مجلة العودة

اعادة نظر حين تصبح «إسرائيل» دولة عادية

حين تصبح «إسرائيل» دولة عادية

بلال الحسن

 
 

تواجه إسرائيل منذ مدة حالة من الغضب الشعبي. مظاهرات حاشدة في أكثر من مدينة، تحتج على النفقات الأمنية الضخمة التي تصرف على الجيش وعلى الأسلحة، وتحتج كذلك على نفقات بناء المستوطنات التي بادرت إليها كل حكومات إسرائيل المتعاقبة، ولكن حكومة نتنياهو تبادر إليها بنوع من الفجور والجشع، وبطريقة تقضي حتى على الطموح الأميركي برعاية تسوية فلسطينية ــ إسرائيلية، حتى لو جاءت هذه التسوية بالكامل لمصلحة الدولة الصهيوينة.

هذا الواقع الإسرائيلي الجديد يعني أشياء كثيرة تخص هوية دولة إسرائيل؛ فإسرائيل أنشئت بقرار من الأوروبيين، وبقرار من ونستون تشرشل البريطاني تحديداً، لا حباً باليهود، بل تعبيراً عن موقف أوروبي عنصري تجاههم. وبسبب ذلك الموقف العنصري تجاههم، اختُرعت نظرية دفع اليهود باتجاه فلسطين للتخلص منهم في أوروبا. وهذا أمر يعرفه اليهود الإسرائيليون، ولكنهم تعاملوا معه باعتباره ينسجم مع تطلعات الحركة الصهيونية نحو فلسطين.

وإسرائيل أنشئت ليكون اليهود أداة الحرب الغربية ضد المنطقة العربية، ضد وحدتها، وضد تقدمها. فإسرائيل هي المكلفة شنَّ الحروب الدائمة لمنع الوحدة العربية ولمنع التقدم العربي. إنهم يحققون الهدف الأوروبي، ولكنهم يكونون بالنتيجة ضحايا هذا الهدف الأوروبي. وكثيراً ما كتب وقيل إن المهمة الأساسية لإسرائيل هي فصل مغرب الوطن العربي عن مشرقه، وهو أمر واضح جغرافياً، إذ عُزلت مصر عن بلاد الشام، وهذا الفصل له في الذاكرة الأوروبية حجم كبير؛ إذ إن التلاقي بين مصر وبلاد الشام أيام صلاح الدين هو الذي أدى إلى هزيمة الصليبيين وتحرير القدس من سيطرتهم. ثم إن إسرائيل استعملت كقوة ضاربة ضد مصر خصوصاً يوم وصلت مصر إلى مرحلة بدء التصنيع الثقيل، وضُرب هذا التوجه من خلال حرب عام 1967.

وكان لا بد من أجل هذه الأهداف، من بناء جيش إسرائيلي هو في الحقيقة جيش أوروبي ــ أميركي. منذ عام 1948 وما تلاه، كانت أوروبا هي التي تزود إسرائيل بالسلاح، إلى أن أصدر الجنرال ديغول أمره بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، وهنا بادرت أميركا إلى تسلم هذه المهمة، حتى إنه يمكن القول إن الجيش الإسرائيلي هو جيش أميركي. وهذا ليس وصفاً مجازياً، بل هو أمر واقع؛ فحتى اليوم يتدرب طيارون أميركيون في إسرائيل، ومن خلال الجيش الإسرائيلي؛ لأن الجيش الإسرائيلي هو كما قلنا جيش أميركي، يتمتع بكل مواصفات الجيش الأميركي.

وكل هذه النقاط هي جزء أساسي من تاريخ إسرائيل ومن تاريخ الحركة الصهيوينة. ولكن ما يحدث حالياً في إسرائيل يدخل تغييراً أساسياً على صورة إسرائيل وعلى صورة الحركة الصهيونية. فالمتظاهرون الآن يديرون ظهورهم لكل هذه النقاط الاستراتيجية التي ذكرناها. يديرون ظهورهم للفكر الصهيوني وللأهداف الصهيونية، ويرفعون شعارات اجتماعية تطالب بالعيش والعمل والتعليم والرفاه، وهو أمر لا يقبله قادة الحركة الصهيونية، وعلى رأسهم الآن بنيامين نتنياهو. ولا تقبله الولايات المتحدة الأميركية؛ لأنها تريد من إسرائيل شيئاً آخر غير العيش والرفاه. لذلك، نقول إن إسرائيل تتغير، وسينفجر هذا التغير صدامات تنبع من داخلها. فهل تنجح هذه القوى في تغيير بنية إسرائيل؟ نشك في ذلك؛ لأن نجاحها سيعني وقف الدعم المالي الأميركي، وسيعني وقف الدعم العسكري لإسرائيل. وآنذاك تصبح إسرائيل دولة عادية من دول المنطقة، وهو ما يمهد لهزيمتها. وهذا هو الأمر الذي يجب أن يراقب ويدرس.