مجلة العودة

دراما السفارة: قواعد اللعبة مع مصر تغيرت

دراما السفارة: قواعد اللعبة مع مصر تغيرت

عباس اسماعيل  / بيروت

 
 

استحوذ الحدث المصري مجدداً على اهتمام الصحف العبرية التي أفردت صفحاتها الرئيسية لتغطية وقائع وتداعيات اقتحام جموع المصريين الغاضبين للسفارة الإسرائيلية في القاهرة. اقتحام رأى فيه كثير من المحللين والمراقبين في إسرائيل مصدر قلق شديد، ودليلاً ساطعاً على عمق التحول الاستراتيجي الذي يشهده الشرق الأوسط، ومؤشراً بيناً على قوة التسونامي السياسي والأمني الذي يتهدد الدولة العبرية، وجرس إنذار مدوياً إزاء إمكان تحول الوضع في مصر من خطر عالٍ إلى تهديد حقيقي يتربص بإسرائيل.

 "الصفعة المدوية" التي تلقتها إسرائيل، بحسب صحيفة إسرائيل اليوم، تصدرت إذاً عناوين الصحف العبرية، التي أسهبت في الحديث عن "الدراما في السفارة" وعن "سقوط السفارة الإسرائيلية" وعن "حصار السفارة".

وفي سياق تناولها للحدث المصري، اختارت يديعوت أن تُفرد افتتاحيتها للحديث عن فقدان السلطة في مصر، ومخاطر ذلك على الأمن الإسرائيلي؛ فكتب معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة، أليكس فيشمان، أنه إذا كان ثمة من لا يزال يبحث عن "علامات لتحول استراتيجي في الشرق الأوسط، فإنه لم يتلقّ في نهاية الأسبوع علامة، بل إشارة ضوئية حمراء ضخمة أمامه".

ويوضح فيشمان أنّ لهذه التعريفات معنى من جهة الاستعداد الإسرائيلي. ويشرح ذلك بالقول إن "الخطر المنخفض يعني استعداداً منخفضاً يكاد يكون ملغى على الحدود المصرية. والخطر الأعلى يقتضي تقدير وضع من جديد وبناء قدرات تختلف عما لدينا اليوم على الحدود. فإذا استمر التدهور وأصبحت مصر تهديداً، يجب أن تُبنى على الحدود قوة عسكرية بقدر يمثّل رداً على القدرة العسكرية المصرية".

وقارن فيشمان، حاله حال آخرين من زملائه، بين صور اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والصور التي شاهدها العالم عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط الشاه سنة 1979، لجهة كيفية مغادرة الدبلوماسيين الإسرائيليين للسفارة الإسرائيلية في طهران، واقتحام السفارة الأميركية، مع فارق واحد، بحسب فيشمان، "هو أن المشاغبين هناك أيدتهم إدارة الخميني، أما هنا فتحاول القيادة المصرية الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل".

وأجمل فيشمان تصوره لصورة الوضع في مصر بالتحذير من أن   "أكبر تهديد هو انزلاق مصر إلى الخط الإسلامي المتطرف. والسلطة هناك تقرأ الصورة، لكنها مشلولة ضعيفة". وختم بوصفه   "مصر اليوم مثل ديناصور جريح يغرق في مستنقع ببطء ولا يملك القوة للنضال من أجل الخلاص منه".

وتحت عنوان "لنُطفئ النار"، كتبت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها أن الأحداث الأخيرة مع مصر تبعث على قلق عميق على مستقبل اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، الذي عدّته الصحيفة "ذخراً حيوياً لا ينبغي تركه لمصيره في أيدي المشاغبين".

ومع ذلك، رأت الصحيفة، أنه سيكون من قبيل الخطأ الاستراتيجي من جانب إسرائيل إذا تجاهلت السياق الواسع لاقتحام السفارة في القاهرة وتناولت الأمر كحدث موضعي سيجد حله باعتقال المشاغبين وتقديمهم إلى المحاكمة. ورأت هآرتس أن "قواعد اللعب مع مصر تغيرت"، ولفتت إلى أنه "كي يكون ممكناً بقاء التحالف الاستراتيجي مع مصر، وكذا مع ألاردن، تركيا ودول أخرى، سيتعين على إسرائيل أن تقترح سياسة حقيقية وحلولاً فعلية للنزاع مع الفلسطينيين. عليها أن تنفض عنها شعارات فارغة في المكانة والعزة الوطنية والاعتراف بالتغيير العميق الذي طرأ على مكانتها".

بدوره، قال رئيس التحرير في صحيفة هآرتس، ألوف بن، إن   "التسونامي السياسي" الذي سبق أن حذّر كثيرون في إسرائيل من حدوثه، "بات هنا"، لافتاً إلى أنه في نهاية الأسبوع تحققت المخاوف التي أثارها "الربيع العربي" في إسرائيل عندما اخترق متظاهرون السفارة في القاهرة وطردوا من بلادهم الدبلوماسيين الإسرائيليين.

ووجد بن في الاتصالات التي أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأميركي، باراك أوباما، طالباً مساعدته وتدخله لإنقاذ فريق الحماية من السفارة، دليلاً إضافياً على تعلق إسرائيل بالإدارة الأميركية واعتمادها على مساعدتها، وقال إنه "في لحظة الامتحان التي حاصر فيها المتظاهرون الدبلوماسيين المتحصنين في السفارة في القاهرة، تبين أنه ليس لإسرائيل أي أداة تأثير مباشر في مصر. واضطر نتنياهو إلى أن يطلب مساعدة خصمه الأكبر أوباما على تخليص طاقم السفارة. وتبين مرة أخرى أن إسرائيل لا تستطيع تصريف أمورها من دون مساعدة أمريكا".

وتحت عنوان "روح التحرير"، تطرق معلق الشؤون العربية في القناة الأولى الإسرائيلية، عوديد غرانوت، الذي كانت تجمعه صداقة حميمة بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، إلى الدوافع الحقيقية التي دفعت الجمهور المصري إلى اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، فرأى في مقالة له نشرتها صحيفة معاريف، أن "من الصعب جداً الاستخفاف بخطورة اقتحام مبنى السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ومن السهل جداً الوقوع في لجة التفكير الأسود حول مستقبل العلاقات الإسرائيلية – المصرية ومستقبل السلام بين الدولتين. لكن من المهم جداً أيضاً أن نفهم أن ما حصل في نهاية الأسبوع حول مبنى سفارتنا في حي الجيزة كان فقط جزءاً صغيراً من الانفجار المتجدد للبركان في ميدان التحرير في المواضيع الداخلية، التي ليس بينها وبين العلاقات الاسرائيلية – المصرية شيء".

وبحسب غرانوت، فإن الحرب على صورة مصر بعد الثورة لم تحسم بعد، ولا أحد يعرف كم من الوقت ستستغرق وكيف ستنتهي. وفي ضوء تقدير غرانوت وإدراكه أن الأمر يتعلق   بـ"صراع أوسع"، فهذا يستدعي أن تستخدم   إسرائيل   "الكثير من الحكمة، برود الأعصاب وضبط النفس في سلوكها تجاه الحكم الحالي، على أمل أن لا ينتهي هذا الصراع بانتصار المحافل الإسلامية المتطرفة".

من جهته، تحدث مسؤول الشؤون العربية في صحيفة إسرائيل اليوم، بوعز بسموت، عن "النبوءة التي حققت نفسها" في وصفه لحادث السفارة، مشيراً إلى أن "السلام تلقى ضربة شديدة مثل إسرائيل بالضبط".