مجلة العودة

ثقافة العودة: المسرح كان أسير المواقف السياسية والمؤسسات الفلسطينية تخاف منه

                           الفنان الفلسطيني محمود خليلي

             المسرح كان أسير المواقف السياسية والمؤسسات الفلسطينية تخاف منه
 
حوار: وسام الحسن / دمشق
 
 

  لم يكن المسرح الذي يطلق عليه "أبو الفنون" في إبداع   الشعب الفلسطيني وثقافته سوى وسيلة أخرى من وسائل النضال والمقاومة والتثقيف. ورغم الصعوبات التي يواجهها المسرح الفلسطيني، إلا أنه حصد جوائز عربية وعالمية وارتقى بعناصره جميعاً ليوازي بين رسالته وفنيّته، وبين تطلعاته وإرهاصات كل مرحلة ، لينضم بدوره إلى الأدب والفن التشكيلي والأغنية، لتكون زاد اللاجئين في زمن الشتات.

هموم   المسرح الفلسطيني وتاريخه في حوار خاص مع الفنان التشكيلي والمسرحي محمود خليلي. العودة: المسرح الفلسطيني في الشتات ... حدثنا عن البدايات .

أعتقد أن المسرح الفلسطيني في الشتات، وبالأخص في سورية، انطلق في مسيرته الحقيقية في عام 1966 وعام 1967 عندما عرضت مسرحية (شعب لن يموت) من تأليف الشاعر الفلسطيني فتى الثورة ومن إخراج نصر شما. كانت البدايات باسم جمعية النادي العربي الفلسطيني. وقدم كذلك مسرحية (الطريق) ومسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب). كان المسرح الفلسطيني في تلك الفترة مسرحاً عفوياً وبسيطاً، وأخذ الطابع المدرسي، حيث كان يقدم الفلسطيني وشخصية المقاتل الفلسطيني على أنه رجل خارق لا يمكن أن يُكسر، وله وضعه الخاص ورمز خاص استثنائي. وقد امتدت عدة سنوات، وشارك فيها عدد من المسرحيين السوريين، منهم: عدنان بركات، وليد قصاص وعبد الرحمن آل رشي، وكانوا ضيوفاً وأساسيين في هذه العروض المسرحية. باختصار، أقول إنه في هذه المرحلة لم يكن هناك عمل على أرضية مسرحية، بقدر ما كان هناك عمل وطني وشكل من أشكال النضال التف الناس حوله وتضامنوا معه وشجعوه كثيراً، بمعزل عن كونه فناً من الفنون، بل لأنّ هذه المسرحيات تسهم في تقديم الإنسان الفلسطيني المعذب المقتلع من أرضه بطريقة عاطفية.

في المرحلة الثانية انطلق المسرح الفلسطيني بعيد مشاركته في مهرجان دمشق للأعمال المسرحية في عام 1969. حينها، أُطلق عليه اسم "المسرح الوطني الفلسطيني". وقد استعان المسرح في هذه الفترة بعدد من المخرجين الأكاديميين، سواء من الفلسطينيين أو العرب، وقدمت مجموعة من العروض، باعتقادي أنها بقيت في الإطار التقليدي، لكنها حاولت أن تنطلق باتجاه المسرح الحقيقي والأخذ في الاعتبار أننا نقدم فناً حضارياً له قيمته ووجوده، فبدأ الاهتمام أكثر بالنص المسرحي وعمل المخرج. وفي هذه الفترة اشتهر عدد من المسرحيين الفلسطينيين، شكلوا الدعائم الأولى والأساسية للمسرح الفلسطيني، ومنهم عبد الرحمن أبو القاسم، زيناتي قدسية، حسين أبو حمد وزهير حسن، وكان من المخرجين حسن عويتي.

والمرحلة الثالثة بدأت عندما أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية – دائرة الإعلام والثقافة الحاضن الأساسي للمسرح، حيث استُعين فيها بعدد من المخرجين الذين كانوا يحملون أفكاراً متقدمة ومتنورة، أو يحملون مشروعاً مسرحياً رائداً. وفي هذه الفترة استُعين بعدد من المخرجين الكبار، منهم حسن عويتي الذي قدم مسرحية (الزيارة)، ووليد قوتلي الذي قدم مسرحية (لكع بن لكع) وفواز الساجر الذي قدم مسرحية (المؤسسة الوطنية للجنون، واستُعين أيضاً بالمخرج العراقي جواد الأسدي الذي أخرج مسرحية (رقصة العلم وثورة الزنج) و(خيوط من الفضة.

دامت هذه المرحلة إلى عام 1990، وباعتقادي أن هذا المسرح في هذه المرحلة خطا خطوة هامة لها ما يميزها في الجانب الفني. ومن جانب آخر، تراجعت باتجاه دور   هذا الفن الفلسطيني ووظيفته، وخاصة أن هذا الفن انبثق وهو جزء من آلية عمل المقاومة الفلسطينية. وحاول المسرح الوطني الفلسطيني في عروضه في هذه الفترة أن يتجه إلى المهرجانات وعروض متألقة، وأن يبحث في جمال عرض المسرحي، وأن يبحث في النهوض بكامل عناصر العرض المسرحي، وأن يقدم مادة نوعية متألقة قادرة على أن تقف بجانب العروض المسرحية العربية، وقادرة على أن تنتزع الجوائز في المهرجانات كبقية العروض العربية. لكنه نسي دوره الأساسي والوظيفي. نسي علاقته الأساسية بالشعب الفلسطيني، وهي مد جسر باتجاه المواطن الفلسطيني، لكونه مطالباً بفتح حوار مع هذا المواطن، ومطالباً بأن يثقّف المواطن ويحرضه، ومطالباً بأن يمد يده له للوصول بشكل مشترك إلى نتائج وإلى وجهات نظر إلى أفكار تُسهم في وضع خطة طريق باتجاه الوطن وباتجاه التحرير. باعتقادي، كانت هذه ملاحظة كبيرة على هذا المسرح، الأمر الذي جعله ينحسر عن المواطن الفلسطيني والتجمعات الفلسطينية. حقيقةً، غاب عنه هذا الدور وأخذ يبحث عن النجومية والأضواء في المهرجانات العربية والعالمية.

العودة: كيف قدّم المسرح الفلسطيني مفهوم العودة ومصطلح النكبة؟ وكيف رسم ملامح اللجوء؟

بالنسبة إلى التجارب المسرحية القديمة، لا أستطيع أن أصف تعاطيها مع النكبة والعودة؛ لأنني كنت صغيراً ولا أعيها جيداً. أما بالنسبة إلى التجارب الأخيرة في المسرح الوطني الفلسطيني، فهي لم تتكلم على اللجوء ولا على النكبة والشتات. وكانت هناك تجربة واحدة عرضت الشيء الكثير من الترميز، حيث قدم في هذا العمل الإنسان الفلسطيني في مراحله المختلفة، هي مسرحية (لكع بن لكع) للكاتب إميل حبيبي. لكن وجهة النظر المطروحة في هذا العمل المسرحي لا تصل إلى المواطن العادي. لكن بالنسبة إلى العروض التي كانت تحمل طابعاً شخصياً وليس مؤسساتياً، تكلمت على المواطن الفلسطيني في الشتات، وتكلمت على غربته وعلى العودة، وتكلمت على الإيمان الراسخ بعودة الفلسطيني إلى كامل أراضيه. وأقول جازماً إنه حتى وإن اختلفنا نحن المسرحيين بوجهات نظرنا الشخصية خارج إطار الإبداع، لكن ما قدم على خشبة المسرح من عروض تتناول هذه المرحلة (مرحلة الـ48 وما لحقها من لجوء وشتات) أجمع على حق الفلسطيني في العودة إلى أراضيه. ولا أعتقد أن هناك من يجرؤ على أن يقدم عرضاً يتخلى فيه عن ذرة تراب، حتى وإن كان في وجهة نظره الشخصية خارج إطار العمل الإبداعي يمكن أن يجادل في ذلك. حسب الظروف السياسية المختلفة، ولكن على صعيد الإبداع، كانت هناك حصانة لفكرة العودة ولهذا الحق، وهذا حق غير قابل للنقاش في كل العروض التي قدمت.

العودة: بماذا تفسّر غياب المسرح الفلسطيني عن المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة؟

أفسره بغياب المؤسسة الوطنية الفلسطينية؛ لأنه مثلما يوجد عندنا شعراء كبار وروائيون كبار وفنانون تشكيليون كبار، لدينا مسرحيون وفنانون على مستوى عال من المهنية. هنا في سورية يوجد فنانون كبار ونجوم في الدراما السورية، وهم ليسوا فلسطينيين فقط، بل يحملون الهمّ الفلسطيني ويحملون وعياً يمكّنهم من تقديم رؤاهم بفاعلية في الأعمال المسرحية، وكان عندهم إيمان حقيقي بدور هذا المسرح. لكن المؤسسات الفلسطينية الراعية لهذا المسرح غابت بالكامل. وكانت بعض المؤسسات ترعى حتى تقول أنا قمت بهذا العمل المسرحي وأنا مولته. وقد قدمت مشاريع كبيرة للمؤسسات الفلسطينية لتقديم عروض مسرحية للمخيمات، ولكن لم تجد أذناً تسمع هذا الكلام على الإطلاق، وبقيت فرقة واحدة، هي فرقة المسرح الفلسطيني، ولا يتجاوز عدد ممثليها عشرة أشخاص. وكنت واحداً منهم، وشاركنا في عدة مهرجانات. إذاً، لا غياب للطاقة الإبداعية الفلسطينية، ولا   غياب للإيمان عند الممثلين الفلسطينيين، ولا غياب للعدد البشري. كان الغياب في المؤسسات الفلسطينية التي كان على عاتقها النهوض بهذا الفن والنشاط.

وفي غياب المؤسسات اضطررنا إلى تكوين فريق عمل سميناه "فرقة القدس المسرحية"، كان على رأسه الفنان زيناتي قدسية وأنا والفنان يوسف المقبل وعبد الباري أبو الخير والفنان جمال العلي وعبد الحميد خليفة. هذه المجموعة أنشأت فرقة القدس المسرحية وأخذنا على عاتقنا تمويلها وأنشأنا صندوقاً متواضعاً لهذه الفرقة، وحاولنا أن نصنع عروضاً غير مكلفة، وقدمنا مجموعة من العروض في عدة مخيمات في سوريا ولبنان وفي طهران. وكنا نستعين ببعض الأصدقاء في المؤسسات الفلسطينية وفي وزارات الثقافة العربية. وبعد مرور خمس أو ست سنوات، شعرنا بأننا أمام عبء كبير في مسألة العرض لا الإنتاج، وخاصة أنه كان في فريق العمل مصممو ديكور وكتّاب ومخرج. إذاً، نحن نستطيع أن ننتج العمل المسرحي بكافة عناصره من دون الحاجة إلى أحد، لكن غياب أماكن العرض الذي لم توفّره المؤسسات الفلسطينية لظروف يعرفها الجميع وضعنا أمام حائط مسدود. الفنان محمود خليلي، فتح عينيه على فضاء الشتات في مخيم النيرب بحلب عام 1957م. من قرية الجش في الجليل الأعلى. درس في كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم التصوير 1982 وشغل عدة مواقع نقابية مهمة، منها: رئيس الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين ـــ فرع سورية بين 1991 إلى 2001م.

شارك في عشرات الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية ممثلاً ومصمماً للديكور والملابس.