مجلة العودة

فلسطينيو العراق: محطات في تاريخ منظمة التحرير وتساؤلات عن غياب دورها - محمد المحمدي

منظمة التحرير الفلسطينية في العراق
محطات في تاريخها وتساؤلات عن غياب دورها

محمد المحمدي/ بغداد

تأسست منظمة التحرير وأعلن عنها في القدس عام 1964، وكان أحمد الشقيري أول رئيس لها قبل أن يتسلمها ياسر عرفات عام 1968. تُمثل المنظمة - كما أريد لها أن تكون- مرجعاً للفلسطينيين في فلسطين المحتلة وفي دول الشتات على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والإنسانية، قبل أن تذوب هذه الأحلام وتصطدم بواقع عايشه الفلسطينيون وخصوصاً فلسطينيي العراق كنموذج لعمل المنظمة في دول الشتات، وخصوصاً أن مكتب المنظمة افتتح في العاصمة العراقية بغداد منذ تأسيس المنظمة.

ممثلو المنظمة في العراق

داوود عودة: أول مدير لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العراق منذ تأسيسها عام 1964 إلى اواخر 1966، وكان توجهه السياسي وطنياً مستقلاً، وقبل أن يدير مكتب المنظمة في بغداد شغل منصب مدير البنك العربي - فرع العراق، وموقعه في ذلك الوقت كان قرب ساحة الرصافي وسط بغداد.

ولداوود عودة علاقة وطيدة بالرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف، وحاول أن يقدم خدمات إنسانية للفلسطينيين في العراق من خلال علاقاته مع الحكومة العراقية، وأبرز حدث في حياته المهنية في العراق كان المشروع الذي تقدم به للحكومة العراقية ووافقت عليه ويقضي بمنح أراضٍ سكنية للاجئين الفلسطينيين في العراق في منطقة أبي غريب ومنطقة قريبة من منطقة الكاظمية غرب العاصمة بغداد لتوزيعها على اللاجئين لغرض الاستفادة منها للزراعة والسكن، نظراً إلى أن اللاجئين هم من بيئة مزارعة، ولكنه حورب واتهم بأن مشروعه هذا يلغي حق العودة ويصبّ في طريق توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وأبرز من وقف بوجهه في ذلك الوقت حركة القوميين العرب.

وقد أقالت اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير برئاسة الشقيري عودة من منصبه لأسباب تتعلق بعلاقاته التجارية. وكان عودة يحمل الجنسية العراقية، حصل عليها في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي هو ومجموعة من الفلسطينيين

فرسان الماضي: عمل مؤقتاً في المكتب قادماً من الشام لمدة شهرين فقط ريثما يُعيِّن مدير جديد للمكتب، وقد قام بعدة لقاءات مع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وخصوصاً أنه من قرية (اجزم) إحدى القرى الثلاث التي اقتلع أهلها وهاجروا إلى العراق.

محمود نعناعه (أبو صفوان) تسلم المكتب عام 1967 وكان وطنياً مخلصاً صادقاً تعود أصوله إلى قرية طبريا، وكان لاجئاً سياسياً في القاهرة؛ لأن ابن خالته أو ابن عمته اتهم بمحاولة تسميم الملك حسين، وقد اشترك أثناء العدوان الثلاثي على مصر في نسف أنابيب النفط في لبنان، لذلك منح اللجوء السياسي في مصر.

ليس لنعناعه توجهاً سياسياً سوى حبه لقضيته وشعبه. أسّس لجنة إنسانية تعنى بالشؤون الإنسانية للفلسطينيين في العراق لكل من تقطعت بهم السبل في حينه، وكان عملها خارج إطار مكتب منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تحدث عنه مسؤول ملف الوحدة في العراق في حينه عبد الله الخضيري، فقال إن أبا صفوان كان من رجال فلسطين ومجاهديها (كان لأبي صفوان رغبة في التقديم بطلب اللجوء السياسي في العراق).

في عهده تبدلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعهد بها إلى ياسر عرفات بعد أحمد الشقيري. حينها أراد محمود نعناعه أن يقدم استقالته لعدم ثقته بالقيادة الجديدة، وقال إن هؤلاء سيخربون عمل المنظمة، حسب قوله، وقد استشار أصدقاءه من التجار الفلسطينيين في موضوع استقالته، فأشاروا عليه بالتريث، وبعد أيام وصلت برقية معممة إلى كافة مديري مكاتب منظمة التحرير في العالم تطلب منهم الحضور إلى عمان ومعهم خطة لتطوير العمل، فعرضها على أصدقائه فذكروا له أن القيادة الجديدة لها رغبة في تفعيل العمل الفلسطيني ومن الضروري أن تشارك، فذهب إلى عمان وحضر اللقاء، وذكر لأصدقائه أن الوفود كانت تنتقل من غرفة إلى غرفة لشرب القهوة، وكان يروي أنه خلال أربعة أيام من اللقاءات في مكتب المنظمة في عمان لم يكن هناك أي عمل، سوى زيارة قواعد الفدائيين في جرش وغيرها. وخطب في جموع من الفدائيين رئيس دائرة التنظيم الشعبي في منظمة التحرير (حامد أبو سته). فحياهم واثنى على نضالهم، ومما قال أن حركة فتح قد تسلّمت رئاسة المنظمة، وها هي في خنادق القتال وفي الجبهات، وكان يلمز بقوله رداً على ما كان يردده أحمد الشقيري أن عمل المنظمة بيروقراطي مكتبي، وهنا تدخل نعناعه أثناء الخطاب مقاطعاً أبو سته محتداً ومخاطباً جماهير الفدائيين: «لا تصدقوا ما يقولون.... إنهم يكذبون عليكم لقد جاءت فتح لتخريب المنظمة»، فقال له حامد أبو سته: «مالذي قلته ولماذا فعلت هذا» وكان خطابه له بأسلوب مشفق، لأنه يعلم ما الذي سيحصل له نتيجة هذا القول، فعاد إلى بغداد دون أي إنجاز من هذا الاجتماع. وقد كتب مذكرة عن طبيعة عمل ووجود المنظمة في العراق وتطرق إلى موضوع التنظيمات الفلسطينية وعدم اقتناعه ببعض ممارساتها وإلى علاقة مكتب المنظمة مع مكتب فتح في العراق، وأن العلاقة بين فتح والمنظمة سيئة أو مقطوعة.

عصام سخنيني : تسلم إدارة المكتب بعد نعناعه، وكان مديراً لمكتب الإعلام في مكتب المنظمة في بغداد قبل ذلك وقد تسلم إدارة المكتب مؤقتاً، ثم ثُبتَ في منصبه مديراً لمكتب العراق، وفي عام 1970 قدم استقالته وترك العمل. وكان توجهه السياسي وطنياً مستقلاً، وذهب للخليج لممارسة العمل الحر في الإعلام، وقد كان مذيعاً في إذاعة فلسطين في القاهرة قبل أن يأتي إلى العراق، وكان مذيعاً في إذاعة عمان، وله دراسة جيدة عن وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق أدت إلى التفات الحكومة العراقية في حينه إلى الوضع السكني السيئ للاجئين الفلسطينيين. ولم يكن هناك دور لمنظمة التحرير في الحياة السياسية والنضالية للفلسطينيين في العراق في تلك الفترة، وربما كان النظام السياسي في العراق يهمش دور المنظمة مقابل رفع لدور التنظيمات التي كان يتبناها النظام في حينه. وقد أُقيمت أثناء إدارته دورة للتضميد مخصصة لجيش التحرير الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.

صبري البنا (أبو نضال): تسلم إدارة مكتب منظمة التحرير في أواسط عام 1971 وكان يشغل منصب أمين سر حركة فتح - إقليم العراق، وفي نفس الوقت كان مديراً لمكتب المنظمة في العراق (وكان قد صرح أكثر من مرة بأن منصب مدير مكتب المنظمة لا يشرفني)، إلا أن المكتب ظل يدار بكادره القديم من دون أن تتدخل حركة فتح في تغييرهم، ورغم أنه فصل من منصب مدير مكتب المنظمة بعد ثلاث أو أربع سنوات من تسلّمه إلا أنه ظل مسيطراً على المكتب ولا يسمح لأحد بتسلم إدارة المكتب، مهدداً كل من يأتي. وكان يتصل بكل من يأتي إلى إدارة المكتب في العراق ويبعث له تهديداً حتى إنه هدد آخر مدير كان قد أرسل إلى العراق لإدارة المكتب وهو (محمود أبو نافذ) بعد أن وصل إلى العراق وسكن أحد الفنادق (فندق بغداد) فهدده في الفندق فغادر الرجل من دون أن يصل إلى مكتب المنظمة. ولم يأتِ أحد بعده وظل المكتب بيد صبري البنا مسيطراً عليه بالقوة. وكانت مراسلات مكتب المنظمة تؤخذ له إلى مكتب حركة فتح للتوقيعها،

وقد فصل من حركة فتح لاختلافه مع أبو عمار لأسباب تتعلق بالنظر للقضية الفلسطينية بالعموم، وبالتالي فإنه فصل من إدارة مكتب المنظمة.

كان القائم باعمال هذه الفترة أحد الموظفين الرئيسيين في المكتب، وهو الحاج عبد الله العواد واستمر هذا الحال منذ عام 1975 لغاية عام 1979.

عزام الأحمد: وقد تسلم المكتب عام 1979 وفيه تمت السيطرة على المكتب من قبل حركة فتح - جناح أبو عمار، وقد بدأوا بالحضور في المكتب باستمرار وعلى الرغم من عدم فاعلية مكتب المنظمة إلا أنه كان هدفاً للسيطرة عليه من قبل تنظيم فتح في العراق. وحينها كان صبري البنا قد ألم به المرض ولم يعد يهتم بمكتب المنظمة لعدم أهميته في مشهد العمل الفلسطيني في العراق. وبقي المكتب بيد تنظيم فتح إقليم العراق لغاية الآن.

دليل القسوس: ويشغل منصب سفير للسلطة الفلسطينية في بغداد فترة ما بعد الاحتلال لغاية الآن ثم عهد اليه منصب ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 2010. علماً أنه لا يوجد مكتب لمنظمة التحرير في بغداد بعد الاحتلال وتقوم السفارة بهذا الدور.

أعمال مكتب المنظمة في بغداد منذ وجوده لغاية الاحتلال

كان مكتب المنظمة في الشتات الفلسطيني يمثل المرجعية للفلسطينيين وكان يقوم بـ

- طلب تأشيرات سفر للفلسطينيين إلى دول الخليج، وخصوصاً الكويت، لأن الكويت كانت أحد المحاضن الرئيسية للثورة الفلسطينية، وكذلك أحد أهم الدول الخليجية التي يسعى لها الشباب الفلسطيني طلباً للعمل.

- الرد على السفارات أن ارسلت السفارات استفسارات حول الوضع الفلسطيني أو حول الفلسطينيين كأشخاص، طلب معلومات أو تزكية.

- الاتصال بمكتب فلسطين للكفاح المسلح الذي تحول إلى مكتب حركات التحرر حول بعض الدورات التدريبية للفدائيين، أو حول احتياجات العمل الفدائي وغير الفدائي كاصدار وثائق السفر لغرض تسهيل التنقلات. ومن الناحية العملية كان تنظيم فتح في العراق – جناح أبو نضال هو الذي يقوم بهذا الدور وليس مكتب المنظمة، وإن تسمى العمل باسم المنظمة، قبل أن ينتقل الامر إلى تنظيم فتح - جناح أبو عمار.

وكان للمنظمة دور في حل مشاكل الفلسطينيين، فعلى سبيل المثال تدخلوا في معركة جرت بين أهالي ملجأ العجزة والإخوة العراقيين في شارع الشيخ عمر. وهي المشكلة الوحيدة التي تدخل بها مكتب المنظمة إلى يومنا هذا.

مكتب المنظمة في مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي

أُغلق مكتب المنظمة كما أغلقت مكاتب التنظيمات الفلسطينية في العراق، مع بقاء من يمثلها ولو بالحد الأدنى.

والصفة الغالبة لدور المنظمة في العراق تجاه اللاجئين الفلسطينيين هي عدم الاهتمام الجدي بالأمر، بل وصل الأمر إلى أن رئيس المنظمة ورئيس السلطة محمود عباس يزور العراق ولا يتصل بأبناء شعبه المضطهد الذي يعاني وكان بأمسّ الحاجة إلى زيارة مسؤول فلسطيني له ليُشعِر السلطات العراقية بأن هناك من يسأل عنه على الأقل.