مجلة العودة

بلال الحسن :حتى لا ننسى هدفنا الأساسي

حتى لا ننسى هدفنا الأساسي

بلال الحسن
 
 

كتب محمود رياض وزير خارجية مصر الأسبق في مذكراته، أنه حين كان يدير المفاوضات مع أميركا وإسرائيل، لتحقيق الانسحاب العسكري من سيناء، كانت المفاوضات تطول وتتشعب وتبرز في السياق قضايا جديدة وحجج جديدة، حتى ليصبح الموضوع الواحد عشرة مواضيع، وربما أكثر. يقول: في تلك اللحظات، كنت أعود إلى مكتبي في وزارة الخارجية، وأستخرج أوراق المفاوضات الأساسية، وأستذكر مطالب مصر في لحظة البداية، وأقوم بعملية تنحية لكل القضايا الجزئية التي تتكاثف أثناء المفاوضات، وذلك حتى لا يضيع عني الهدف الأساسي للمفاوضات، وحتى لا تغيب عن الطاولة المطالب الأساسية لمصر، وحتى لا نخطئ في اتخاذ القرار السياسي الذي يحفظ مصلحة مصر.

هذه التجربة السياسية التي عبّر عنها محمود رياض، جديرة بأن يلاحظها المفاوض الفلسطيني الآن، وجديرة بأن يلاحظها كل مفاوض عربي، وبخاصة حين تكون القضايا متعلقة بإسرائيل وأميركا. فقد برعت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، في أن تبدآ بالتفاوض في قضية أساسية ما، ثم تبدأ عملية طرح التفاصيل والقضايا الفرعية، وتنشب الخلافات حول هذا الأمر أو ذاك، حتى ينسى المتفاوضون موضوع المفاوضات الأساسي. وإذا لم يكن المفاوض الفلسطيني أو العربي مالكاً للقدرة على تذكر موضوع المفاوضات الأساسي، فهو يواجه أحد احتمالين: إما أن يفشل في مهمته، وإما أن يُشغَل بقضايا جانبية لا تفيده شيئاً في إنجاز هدفها الأساسي.

وفي عملية التفاوض التي تخوضها السلطة الفلسطينية الآن، مرة مع إسرائيل، ومرة مع الولايات المتحدة الأميركية، ومرة عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبرز هذه القضية بوضوح كامل، فالموضوع المطروح للبحث هو الانسحاب الإسرائيلي، وهو تحرير الأرض، وهو وقف العدوان، ولكن بقدرة قادر تصبح المسألة المطروحة: هل نعود إلى المفاوضات أم لا؟ وحين يكون الموضوع المطروح هو إنشاء الدولة الفلسطينية على الأرض، نجد أنفسنا وقد سافرنا بعيداً، إلى بلد يسمى نيويورك، لنطرح على الأمم المتحدة مشروع قرار، أي مشروع مجموعة كلمات، تقول إن الأمم المتحدة تقبل الدولة الفلسطينية عضواً فيها. وبغض النظر عن التفاصيل، يتحول موضوع "إنجاز" الدولة على الأرض، إلى مجرد الاعتراف بمشروع قرار هو في الحقيقة مجرد كلمات.

لا أحد يستخف بالعمل الدبلوماسي، ولكن تجارب التاريخ كلها تؤكد أن أي عمل دبلوماسي لا يستند إلى قوة داعمة له على الأرض، لا يستطيع تحقيق أهدافه. وقديماً قال قائد صيني كبير: إنني أرفع علمي عند النقطة التي يصل إليها جنودي.

وهذه هي النقطة الاستراتيجية الغائبة عن الحراك الدبلوماسي الفلسطيني الدائر الآن. فهو حراك دبلوماسي يستند إلى استراتيجية معلنة تقول: لا للعنف (ضد الاحتلال). لا لانتفاضة جديدة. نعم للمفاوضات والمفاوضات والمفاوضات.

مسكين ذلك القائد الصيني، لم تكن لديه خبرة كافية بالاستراتيجية، ولكنه انتصر، ورفع علمه فوق أرض محررة. وهنيئاً لكل من يدعي أنه خبير باستراتيجية الكلام، لأنه... سيهزم؟ لا... بل لأنه يستحق الرثاء.