مجلة العودة

محمد توكلنا:سليمان العيسى ذاق مرارة اللجوء فعرف آلام اللاجئين

شاعر  شهر  نيسان  /إبريل  لبيت  فلسطين  للشعر 

سليمان  العيسى  ذاق  مرارة  اللجوء  فعرف  آلام  اللاجئين
 
بقلم :محمد توكلنا
 
 

تعرضت الأمة العربية منذ بداية القرن العشرين لمؤامرات أدت إلى وقوع أحلك المآسي بها، ومن ذلك سلخ لواء الإسكندرون عن سورية وتسليمه لتركية عام ألف وتسعمئة وتسعة وثلاثين، وقد أدى ذلك إلى تشريد أهل اللواء وتشتيتهم. وكان بين الأسر التي نزحت عن اللواء أسرة الشيخ أحمد العيسى، وكان من أبناء هذه الأسرة سليمان العيسى، وهو فتى في الثامنة عشرة من عمره كان يقرض الشعر ويشارك بقصائده القومية في التظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء اللواء ضد الاغتصاب. ولم يمرّ على هذه الحادثة غير تسع سنوات حتى سقطت فلسطين بأيدي الصهاينة شذّاذ الآف، ووقف الشاعر يتأمل المهاجرين الفلسطينيين بعين الحسرة، فيرى في حالهم ظلالاً سوداء لحاله وحال أهله، فراح يخاطب أحد اللاجئين الفلسطينيين فيقول:

 
 

أنا مثلكَ استَلَبوا ملاعبَ

فجريَ الأولى اسْتِلابا

أنا مثلكَ اغتصبوا ترابَ

طفولتي الحلوَ اغتصابا

إنه ينظر إلى الوطن في كل أنحائه فيرى ما يُدبّر له من مؤامرات فيرتاع لمصير هذا البلد الواقع بين براثن أعدائه:

أنّى التَفَتُّ أراكَ شِلواً بينَ أنيابِ الأعادي

أنّى رَمَيْتُ الطَّرْفَ روّعَني مَصيرُكِ يا بلادي

وكذلك يرى في تشريد هؤلاء المساكين المشتتين ضياع أمة بأكملها فيهتف بالسؤال:

أمُفجّعونَ على رصيفِ الموتِ أم وطنٌ يبورُ؟

أم شُرَّدٌ أم أمّةٌ لُفِظَتْ ليَسحقها الثُّبورُ؟

ويروي مأساة لاجئة تحكي ذكرياتها الحزينة في بلدها، فقد دهمتهم عصابات الغدر في غسق الليل بالنيران فاندفعت تحتمي بصدر أمّها حين روّعها أزيز الرصاص ورأت أباها وقد وقع في يأس وحيرة من شدة خوفه على أسرته، ثم إذا بهم يقذفون خارج دارهم في طريق هجرتهم:

 
 

ما زلتُ أذكر كيف روَّعَنا

يوماً دويُّ النارِ في الغسقِ

وكألفِ صخرٍ دُحرجتْ بيدٍ

مجنونةٍ مِن جانبِ الأفُقِ

عَزفَ الرّصاصُ نشيدَ مجزرةٍ من

حولِنا وحشيّةِ النسَقِ

ورأيتُني في صدرِ والدتي

نفَساً تفجَّرَ نصفَ مختنقِ

وأبي كملاّحٍ سفينتُهُ

في لمحةٍ أوفتْ على الغرقِ

الدّارُ تَلفِظُ أهلَها سَحَراً

مُهَجاً مروَّعةً على الطُّرُقِ

وتنطلق شرارة العمل الفدائيّ فيتجدد الأمل في صدر الشاعر، فهذه العمليات الفدائية تباغت العدو كما تهبّ الأمواج فجأة في عُرض البحر فتطهر صفحة المياه من الأدران وتلقيها إلى الشاطئ، وكذلك يطهر الفداء الأرض من آثام المغتصبين، وسيأتي اليوم الذي تغسل الأرض لكنها ستغسل باللهيب لا بالماء:

أرأيتَ كيفَ تُباغِتُ الأمواجُ مِن قلبِ الغيوبِ

وتهزُّ صدرَ اليمِّ عاصفةٌ مروِّعةُ الهبوبِ

ترمي بأدرانِ العُبابِ جلامِدَ الشَّطِّ القريبِ

فإذا بوجهِ البحرِ أصفى مِن شُعاعاتِ المَغيبِ

سيُطِلُّ يومٌ فوق هذي الأرضِ تُغسَلُ باللهيبِ

وشاعرنا صاحب نظرة شمولية للوطن من مشرقه إلى مغربه يقدّس البطولة حيثما وجدت على أرض الوطن:

أنا للبطولةِ مُذْ رأيتُ النّورَ كنتُ ولن أَزالا

بغدادُ في صدري كتونسَ خفقةٌ حَرّى تَوالى

كالشّامِ يَقطُرُ في الجنوبِ دمي وقد خَضَبَ الشَّمالا

ويمجّد بطولة المناضل الليبي عمر المختار الذي أعدمته إيطاليا زمن احتلالها لليبيا، ويرى أنه بدمه قد فتح الطريق نحو النصر، وهذا الدم هو الذي أرهب الأعداء، وهو الذي أيقظ الأمة وأنهضها من قبرها، وكذلك فتح باب الخلود، فمن شاء أن يخلد فليتبع طريق المختار:

دمُكَ الطّريقُ وما يزالُ بعيدا

علِّق برُمحكَ فجرَنا الموعودا

دمُكَ الطريقُ ولو حمَلنا وَهْجَهُ

أغنى وأرهَبَ عُدّةً وعديدا

اضرِب بحافرِ مُهرِكَ النِّيرَ الذي

ما زالَ في أعناقِنا مشدودا

شيخَ الرّمالِ يهزُّهُنَّ عروبةً

وعقيدةً تسَعُ الوجودَ وجودا

جئتَ القبورَ ونحنُ في أعماقِها

فأريتَها المتحدّيَ الصِّنديدا

وفتحتَ بابَ الخالدينَ، فمَن يشأ

صنَعَ الحياةَ مقاتلاً وشهيدا

وتنطلق الفدائية سناء محيدلي في عملية استشهادية في جنوب لبنان لتقض مضجع المحتلين، فتكون رسالة إليهم أنه ليس لهم مكان في هذه الأرض:

تحزِمُ الوردةُ آلامَ الجنوبْ

كلُّها في بسمةٍ زهراءَ.. إصرار الجنوب

وتدوّي الصاعقه

وردةُ الفجرِ استحالتْ صاعقه

فوقَ رأسِ الغزوِ والحقدِ الجبان

يا أعاصيرَ النّدى والأقحوان

ليس للمحتلِّ في أرضي مكان

فجّريهم لقّنيهم أوّلَ الدرسِ

ورفَّتْ كالصباح

فوقَ تاريخِ الجراح

وانتهتْ دفقةَ عطرٍ في كتابِ الشّهداء

يَشْمَخُ الشِّعرُ إذا رفَّ اسمُها

يحلو جنونُ الكبرياء

اسمها كان سناء

أوّلُ الغيثِ سناء

وفي عبارة (أول الغيث سناء) لفتة لطيفة إلى تدفّق الوابل المدرار من العمليات الاستشهادية التالية، فهو يذكرنا بقول البحتري:

وأزرقُ الفجرَِ يأتي قبلَ أبيضِهِ

وأوّل الغيثِ قطرٌ ثمّ ينسكبُ

الشاعر والأطفال

من الشعراء من نظموا شعراً عن الأطفال ولكن شعرهم كان شعراً للكبار كقول نزار قباني:

يا أيها الأطفال

من المحيط إلى الخليج

أنتم سنابل الآمال

وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال

ويقتل الأفيون في رؤوسنا

ويقتل الخيال

  يا أيها الأطفال أنتم بعدُ طيّبون طاهرون

  لا تقرؤوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال

  فنحن خائبون 

ولكن سليمان العيسى يقدّم قصائد الأطفال بلغة بسيطة وجرسٍ موسيقي ناعم محبب للأطفال، ويدخل إلى عالمهم، ويحدّثهم عن هواياتهم ويعرف ما يفرحهم ويبهج قلوبهم، ففي قصيدته (الرسام الصغير) يقول:

أرسمُ ماما    

أرسمُ بابا

بالألوان

أرسمُ علمي   

فوق القِممِ

أنا فنّان

أنا صيّادُ اللونِ السّاحرْ

أرضُ بلادي كنزُ مناظر

ولا يخفى ما في القصيدة من قِيَم كرسم العلم وجمال أرض الوطن، ثم يكرّس شاعرنا حب الوطن في قصيدة (فلسطين داري) فيقول:

 
 

فِلَسْطِينُ داري وَدَرْبُ انْتصارِي

تَظَلُّ بِلادِي    هَوىً في فُؤادِي

وَلَحْناً أَبِيَّا      على شَفَتَيَّا

وُجوهٌ غَرِيبَةْ   بأَرضِي السَّلِيبَةْ

تَبِيعُ ثِمارِي    وتَحْتَلُّ داري

وأَعْرِفُ دَرْبِي ويَرْجِعُ شَعْبِي

إلى بَيْتِ جَدِّي  إلى دِفْءِ مَهْدِي

فِلَسطِينُ داري ودربُ انتصاري

حياة الشاعر

ولد الشاعر سليمان العيسى عام 1921 م، في قرية النُّعيرية - حارة بساتين العاصي - الواقعة غرب مدينة أنطاكية، وتلقى ثقافته الأولى على يد أبيه المرحوم الشيخ أحمد العيسى في القرية، ولم يكن في القرية مدرسة غير (الكُتَّاب) الذي كان في الواقع بيت الشاعر الصغير، والذي كان والده الشيخ أحمد يسكنه ويعلّم فيه. وبدأ كتابة الشعر في التاسعة أو العاشرة، فكتب أول ديوان من شعره في القرية، تحدث فيه عن هموم الفلاحين وبؤسهم، وشارك بقصائده القومية في التظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء اللواء ضد الاغتصاب وهو في الصف الخامس والسادس الابتدائي.

غادر لواء الإسكندرونة بعد سلخه ليتابع مع رفاقه الكفاح ضد الانتداب الفرنسي، وواصل دراسته الثانوية في ثانويات حماة واللاذقية ودمشق. وفي هذه الفترة ذاق مرارة التشرد وعرف قيمة الكفاح في سبيل الأمة العربية ووحدتها وحريتها، ودخل السجن أكثر من مرة بسبب قصائده ومواقفه القومية.

أتم تحصيله العالي في دار المعلمين العالية ببغداد، بمساعدة من العراق الشقيق وعاد من بغداد وعين مدرساً للغة والأدب العربي في ثانويات حلب، ثم انتقل إلى دمشق موجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية، وقد اتجه إلى كتابة شعر الأطفال بعد نكسة حزيران عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين، وكان من مؤسسي «اتحاد الكتاب العرب» في سورية عام ألف وتسعمئة وتسعة وستين.

وقد شارك مع زوجه الدكتورة ملكة أبيض في ترجمة عدد من الآثار الأدبية، أهمها آثار الكتاب الجزائريين الذين كتبوا بالفرنسية.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) حصل على جائزة «لوتس» للشعر من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا. وفي عام ألف وتسعمئة وتسعين انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وحصل في عام ألفين على جائزة الإبداع الشعري من مؤسسة البابطين.

أهم أعمال الشاعر

-  الأعمال الشعرية (أربعة أجزاء).
-  على طريق العمر: معالم سيرة ذاتية.
-  ثمالات (خمسة أجزاء).
-  الكتابة بقاء.
-  الديوان الضاحك (جزءان)

 -  وأكتب (قصائد صغيرة لي ولها).
-  كتاب الحنين.
-  باقة نثر.
 - حب وبطولة (مختارات).
 - موجز ديوا
ن المتنبي.
 - ديوان الجزائر.
 - ديوان فلسطين.
 - المرأة في شعري.
 - ديوان اليمن.
 - ديوان عدن، جامعة عدن.
 - ديوان صنعاء.
 - دمشق حكاية الأزل.
 - من رحلة الظمأ.
 - أنا وحلب.
 - أنا وساحلنا العربي السوري.
 - ديوان لبنان