مجلة العودة

مجزرتا قرية سعسع

تدمير المنازل على أهلها

 

أحمد مصطفى الباش/ دمشق 

قرية سعسع قرية عربية فلسطينية تقع على بعد 15 كم إلى الشمال من مدينة صفد. كانت القرية تتربع على تل صخري يقع في قلب جبال الجليل الأعلى ويرتفع 825 متراً فوق سطح البحر.. وكانت القرية تقع عند تقاطع شبكة طرق تصلها بالقرى والمدن المجاورة، وتتوسط الطريق بين قريتي كفر برعم وطيطبا.

تحيط القرية من الشمال أراضي كفر برعم والحدود اللبنانية ومن الشرق أراضي الرأس الأحمر والجش والصفصاف ومن الجنوب غبّاطية ومن الغرب حُرفيش وسَبَلان.

لقرية سعسع أراض مساحتها 14796 دونماً. منها مساحة 48 دونماً مخصصة لمباني القرية التي بلغت 154 منزلاً في عام 1931 يسكنها 840 نسمة. وزاد عدد سكان القرية عام 1945 حتى بلغ 1130 نسمة.

سعسع والإرهاب الصهيوني المنظم                 

 تُعتبر هذه القرية من القرى المقاومة بضراوة ضد المحتل الصهيوني، وقد أهّلها لذلك إرادة هذا الشعب التي تأبى أن تنكسر من جهة، والموقع الاستراتيجي المرتفع والمطلّ على المنطقة وعلى عقدة الطرق من جهة أخرى. لذا ونتيجة لهذا الصمود كان لا بدّ للصهاينة الغزاة من أن يركزوا جهودهم لكسر إرادتها ومن ثم تهجير سكانها واحتلالها.

ولتحقيق الأهداف الإحلالية قامت العصابات الصهيونية من الهاغانا والبلماح بارتكاب مجزرتين في القرية خلال عام 1948، راح ضحيتها العشرات من أبناء القرية بين قتيل وجريح.

المجزرة الأولى؛ التي تمرّ ذكراها الستون هذه الأيام وقعت في 15 شباط، حيث أغارت في ذلك اليوم سريّة من كتيبة البلماح الثالثة على القرية التي «كانت تُستخدم قاعدة لمقاتلين عرب من أبناء القرية ومن الغرباء» بحسب ما جاء في «تاريخ الهاغانا».

 

وكانت الأوامر المعطاة لقائد الكتيبة، (موشيه كلمان) تنص على «نسف عشرين بيتاً وإصابة أكبر عدد ممكن من المقاتلين»، وقد اقتحم المغيرون القرية ليلاً ووضعوا عبوات ناسفة في بعض المنازل وشغلوا الصواعق، فكانت النتيجة أن دمرت عشرة منازل تدميراً كلياً أو جزئياً، وقتل «عشرات» الأشخاص، وذلك استناداً إلى تقديرات الهاغانا، وقد اختصر قائد العملية ذلك بالقول إن الغارة «أوقعت ذعراً كبيراً في أفئدة سكان القرى [في المنطقة]»، ويشير «تاريخ حرب الاستقلال» إلى المجزرة باعتبارها «من أجرأ الغارات في عمق منطقة العدو».                        

لكن التقارير الصحافية في تلك الفترة كذبت زعم أن القرية كانت تستخدم قاعدة عسكرية، فاستناداً إلى تقرير أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» دخلت مجموعة كبيرة من الرجال المسلحين إلى القرية، وزرعت العبوات الناسفة حول المنازل، ويقول التقرير إن 11 قروياً قتلوا (خمسة منهم أطفال صغار) وجرح ثلاثة، وإن ثلاثة منازل دُمرت تدميراً كاملاً، وأصيب 11 منزلاً آخر بأضرار بالغة، وقد اعتبرت الصحيفة الغارة دليلاً على أن القوات الصهيونية بادرت إلى الهجوم في الجليل الشمالي، واستناداً إلى وكالة أسوشييتد برس، فإن المهاجمين أنفسهم أغاروا على قرية طيطبا في الوقت ذاته.

أما المجزرة الثانية، فقد ارتكبت في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، يوم احتلال القرية في سياق «عملية حيرام».

جدير بالذكر هنا وصف الهاغانا للعملية بأن اللواء شيفع (السابع) استولى على سعسع، وأن الوحدة التي نفذت ذلك لم تواجه أية مقاومة، ومع ذلك فقد ارتكبت أعمال قتل، وكتب المؤرخ الصهيوني بني موريس عن ذلك «إن غاليلي أخبر زعماء حزب مبام، في أثناء اجتماع جماعي» في القرية (بحسب تعبير رئيس أركان الهاغانا، يسرائيل غاليلي) بعد أسبوع من احتلال القرية، الذين أجريت مقابلات معهم لاحقاً، أن نفراً منهم هرب في الصباح الذي سبق احتلال القرية بعد أن شوهدت طائرة صهيونية تحوم وتقصف صفصاف والجش، وبعد سماع صوت إطلاق النار طوال الليل، غير أن آخرين هربوا، في ما يظهر، بعد أن سمعوا بالفظائع التي ارتكبت في صفصاف، وذلك استناداً إلى شهود عيان قابلهم المؤرخ الفلسطيني نافذ نزال وسجل شهاداتهم في كتبه.

 يمكن أن يكوّن المرء فكرة عن معاناة سكان القرية جراء هذا الخبر الذي يورده قائد الجبهة الشمالية الصهيوني، (موشيه كرمل)، بعد حادثة شاهدها قرب سعسع في إثر احتلالها، قال: «شاهدت فجأة إلى جانب الطريق رجلاً طويل القامة، منحنياً يحفر التراب الصخري القاسي بأظفار يديه، فتوقفت، رأيت تحت شجرة زيتون حفرة صغيرة في الأرض، محفورة بالأيدي والأظفار، أنزل الرجل جثمان طفل مات في حضن أمه، ثم وضع التراب عليه وغطّاه بحجارة صغيرة».

 هذه قصة قرية جريحة من قرى فلسطين المغتصبة، وهذه قصة مجزرة فرّغ فيها الصهيوني التلمودي كل تعاليمه وكل حقده، لتبقى القرية والمجزرة شاهداً عبر العصور، تقول إنه في يوم من الأيام مرّ على فلسطين محتل بغيض آثم اسمه الكيان الصهيوني، ولكنه رغم كل جبروته وقوته ومجازره رحل.♦