائرين يتفاقم، والمثال على ذلك منع الدخول للأهالي المقيمين والزائرين إلا بتصاريح أمنية، ومنع العمال من خارج المخيم من الدخول للعمل في مشاريع تنموية.

أما الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأهالي مخيم نهر البارد فيزداد صعوبة، بسبب انحسار سوق العمل، وضعف التبادل التجاري مع الجوار، ونقص الخدمات، واستمرار الطوق الأمني الخانق، وارتفاع تكلفة العيش».

وعن الإعمار قالت حماس: «منذ ثلاث سنوات إلى اليوم بدأ مشروع الإعمار في رزمة واحدة تتألف من 570 وحدة سكنية، ولم ينته العمل فيها إلى الآن، وهنا نسجّل الملاحظات الآتية:

1- هناك تأخّر ومماطلة في الإعمار من الجهات المسؤولة كافة، وبالتحديد من الحكومة اللبنانية والأونروا.

2- مواصفات الإعمار سيّئة وغير إنسانية. على سبيل المثال، إن مساحة الشقة 70 م2، وإن عرض الدرج 80 سم، وهو بشكل لولبي. علماً أن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة في المخيم خمسة.

3- هناك تلكّؤ متعمّد من الجهات المسؤولة عن توفير الأموال المخصصة للإعمار، فمن أصل 450 مليون دولار، لم يُوَفّر سوى 110 ملايين دولار، وذلك منذ ثلاث سنوات حتى اليوم.

4- مؤخراً خفضت وكالة الأونروا بدل الإيجار الشهري لكل عائلة نازحة من 200$ إلى 150$».

كبش فداء

وجاء في المؤتمر الصحفي: «إزاء استمرار التشديد الأمني على أهلنا في مخيم نهر البارد، وإزاء استمرار معاناتهم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، فإننا نعتبر أن هناك من يتعمّد معاملة أهالي المخيم ككبش فداء، ويعاقبهم على جريمة لم يرتكبوها، وينكّل بهم تحت عنوان «مكافحة الإرهاب».

إن أهالي مخيم نهر البارد هم لاجئون فلسطينيون مسالمون، تربطهم علاقات جيدة مع جيرانهم اللبنانيين، وهم ضحايا لما جرى، وتأذوا وتضرّروا مرّتين، فلماذا يعاملون كمجرمين أو مشبوهين أو متّهمين؟!

وإذا كانوا يقولون إن مخيم نهر البارد هو نموذج لباقي المخيمات في المستقبل، فبئس النموذج».

حلول

ولم تكتفِ حماس في بيانها بعرض المشاكل التي يعانيها اللاجئون في مخيم نهر البارد، بل افترضت حلولاً منها:

«إعادة المخيم إلى حياته الطبيعية، وفكّ الطوق الأمني عنه، والسماح بحرية الدخول والخروج، ووقف العمل بالتصاريح، والإسراع في عملية الإعمار، والسماح بإدخال كل مستلزمات البناء، وتقديم إغاثة إنسانية عاجلة للأهالي، وتحسين كل مستلزمات الحياة، من عمل ورعاية صحية وتعليم، وتحسين مواصفات الإعمار».

دعوة للتصحيح

الحديث عن المشاكل التي يعانيها مخيم نهر البارد هو حديث يهدف إلى تشخيص المشكلة، ووضع أسس لتصحيح العلاقة الفلسطينية – اللبنانية، ومعالجة الخلل فيها. وإن أهم مدخل لتصحيح العلاقة هو إعادة الأجواء الطبيعية إلى مخيم نهر البارد.

في هذا السياق، جاء في بيان حماس المذكور آنفاً: «إننا في حركة حماس، ومن خلال تسليط الضوء على هذه المشاكل، أردنا التنبيه إلى خطر بقاء الضغط الاجتماعي على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بهذا الشكل، وإلى الدعوة للكفّ عن النظر للوجود الفلسطيني في لبنان من زاوية أمنية، وإلى التأكيد على أن تلبية بعض مطالب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا تتناقض مع مصالح اللبنانيين، وإلى مكاشفة المؤسسات المعنية باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، من أجل تبيان مظاهر الخلل والخطأ ومساعدتها على القيام بواجباتها كما يجب، وتدارُك القصور الذي وقعت فيه، لأن الخطأ مسألة طبيعية، أما الاستمرار في نهج التجاهل وتعمّد الإساءة فهو خطيئة.

صبرنا طويلاً، وحاولنا حلّ هذه الإشكاليات بوسائل مختلفة، لكن هناك ممارسات غير مقبولة، والبعض لا يتجاوب، والبعض مشغول ولا يردّ حتى على الهاتف، والبعض يتهرّب أو يبرّر، لكن في المحصّلة لا يمكننا كحركة فلسطينية مسؤولة عن شعبها أن نغضّ الطرف عن مصالح الناس أو أن نتجاهل أبسط حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وأملنا كبير أن تجد مطالبنا التجاوب من الجهات اللبنانية المعنية لما فيه مصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني».

وهنا نستذكر ما صرّح به رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان يوم 12/10/2008 حيث قال: «إذا كان أحد الذين ينتمون إلى منطقة لبنانية مشاركاً في الشبكات الإرهابية، فهذا لا يعني أن المنطقة هي إرهابية».♦