مجلة العودة

تداعيات : الموقف العربي وجامعة الدول العربية من استحقاق أيلول

للكاتب: إبراهيم العلي
 
 

لم تكن الدول العربية وجامعتها يوماً بمنأى عن القضية الفلسطينية؛ فقد منحت جامعة الدول العربية فلسطين العضوية منذ عام 1952 عندما أصدر مجلس الجامعة قراراً يعدّ فيه المندوب الفلسطيني مندوباً عن فلسطين وليس مندوباً عن عرب فلسطين كما كانت الحال من قبل. واستمر الأمر كذلك حتى عام 1964 حينما اعترف مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد بالقاهرة بمنظمة التحرير الفلسطينية حديثة العام ذاته ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وعدّ المجلس رئيس المنظمة ممثلاً لفلسطين لدى الجامعة.

وفي مؤتمر الدار البيضاء الذي انعقد بعد حرب 1973 بين العرب و"إسرائيل"، اعترف الملوك والرؤساء العرب المجتمعون في المغرب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، لا في الجامعة العربية فقط، بل في الأمم المتحدة وعلى الصعيد الدولي؛ فالأمم المتحدة تمنح منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، صفة «مراقب»، بوصفها «كياناً» منذ 22 نوفمبر 1974، بما يخولها أن تتحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن ليس لها الحق في التصويت.

وفي عام 1976، وبناءً على اقتراح مصري، قُبلت منظمة التحرير الفلسطينية عضواً كامل العضوية، ولها ممثل في مجلس الجامعة من حقه أن يصوت في كل القضايا التي يناقشها المجلس.

وفي تشرين الثاني من عام 1988 أُعلن قيام الدولة الفلسطينية في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر الذي أقيم في الجزائر، على حدود الرابع من حزيران عام 1967، أي على   22% من مساحة فلسطين التاريخية.

 وبدأت الاعترافات الدولية تتوالى بهذه الدولة، ومن ضمنها الاعترافات العربية؛ فقد اعترفت جميع الدول العربية بالدولة الفلسطينية باستثناء لبنان وسورية، التي اعترفت أخيراً بالدولة الفلسطينية على أساس الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة.

  ففي مؤتمر القمة الذي عقد في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في 26 مايو (أيار) 1989،   مُنحت فلسطين العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية، وطالبت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية دول العالم كافة بالاعتراف بدولة فلسطين والتحرك نحو اتخاذ القرارات الدولية اللازمة والحاسمة في هذا الشأن.

 وبعد قرابة عقدين من المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبعد الوصول إلى   حالة الجمود الكامل وانسداد كل الأبواب والآفاق أمام أي مؤشر لاستئناف المفاوضات ووقف الاستيطان، قررت السلطة الفلسطينية التحرك باتجاه الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، فبدأت حراكاً دبلوماسياً لجمع اعتراف ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، الشرط اللازم لمنحها العضوية في الأمم المتحدة.

 وفي سياق التعاون العربي لدعم هذا التوجه، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، د. نبيل العربي، دعم الجامعة للتوجه الفلسطيني القاضي بالذهاب إلى الأمم المتحدة.
فبالرجوع إلى الموقف العربي الرسمي الذي تبنى المبادرة العربية للسلام، الداعية إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، وذلك طبقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، قررت اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية التوجه إلى الأمم المتحدة لدعوة دولها الأعضاء للاعتراف بهذه الدولة، والتحرك لتقديم طلب العضوية الكاملة لها في الأمم المتحدة، وحشد التأييد الدولي لهذه الخطوة في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن.
 كما قررت اللجنة تكليف المجموعة العربية في الأمم المتحدة الإعداد لخطوات هذا التحرك، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، ومتابعة كافة الجهود والاتصالات ذات الصلة في هذا الشأن، إضافة إلى قيام رئيس اللجنة والأمين العام للجامعة العربية ودولة فلسطين والسعودية ومصر والمغرب والأردن، ومن يرغب من الدول الأخرى بمتابعة الموقف واتخاذ ما يرونه من خطوات عملية، وما يلزم من مشاورات واتصالات لحشد الدعم المطلوب من دول العالم كافة.

إن المبصر لما ستؤول إليه القضية الفلسطينية من حيث جدلية الصراع والتغيير الذي سيطرأ على المصطلحات فقط، وانتقال جوهر الصراع من أراضٍ محتلة إلى دولة ترزح تحت الاحتلال سيلحق الضرر بالمقاومة وبحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي خرجوا منها؛ فالكيان الغاصب سيكون له الحق في ضرب المقاومة تحت ذريعة قانون مكافحة الإرهاب، عند قيام أي فصيل بالرد على الاعتداءات الصهيونية، وسيجري التعامل مع دولة فلسطين العضو في الأمم المتحدة تحت الفصل السابع، أي أننا أمام عقوبات، أو ربما   تحرك عسكري دولي ضد فصائل المقاومة. وهكذا هي الحال في حق العودة الذي سيؤول إلى الدولة الفلسطينية؛ فالتحرك باتجاه الأمم المتحدة يجب ألا يكون بديلاً لكفاح شعبنا الساعي إلى التحرير والعودة، لكن عليه أن يرتبط باستراتيجية شاملة تعزز صمود شعبنا في الداخل والشتات وتدعم المقاومة.  

كذلك إن التجاوب السريع للنظام العربي الرسمي مع هذا التحرك يبدي تلهفاً ورغبة واضحة في التخلص من مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني، وميوله نحو التطبيع العلني والشامل بعد زوال أساس الخلاف مع الكيان الصهيوني ــــ كما يعتقدون ــــ فهذا الغطاء العربي لا يعدو عن كونه مسماراً جديداً في النعش الفلسطيني.