مجلة العودة

سياسة: المصــالحـة الفلسطينـيــة دروس وعـبـــر لضمـــان نتيجــة أفضــل

المصــالحـة الفلسطينـيــة دروس وعـبـــر لضمـــان نتيجــة أفضــل
 

رأفت مرّة/ بيروت

ليست أول مصالحة فلسطينية تحصل، تلك المصالحة التي حدثت في القاهرة، وأقيم لها حفل يوم الأربعاء 4/5/2011 حضره قياديون فلسطينيون ومسؤولون عرب وممثلون لدول إسلامية وهيئات دولية.

الخلافات الفلسطينية كثيرة، والصراعات السياسية أكثر، والانشقاقات والصدمات سمة غلبت على العمل النضالي الفلسطيني في المئة عام الأخيرة.

خلافات وصدامات واشتباكات وصراعات، تبعتها مصالحات، منها المصالحة التي حصلت في شهر نيسان/ أبريل عام 1987 في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر، الذي طوى جانباً من صفحة الخلاف الفلسطيني الناشئ إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ومنها المصالحة التي سبقتها بين فصائل (م.ت.ف) وفصائل جبهة الرفض بعد زيارة السادات لمصر عام 1977. ولا شك في أن تاريخ العلاقات بين فتح وحماس شهد خلافات كثيرة، تبعتها مصالحات، كانت أهمها المصالحة التي عقدت في شهر شباط/ فبراير عام 2007 في مدينة مكة المكرمة بدعوة ورعاية سعودية، لكن هذه المصالحة وصلت إلى طريق مسدودة، وانفجر الوضع لاحقاً بين حماس وفتح، فحصل الحسم العسكري ضد أجهزة الأمن الوقائي في غزة حزيران/ يونيو 2007 ثم ردت سلطة عباس بشنّ حملة اعتقالات واسعة على حماس في الضفة، أدت إلى اعتقال المئات، وإغلاق مئات الجمعيات، واستشهاد عدد من الكوادر في السجون تحت التعذيب.

مصالحة القاهرة

مسلسل الصراع بين حماس وفتح توقف في محطة أساسية هي المصالحة التي جرت في القاهرة وشهدت توقيع اتفاق يحسم قضايا كثيرة اختُلف في شأنها الانتخابات الرئاسية والعامة، وآلية تنفيذها، وشكل الحكومة، والقيادة الفلسطينية الموحدة، وإنشاء لجنة أمنية مشتركة.

وبقيت مجموعة من القضايا العالقة، لكن سيكون لها أولوية في المعالجة مثل مسألة المعابر وتوحيد المراسيم، وحل الخلافات العالقة ذات الطابع العائلي أو الاجتماعي، ومسائل الموظفين، وإطلاق المعتقلين.

دروس الماضي

في قراءة موضوعية للمصالحات بين حماس وفتح التي حصلت في السابق، نسجل بعض الملاحظات، منها أن هذه المصالحات حصلت في ظل اشتباك أمني حاصل على الأرض كان يوتر الأجواء، وكانت عمليات القتل والخطف والاغتيال والتهديد تطغى على مسيرة المصالحة.

وكان هناك توجه إقليمي عربي ودولي لمنع المصالحة، وترافق ذلك مع نيات عدوانية لتخريب المصالحة ومنع أي إنجاز فلسطيني.

وكان اللاعبون المخربون على الأرض لديهم قدرات للتخريب ووسائل للتعطيل أكبر وأهم وأفعل من نيات الأطراف المتصالحة.

ولا شك أن مسيرة تجربة الخلاف علمت الجميع درساً في الوقائع والإمكانات والقدرات، وأعطت دلائل على أهمية الوحدة ومضار الخلاف والانقسام.

عِبَر للحاضر والمستقبل

بالعودة إلى المصالحة الأخيرة، نسجل لها عدداً من العبر المهمة التي تستحق التوقف عندها، لمعرفة دلالاتها وقياسها على الماضي والحاضر والمستقبل:

1- هذه المصالحة جاءت بناء على قرار فلسطيني ذاتي وخاص ومستقل، والمصالحة هي قرار فلسطيني وإرادة فلسطينية دفعتها الحاجة والمصلحة الفلسطينية والنيات الهادفة إلى تحقيق مصالحة مثمرة.

2- فهذه المصالحة حصلت بناءً على اقتناع فلسطيني وفي لحظة صفاء سياسية، من هنا كانت السرعة في الإنجاز وفي التوصل إلى اتفاق.

3- المصالحة جاءت استجابة لمصالح سياسية مشتركة، وبناءاً على اقتناع بضرورة إنجازها في هذا الوقت بالذات. فنحن شعب لديه قضية، وهذه القضية تمر بأخطار كبيرة، لا ينبغي السماح بتعرض القضية للمزيد من الخطر في هذا الوقت الإقليمي الصعب أو الدولي الحرج.

4- المصالحة جاءت بناء على حاجة شعبية، واستجابة لمطالب شعبية متمثلة بالوحدة وإنهاء الإنقسام. ونظم الفلسطينيون في الداخل والخارج حملات شعبية وإعلامية عنوانها الوحدة وإنهاء الانقسام، لذلك جاء توقيت هذه المصالحة فلسطينياً بامتياز وتحت السقف الشعبي وبناءً على المطالب الشعبية.

5- المصالحة أكدت الوعي السياسي للفلسطينيين، وأثبتت قدرتهم على اقتناص اللحظة المناسبة، فالمصالحة جاءت اليوم لتحمي القضية من الاستهدافات الخطيرة التي تترصدها، ولتواجه هجمات سياسية وأمنية واجتماعية واستيطانية، وعمليات تهويد وإزالة الهوية.

6- المصالحة أثبتت أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب، وهي المحرك الأساسي لكل قضاياهم الأخرى. فمصر ساهمت في المصالحة، ودورها كان له الأثر الكبير في إنجاز المصالحة على هذا النحو، والكل يدرك أن مصر بعد سقوط نظام مبارك المرتبط بالكيان الصهيوني أرادت العودة إلى دورها التاريخي وموقعها الطبيعي ونفوذها الحيوي وعمقها العربي، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا من الباب الفلسطيني، وتحديداً عبر قطاع غزة، منطقة التماس مع مصر والخاصرة الصعبة لمصر نظراً إلى ارتباط غزة ببلاد الشام وبالحدود المعروفة.

ولمعرفة مدى أهمية المصالحة الفلسطينية وعمق فلسطين عند العرب، لاحظنا المواقف السياسية الواسعة المرحبة، التي صدرت عن عدة دول عربية، تواجه أزمات ومآزق سياسية واجتماعية. لكن لما حصلت المصالحة تناست هذه الدول مشاكلها مؤقتاً واتجهت صوب فلسطين حيث المصالحة وتفاءلت بنتائجها.

7- المصالحة كرست مبدأً مهماً، وإنه كان هذا الأمر لا يزال في بداياته، وهو التوافق والتفاهم الفلسطيني الداخلي، فالعمل السياسي والتنظيمي والإداري الفلسطيني داخل منظمة التحرير الفلسطيني كان - ومنذ 45 سنة - يتسم بالاحتكار والهيمنة والإملاءات وفرض القرارات والتحكم.

وحاول فريق (م.ت.ف) الاستمرار في تنفيذ هذا النهج مع حماس، بعدما فازت حماس في الانتخابات وألّفت الحكومة، وكان هذا النهج لا يمكن أن تقبل به هذه الحركة الشابة، ذات الثقافة الإسلامية.

اليوم عادت قضية التعاطي الفلسطيني الداخلي إلى واقعها الطبيعي المتمثل بالتوافق والحوار ومعالجة الإشكاليات بالمنطق والمصلحة، وضمن سياسة لا غالب ولا مغلوب.

من المهم الإشارة إلى أن المصالحة شملت هذه المرة، ولأول مرة، مسألة إنشاء مرجعية فلسطينية موحدة، تضم جميع الأمناء العامين للفصائل وأعضاء اللجنة التنفيذية، وتكون قراراتها غير قابلة للتعطيل. وبذلك، ولأول مرة، نحن أمام أسلوب جديد في القيادة الفلسطينية يحتاج إلى التكيف معه، وإلى التعود عليه، وهذا يتطلب اقتناعاً والتزاماً والى قرار شجاع بالعمل الجماعي والتخلي عن أسلوب الاحتكار والاعتياد على التوافق.

وهذا التشكيل الجديد تكامل مع اتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية داخل فلسطين، وإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في دول اللجوء حيث أمكن.

وهذا يعني أن القرار الفلسطيني من الآن وصاعداً من المفترض أن يأتي من ضمن مؤسسات تحكم خلال سنة، هي الفترة الانتقالية إلى التوافق، وإذا سارت الأمور سيراً طبيعياً تحتكم إلى الانتخابات المباشرة، وعلى الجميع الاستجابة لذلك والقبول بهذه الآلية وبنتائجها.

ونحن في إطار الحديث عن دروس المصالحة وعبرها، لا بد من الإشارة إلى أنه في بواطن الأمور، هناك استشعار من الجميع بالخطأ الذي حصل والذي اسمه الانقسام الداخلي، والذي كان نتيجة صراع سياسي أخذ طابع الصراع المسلح. ولا شك أن الجميع دفع ثمناً لذلك، وأن الوحدة والتفاهم وخاصة على أساس سياسي شامل بعيداً عن الاحتلال ومصالحه يبقيان هي الأضمن.

نصائح

في هذا السياق، وحتى نضمن نجاح المصالحة، ننصح بالتروي وعدم الاستعجال أو التسرع في إنجاز الحلول، وعدم الإكثار من التفاؤل، والتنبه إلى المطبات والحفر، وضرورة الإبقاء على الحوار والتوافق أداةً للحل، والابتعاد عن وسائل الإعلام في نقاش المسائل، والتأكيد على الالتزام بخيار الانتخابات، وأخذ الواقع المؤلم في الضفة وغزة في عين الاعتبار، ومنح اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين دوراً أساسياً في المعالجة والحلول.