مجلة العودة

حقوق: بريطانيا في قفص الاتهام - حسام رمضان أحمد

بريطانيا في قفص الاتهام لدورها في جريمة النكبة

حسام رمضان أحمد

بعد تعالي النداءات بمقاضاة بريطانيا بسبب جريمتها في إصدار «وعد بلفور» ودورها في إقامة «الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين»، تأتي الورقة التي أعدّها جوزيف هوتنغ الباحث في القانون الدولي في جامعة لندن، في سياق المخاوف البريطانية من إدانة بريطانيا بجريمة التسبّب في خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وما يترتب على ذلك من وقوع بريطانيا تحت طائلة التعويضات الكبيرة التي يجب أن تدفعها للشعب الفلسطيني. وتركّز ورقة جوزيف على ما تسميه «تاريخ البيان الحاسم»، حيث تريد أن تركّز مقاضاتها على حقبة الانتداب، لأنها تظن أنها كانت تحت مظلة القانون الدولي، وأنها كانت تنفذ إرادة عصبة الأمم، المتمثلة في إقامة الوطن القومي اليهودي من خلال تنفيذ صك الانتداب على فلسطين، مع محاولة التملص من وعد بلفور وملحقاته.

جدير بالعلم أن القوة العسكرية البريطانية التي احتلت فلسطين باشرت فوراً بخلق الأجواء التي تسهّل مهامها الانتدابية في فلسطين وخصوصاً مهمة إنشاء الوطن القومي اليهودي، أما تزايد حرص وإصرار الإدارات البريطانية المتعاقبة على انتزاع الأرض من الفلاحين الفلسطينيين وتقديمها إلى اليهود، فيشير إلى ارتفاع مستوى التنسيق والتشاور بين المنظمة الصهيونية والحكومات البريطانية المتعاقبة، ويوضح أن كل الإجراءات التي قامت بها الحكومات البريطانية جاءت في سياق الرغبات الصهيونية، وتسهيلاً لمهمة السيطرة اليهودية على فلسطين.

فالجريمة التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني من القوى الاستعمارية الكبرى المتمثلة في المملكة المتحدة (بريطانيا) وحليفتها الحركة الصهيونية اللتين رأتا في لحظة معيّنة أن مصالحهما لا تكون إلا من خلال ارتكاب الجريمة التاريخية الكبرى بحق الشعب الفلسطيني، هذه الجريمة التي لم تتوقف منذ إصدار وعد بلفور، وما بُني عليها بعد ذلك من قرارات لعصبة الأمم، ابتداءً بصك الانتداب الذي أعطى تفويضاً دولياً للقوة العسكرية التي احتلت فلسطين إبان الحرب العالمية الأولى بتنفيذ وعد بلفور انسجاماً مع اتفاق (سايكس بيكو) 1916، وصولاً إلى قرار التقسيم 181 لسنة 1947، وبذلك فإن عصبة الأمم التي تبني قراراتها على نتائج الحروب، هي متورطة أيضاً في خيوط الجريمة، وهي – في الحد الأدنى- لا تستقيم قراراتها مع موازين الحق والعدل، ولذلك فهي باطلة، وكل ما بُني عليها فهو باطل.

بفعل التنافس الاستعماري من جهة والأطماع الصهيونية من جهة ثانية، أصبح الشعب الفلسطيني شعباً مشرداً لا يستطيع أن يجتمع فوق أرضه، تمنعه قوة عسكرية من ذلك، وأصبح مستقبله مهدداً لأن حق عودته ولملمة شمله فوق أرضه موضوع فوق طاولة المفاوضات مع العدو الذي يحرص على التنصل من جريمته والتخلي عن تحمل أية مسؤولية، سواء سياسية أو قانونية أو أخلاقية أو إنسانية.

لذلك فإن استمرار هذا الوضع يضاعف المسؤولية التاريخية في ما يخصّ المملكة المتحدة عما لحق بالشعب الفلسطيني جراء احتلالها لفلسطين ومساهمتها في إقامة دولة الكيان الصهيوني فوق الأرض الفلسطينية، لذلك فإن الصيحات بمقاضاتها وتنظيم دعوى قضائية ضدها كانت حاضرة بقوة في كل الفعاليات التي يحييها الفلسطينيون في مناسباتهم الوطنية حتى وصلت هذه الصيحات إلى قلب مجلس العموم البريطاني، وسمع بها كل أعضاء مجلس العموم الذين تحدث بعضُهم بوجوب تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني عن «وعد بلفور». لكن هناك من يرفض ذلك ويقول بأن محاكمة بريطانيا أمر غير ممكن، لذلك تداعى عدد من الباحثين البريطانيين في كلية الحقوق في جامعة لندن للبحث في دفوع بريطانيا إذا رُفعت دعوى قضائية بحقها..

من هنا تدرس ورقة جوزيف هوتانغ من جامعة لندن السؤال المتعلق في ما إذا كانت بريطانيا العظمى تتحمل مسؤولية قانونية في خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين.

المسؤولية في العلاقات الدولية المتعلقة بوضع معين، تأخذ أشكالاً متعددة، منها المسؤولية الأخلاقية أو السياسية أو القانونية للدولة أو مجموعة من الدول إزاء حادث معين أو وضع معين؛ إذ يمكن معاينة كل منهما بالاعتماد على تركيز التحليل.

تقوم ورقته بدراسة الأسئلة المتعلقة بالمسؤولية تحت القانون الدولي فقط، بمعنى، هل قامت بريطانيا العظمى بخرق أي من التزاماتها تحت القانون الدولي بشكل أدى إلى أو أسهم في خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين؟ ويحدد أن النقاش في ورقته هو قانوني على وجه التحديد ولا يعالج الأبعاد الأخلاقية أو السياسية للموضوع، ويؤكد أن ورقته تسهم في تبيين بعض الاعتبارات القانونية المتعلقة بتحديد ما إذا كانت بريطانيا العظمى تتحمل مسؤولية، تحت القانون الدولي، بخلق قضية اللاجئين الفلسطينيين.

من البداية يخلص إلى أنّ من غير الممكن الوصول إلى قرار إذا كانت بريطانيا العظمى متورطة بهذا أو لا، لأن هذا في رأيه سيتطلب فحصاً دقيقاً للحقائق والدلائل التي تتجاوز حدود ورقته التي يعتمد فيها على تركيز التحليل من الناحية التاريخية، ويعتبر أن المعايير المعاصرة للقانون الدولي في غير محلها لذلك فإنه يرى أن تقاس المسؤولية القانونية بالرجوع إلى القانون الدولي كما كان خلال النصف الأول من القرن العشرين..

ويبدأ بتحديد الهيكلية القانونية التي قام بتطبيقها، لتحديد ما إذا كانت بريطانيا تتحمل مسؤولية في خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو هنا يتعامل مع الأسئلة البنيوية بغض النظر عن الالتزامات المعينة التي يمكن أن تكون مشمولة، ويتساءل عن كيفية قيام القانون الدولي بتنظيم إسناد مسؤولية الدول؟ ثم يقوم بتطبيق هذه الهيكلية على الموضوع المحدد لقضية خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وبما أن أي تحليل في هذه القضية يجب أن يغطي جملة من المواضيع، إلا أنه اختصرها في كيفية تعامل المملكة المتحدة مع أي ادعاء بمسؤوليتها عن خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين. ويهدف من هذه الورقة إلى تحديد النقاط التي تعتقد المملكة المتحدة أنها ستكون في صالحها بشكل أساسي وفي ضوء المواضيع الرئيسية.

ويتضح من هذه الورقة كيف تشعر بريطانيا بالتبعية القانونية عن دورها في الجريمة التي لحقت بالشعب الفلسطيني، والتي انتهت بتهجير أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني وتركت كل أرضه نهباً لقطعان المستوطنين الغرباء الذين جلبتهم إلى الأرض الفلسطينية، وإذا كانت المملكة المتحدة تريد أن تحتكم فقط للمعايير القانونية التي تخصّ النصف الأول من القرن العشرين، وتحديد القواعد القانونية التي يسير عليها العرف القانوني الدولي في متابعة الحقوق، فإن الضحايا ما زالوا قائمين وفصول الجريمة لم تنتهِ، والأدلة على تورط الأطراف ماثلة.

لذلك فإن ورقة جوزيف هوتنغ يجب أن تحرض الباحثين القانونيين أهل الاختصاص من أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، ليأخذوا دورهم في هذا الباب ويعدّوا عدّتهم لتحقيق النصر القانوني على بريطانيا في المعركة القضائية المنتظرة جراء جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.