مجلة العودة

مخيم الشاطئ بغزة... شاهدٌ حي على النكبة

مخيم الشاطئ بغزة... شاهدٌ حي على النكبة


العودة - غزة


لا شيء أكثر من مخيمٍ تتلاصق بيوته بعضها ببعض، وشوارع بالكاد تتسع لمرور شخصٍ واحد للحديث عن الذكرى الـ»64» للنكبة؛ فهذا المخيم الواقع غرب مدينة غزة على ساحل البحر، هو من أكثر مخيمات القطاع فقراً واكتظاظاً، ما جعل الكثيرين يُطلقون عليه «علبة السردين» لما يحمله من وجعٍ وآلام.
وبالرغم من ملاصقته لبحرٍ شاسـع ينطق بالجمال، إلا أن هذا المخيم شكّل بسكانه لوحة متناقضة ومغايرة؛ فعلى مساحةٍ لا تزيد على 800 متر مربع، يؤوي مخيم الشاطئ في قطاع غزة، وبحسب أحدث الإحصائيات الفلسطينية، 90 ألف مواطن يعيشون في اكتظاظ وفقر شديد على مساحة لا تتجاوز كيلومتراً مربعاً واحداً.
وفي ذكرى النكبة، يطل المخيم بتفاصيله ليكون شاهداً حياً على النكبة وعلى عذابات سكان المخيمات الذين هجروا وطردوا من مدنهم وقراهم قبل أربعة وستين عاماً.
وفي بيوتٍ لا تتجاوز مساحتها 80 متراً، يقطن أكثر من عشرين فرداً يهربون إلى الشوارع الصغيرة والضيقة.


علبة سردين


ويعتمد سكان المخيم، كما باقي اللاجئين الفلسطينيين، على المساعدات التموينية التي تقدمها لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» لمساعدتهم على التغلب على ظروفهم المعيشية الصعبة الناتجة من البطالة والفقر المدقع الذي ينتشر في قطاع غزة.
وقد تعيش أسرة بكاملها في غرفة واحدة وينام أفرادها فيها كعلبة سردين، فيما تزداد حياتهم مع ارتفاع درجات الحرارة بؤساً وتشتد ألماً.
ويصف سكان المخيم حياتهم بعد أربعة وستين عاماً على نكبتهم، بأنها سيئة وصعبة للغاية، ويعانون عدة مشاكل، في مقدمتها مشكلتا الاكتظاظ السكاني وضيق المسكن وانعدام التمدد العمراني الأفقي.
وهناك العديد من المشاكل الأخرى التي يعانيها السكان، مثل: مشكلة مياه الشرب؛ إذ إن المياه مالحة وملوثة ولا تصلح للاستخدام البشري، إضافة إلى انقطاعها المتكرر خلال فصل الصيف، وكذلك انقطاع التيار الكهربائي الذي يفاقم معاناتهم خلال فصل الصيف.
ويعاني سكان المخيم من انتشار الأمراض الجلدية والطفيلية والدودية بنسبة تصل إلى 40%، إضافة إلى انتشار الحشرات والزواحف والجرذان في فصل الصيف، فضلاً عن  مشكلة الصرف الصحي وانسداد الشبكات وغرق بعض المناطق والبيوت، وخاصة خلال فصل الشتاء، إضافة إلى نقص المناطق المفتوحة والملاعب لأبناء المخيم، ما يؤدي إلى الاحتكاكات بين السكان.


فقرٌ وجوع


ووفقاً للإحصائيات الفلسطينية، يقدر عدد اللاجئين في قطاع غزة 1,1 مليون نسمة، أي ثلاثة أرباع السكان، ويقطنون ثمانية مخيمات، مخيم «الشاطئ» هو ثالثها من حيث الكثافة السكانية بعد مخيمي جباليا شمالاً ورفح جنوباً.
وتنحدر غالبية سكان مخيم الشاطئ من مدن وقرى وبلدات جنوب فلسطين مثل: الجورة وحمامة والمجدل وهربيا والفالوجا، والقليل من مدن الشمال مثل: يافا وحيفا.
ويشكو أهالي المخيم انعدام القدرة على التمدد العمراني الأفقي، الأمر الذي اضطر الكثير من السكان، بسبب ضيق المسكن وزيادة عدد أفراد الأسرة إلى هدم منازلهم الأسبستية وبناء منازل من الأسمنت من عدة طبقات على أنقاضها وفي المخيم عيادتان تابعتان لـ»الأونروا» للعلاج المجاني، وثالثة تابعة للحكومة ويتلقى أبناء المخيم تعليمهم الأساسي مجاناً في عشرات المدارس التابعة للوكالة.
ويصف الحاج عبد القادر سالم 73 عاماً أوضاع المخيم بـ»البائسة» جداً، والوضع لا يطاق؛ فالمياه لا تصلح للشرب، والكهرباء مقطوعة على الدوام. ويشير إلى تلاصق البيوت جنباً إلى جنب وعدم وجود فواصل ومسافات بينها، «إلى درجة أنك لو همست في بيتك، فسينتقل ذلك الهمس إلى بيت جارك. والطرق مكسرة لا لوجود لبنية تحتية، والفقر والجوع سيدا المكان».


ذكرى النكبة


أُنشئ مخيم الشاطئ عام 1949 بعد النكبة بعام شمال غرب قطاع غزة، وهاجر إليه حينها نحو 23 ألف لاجئ، بينما يقطنه اليوم ما يزيد على 80 ألفاً حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين «الأونروا». ويبعد عن وسط مدينة غزة بنحو 4 كم، ويقع على شاطئ البحر من الجهة الشمالية، وأغلب قاطنيه من أهالي القرى الفلسطينية المحتلة عام 1948 والقريبة من قطاع غزة مثل المجدل، وأسدود، وحمامة، ويافا، والجورة وغيرها.
ويعمل معظم رجال المخيم خلف «الخط الأخضر» (الأراضي المحتلة عام 1948)، ونحو 35 بالمئة من القوى العاملة تعمل في صيد الأسماك، ونسبة أخرى تعمل في التعليم. وفيه سوق يعمل فيه الكثير من الأهالي، وخاصة بعد منع العمال من الذهاب لأعمالهم بعد انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000.
وتظهر الإحصائيات أن 35 % من القوي العاملة تمتهن الصيد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تدهورت أوضاع الصيادين، وخاصة في ظل ممارسات الاحتلال على بحر غزة وإطلاق الزوارق البحرية النار عليهم، ما يعرض حياتهم للخطر.


وبالرغم من بؤس الحياة داخل أزقة المخيم وطرقاتها، لا ينفك حلم العودة والرجوع إلى الديار التي هجروا منها يداعب مخيلة اللاجئين؛ فبعد عقود من التشرد والنكبة، يُردد الأجداد على مسامع أحفادهم وصايا العودة ويهدون إليهم مفاتيح الدار وأوراقـها، ويتلون على مسامعهم أنهم يوماً ما حتماً عائدون  ♦