مجلة العودة

الهجرة الصهيونية إلى فلسطين بين الشرعنة والفرعنة

الهجرة الصهيونية إلى فلسطين بين الشرعنة والفرعنة
 
د.محمد ياسر عمرو/لندن     
 
مخطئ من ظن يوماً أن للصهاينة مبدأً، فلا قانون يلزمهم، ولا نظام يطبق عليهم، ولا قيم تحكم سلوكهم، فهم كتلة من المخالفات والتجاوزات، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالتعاطي مع أنظمة الحكومة البريطانية أيام الانتداب، بل هذا ما يحكم سلوكهم مع الجميع حتى الحلفاء والأصدقاء.

وفي شأن الهجرة الصهيونية إلى فلسطين أيام الانتداب، فقد منحتهم بريطانيا كل التسهيلات الممكنة، ومنحتهم حق الهجرة إلى فلسطين، بمسميات مختلفة، وسنت لهم التشريعات التي جمعتهم من كل حدب وصوب.  

ولم تكتف بذلك، بل سنّت لهم القوانين التالية لجلب المهاجرين الصهاينة إلى أرض فلسطين:

قانون الهجرة والتجنيس الذي منح لهم، بدعوى الحقوق التاريخية والدينية، أو بدوافع إنسانية.

قانون المستشارين والخبراء كمدخل للهجرة اليهودية إلى فلسطين. وإن كان هذا القانون غير معلن، لكن يصاب المرء بالذهول حينما يرى أن جل خبراء حكومة الانتداب  ومستشاريها هم من اليهود البريطانيين أو من جنسيات أخرى.

 قانون الاستثمار الذي كان يبيح للمستثمرين اليهود الاستثمار في فلسطين. ولا يخفى أن تمويل هؤلاء المستثمرين كان من الصهاينة.

قانون الزراعة والعمالة: عملت حكومة الانتداب على إيجاد فرص للمزارعين الفلسطينيين في السياحة وسكك الحديد، تاركين أراضيهم، وجُلب المزارعون الصهاينة والعمال اليهود ليزرعوا تلك الأراضي بعقود، ثم آلت ملكيتها لهم. كذلك سنت قانون استصلاح الأراضي الذي سلمت ناصيته لليهود.

 كل هذا التواطؤ المقصود لجلب هذه الوجوه الغريبة إلى فلسطين لم يمنع اليهود من ممارسة أشنع حملة قرصنة بشرية منظمة في تهجير الصهاينة من كل بقاع الأرض إلى فلسطين، غير آبهين بالقوانين والإجراءات البريطانية التي كانت متساهلة ومنحازة بطريقة مقصودة. فنحن أمام خبرين نشرا في جريدة فلسطين في  عدد الخميس الأول من حزيران من عام 1939 (1). جاءت في الخبر الأول تفاصيل عن فضيحة  التهريب البشري التي كان بطليها محامٍ يهودي وضابط بريطاني كبير. وسوّق اليهود في صحافتهم هذا الأمر على أنه فساد  إداري مقابل مال. وهذا قد يكون صحيحاً، ولكن أجزم بأن هذا جزء من تنظيم مخطط وخلايا ممولة من المنظمات الصهيونية المنتشرة في كل مكان. واللافت أن إجراءات حكومة الانتداب مع هؤلاء لم تكن صارمة، بل كانت تتردد ما بين الفصل من العمل أو الاستدعاء والطلب، ما ينبئ بسكوت مقصود وغض طرف مخطط عن هذه القرصنة البشرية. وهذا يدلّ كذلك على النفسية الصهيونية البغيضة التي لا تراعي إلّاً ولا ذمة مع أحد، حتى في أشد المقربين والحلفاء مثل بريطانيا؛ فقد يعجز أي باحث مهما أوتي من قوة أن يحصي عدد الانتهاكات الصهيونية لقوانين الانتداب البريطاني. بناءً على ذلك، كان الصهاينة يعملون بدراية ودراسة وتخطيط مسبق، وصناع القرار في غياب عرضي أو مقصود، وما زال اليهود مستمرين في منهجيتهم في العمل، وأتساءل هنا: هل ما زلنا نحن العرب والمسلمين غائبين أم مغيبين؟ أم أن بوادر اليقظة تطرق أبوابنا؟

الصحيفة محفوظة ضمن أرشيف مركز العودة  الفلسطيني في لندن، وحديثاً أُضيفت إلى موقع المركز على الشبكة العنكبوتية، ويمكن الوصول إليه من خلال هذا الرابط:

http ://www .prc .org .uk /newsite /ar /prc -home -ar .