مجلة العودة

تقرير: كيف ينظر الشارع الصهيوني إلى نفسه ومستقبل كيانه؟ - هشام منور

كيف ينظر الشارع الصهيوني إلى نفسه ومستقبل كيانه؟

هشام منور/ دمشق

إذا كان الكيان الصهيوني الغاصب يحيي ذكرى اغتصاب فلسطين وإعلان قيام دولته المزعومة كتحقيق عملي لنبوءة توراتية مزيفة، ومنجز غربي إضافي على حساب حضارة هذه المنطقة وأرضها وشعوبها، بما يرافق ذلك من أجواء الفرح والابتهاج والسرور، فإن مشاعر الحزن والقهر والأسى، دفعة واحدة، على فوات واحدة من أهم بقاع أراضي العرب، بمسلميهم ومسيحييهم على حد سواء، لا تزال تخيم على المشهد الثقافي والسياسي العربي والإسلامي، ولا تزال تسود نبرة التشاؤم إزاء مستقبل حسمت فيه معظم الأنظمة السياسية العربية زمام أمورها لمصلحة تغليب لغة «العقل والمنطق والمصلحة» ومسار التسوية والتطبيع، على علاّته ومساوئه، على خطاب المقاومة والصمود ورفض أسلوب الهيمنة وفرض الحقوق بالقوة على أصحابها.

وفيما يبرر معسكر التطبيع العربي ما يقوم به لجهة التأقلم مع الواقع وعدم المناكفة، ينسون أن الكيان الصهيوني نفسه، رغم نشوة الانتصار الزائفة التي يتغنى بها، يعاني هو الآخر سلسلةً طويلة من المآزق البنيوية والاستراتيجية، ابتداءً من القنبلة الديموغرافية التي بات انفجارها وتشظيها وشيكاً، إلى استنزاف حلفاء الكيان الصهيوني وسأمهم من بذل الدعم المتواصل للحفاظ على وجوده وتفوّقه على أعدائه في المنطقة، إلى فشل «إسرائيل» في القضاء على أنماط وأساليب المقاومة المتفاقمة والمتعاظمة إزاءها، مروراً بنضوب خزان الهجرة إليها في ظل توتر الأوضاع داخل الأراضي المحتلة وفي المنطقة بوجه عام.

ولعل ثالثة الأثافي، إن جاز لنا التعبير، تكمن في المشاكل الداخلية المتكاثفة التي انكشفت للعيان إبان فشل الآلة العسكرية الصهيونية في حربيها الأخيرتين على لبنان وغزة، إذ كشفت تلك الحرب عن هشاشة الوضع الداخلي الإسرائيلي وسهولة ضعضعته أمام أيّ هزة أو تحدٍّ قد يواجهه، ما كشف عن عمق الأزمة الداخلية التي بات المجتمع السياسي والعسكري يخشى انكشاف عوارها أمام أي تحدٍّ مستقبلي.

وفي استطلاع للرأي أجراه معهد «داحاف» بإشراف الدكتورة مينا تسيمح، عبّر 52% من الإسرائيليين المستطلعة آراؤهم أنهم لا يستبعدون الهجرة من دولة الكيان والانتقال للسكن في دولة أخرى. وقال 10% من المستطلعين إنهم واثقون من أنهم سيفعلون ذلك، فيما قال 12% إنهم سيدرسون ذلك الأمر بإيجاب، وقال 13% إنهم (قد) يفعلون ذلك، وقال 16% إنهم قد لا يقدمون على خطوة كهذه مع إمكانية التفكير بها، فيما نفى 48% إمكانية الانتقال للسكن في دولة أخرى.

فيما استغرب 32% هذا السؤال، وقالوا إنه لا شيء يمكن أن يدفعهم إلى مغادرة «إسرائيل»، وصرح 24% بأن ما يمكن أن يدفعهم للمغادرة هو «فقدان الثقة بمستقبل الدولة أو القلق على مصير أولادهم». وقال 12% إن الوضع الأمني المتدني والخوف من حرب يدفعانهم للتفكير بمغادرة البلاد، فيما رأى 10% وجود عرض عمل مغر سيجعلهم يغادرون. ورأى 8% أن الإكراه الديني سبب يمكن أن يدفعهم إلى مغادرة «إسرائيل»، فيما قال 5% إن أزمة اقتصادية كبيرة ستدفعهم إلى القيام بذلك. وقال 5% إن نظام حكم يتعارض مع أفكارهم السياسية سيدفعهم إلى المغادرة.

وفي سؤال عن مستوى وماهية شعورهم بالعيش داخل الكيان الصهيوني، أجاب 39% بأن شعورهم جيد جداً، وقال 52% إنه جيد بصورة كافية، وقال 6% إن شعورهم ليس جيداً، و3% إن شعورهم ليس جيداً على الإطلاق. وقال 30% إنهم يشعرون بالخجل من كونهم إسرائيليين، وذلك بنسب متفاوتة الشدة والأوقات. وبيّن الاستطلاع أن السبب الأول (32%) لهذا الشعور هو مستوى السياسيين، فيما ردّ 20% منهم شعورهم بالخجل من إسرائيليتهم إلى انتشار العنف في المجتمع، وقال 15% إن السبب هو السائق الإسرائيلي، وقال 13% إن السبب هو العنصرية في المجتمع الإسرائيلي. وأكد 5% أنهم يشعرون بالخجل من كونهم إسرائيليين بسبب الاحتلال.

وعن مستقبل «إسرائيل» قال 36% إن الدولة ستتغلب على جميع المصاعب وستبقى إلى الأبد، ورأى 27% أنها ستتغلب على بعض المصاعب، و14% أن الوضع سيبقى على حاله كما هو اليوم. وقال 14% إن مستقبل «إسرائيل» سيتدهور تدريجياً، وقال 4% إن «إسرائيل» ستتدهور بسرعة حتى تزول.

أما بالنسبة إلى أكبر «إنجاز» حققته «إسرائيل» منذ قيامها، فأشار 31% إلى «حرب الأيام الستة» عام 1967، وأشار 24% إلى اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، وقال 23% إنه المفاعل النووي في ديمونا، وأشار 12% إلى الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية في الفضاء، و3% إلى فوز «إسرائيل» بكأس أوروبا بكرة السلة، و1% إلى فوز «إسرائيل» بمسابقة (الأوروفيزيون) الغنائية، و1% إلى الفوز بميدالية أولمبية. ولفت معدّو الاستطلاع الانتباه إلى أن جيل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً هم الذين رأوا في حرب 67 الإنجاز الأهم، فيما أبناء (65) عاماً فما فوق هم من رأوا أن الإنجاز الأكبر هو مفاعل ديمونا.

والحال أن نتائج الاستطلاع المتزامنة مع صخب الاحتفالات بذكرى نشوء الكيان الصهيوني قد أحدثت صدمة قاسية للوعي الإسرائيلي، فهل بات زوال دولة «إسرائيل» أمراً مقضياً ينتظر حدوثه حتى بالنسبة إلى قاطنيها ومستوطنيها، في الوقت الذي يراهن فيه البعض على عقد تحالفات معها لضمان بقائهم واستمراريتهم؟