مجلة العودة

الغلاف: «أم الفحم» يتصدون لاستفزازات المستوطنين - عمر وهبه

أصحاب الأرض يخوضون صراع الوجود
أبناء «أم الفحم» يتصدون لاستفزازات المستوطنين
 
 
عمر وهبه/ بيروت

يعود فلسطينيو 48 إلى واجهة الأحداث بعدما انتقلت اعتداءات المستوطنين إلى الأرض. في «إسرائيل» تتسارع الخطى باتجاه طرد ما بقي من الفلسطينيين الذين يعيشون داخل «دولتهم»، من خلال التضييق عليهم بالحد من حرية الحركة والسكن، وفرض قوانين عنصرية تستهدف عزلهم. والمواجهة الأخيرة بين اليهود المتطرفين وأهالي أم الفحم لم تكن أزمة داخلية في دولة مستقلة، بل كانت معركة إثبات وجود وصراع بين أصحاب الأرض والمغتصبين.

ففي أواخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، اندلعت مواجهات في مدينة أم الفحم، ثانية كبرى المدن العربية في «إسرائيل»، بين مواطنيها العرب والشرطة الإسرائيلية التي كانت تحرس مسيرة استفزازية ليهود متطرفين من أنصار حركة «كاهانا» العنصرية. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد نشرت نحو 1500 من أفرادها وأفراد «الوحدات الخاصة» و«المستعربين» حول المدينة لحراسة المسيرة الاستفزازية لليهود المتطرفين، وأغلقت منطقة المسيرة. في المقابل، احتشد المئات من سكان المدينة والناشطين السياسيين من الأحزاب الوطنية والإسلامية عند مداخل أم الفحم احتجاجاً على الزيارة ولمنع المتطرفين اليهود من الدخول إلى المدينة. وحين تنبّه المتظاهرون العرب إلى أنَّ الشرطة نشرت بينهم عناصر من «المستعربين» (أفراد شرطة متخفين)، انهالوا بالضرب على أحدهم، فتدخلت الشرطة ورشقت المتظاهرين بالقنابل الصوتية والمسيلة للدموع، وما لبثت أن وقعت اشتباكات بين الجانبين أدت إلى إصابة العشرات، من بينهم النائبان العربيان عفو اغبارية وحنين الزعبي التي قالت في بيان إنَّ قناصة تعمدوا استهدافها بالرصاص المطاط، مشيرة إلى أنها أصيبت في الظهر والعنق.

وتوافق المسيرة المثيرة للجدل التي حصلت على إذن من الشرطة والمحكمة العليا الاسرائيلية، الذكرى السنوية العشرين لمقتل الحاخام مئير كاهانا الذي كان يدعو إلى طرد العرب من «إسرائيل» وإقامة دولة توراتية. في الوقت نفسه، قال منظمو المسيرة إنها تأتي في سياق المطالبة بحظر «الحركة الإسلامية» بزعامة الشيخ رائد صلاح على خلفية مشاركته في «أسطول الحرية» الذي كان يحمل مساعدات لغزة واعترضته البحرية الإسرائيلية وقتلت 9 من الأتراك على متنه.

وقال مايكل بن آري، وهو خبير صهيوني في الشؤون القانونية شارك في المسيرة، إنّ «الحركة الإسلامية تنتمي إلى الجهاد الإسلامي في العالم»، متهماً إياها بإقامة علاقات مع حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وقال أحد المستوطنين الذين تجمعوا مخاطباً رئيس الوزراء: «ليس هناك سبب للسماح للحركة الإسلامية بأن تكون في إسرائيل، فهم محظورون في مصر، وفي الأردن لا يسمح لهم بأي نفوذ، وسنكون ديموقراطية غبية إذا سمحنا لمن يريدون تدميرنا بأن يكون لهم صوت».

وتندرج مسيرة اليهود المتطرفين في إطار التصعيد العنصري تجاه فلسطينيي الـ48 وسلسلة القوانين التي تستهدف وجودهم، وآخرها مشروع قانون صدّقت عليه لجنة الدستور البرلمانية في أواخر تشرين الأول، يتيح للبلدات اليهودية الصغيرة التي أقيمت قبل ثلاثة عقود في قلب الأراضي العربية في المثلث والجليل بغرض قطع التواصل الجغرافي بين القرى العربية، أن تقيم لجاناً خاصة مخولة رفض طلب للسكن في البلدان وفقاً لمعايير تقول إنَّ «طالب السكن يجب أن يتجاوب مع طابع البلدة». وهذا التشريع هو التفاف على قرار أصدرته المحكمة العليا قبل سنوات وأرغمت فيه بلدة يهودية على تمكين عربي من بناء مسكن له فيها.

ردود الفعل

الفصائل الفلسطينية أدانت الاعتداءات في إشارة إلى وحدة الوطن والهوية، فرأت حركة «حماس» أن تظاهرة المستوطنين بمثابة استهداف عنصري للوجود الفلسطيني. وقالت على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم «إنَّ ما يجري في أم الفحم من هجوم صهيوني متطرف تحت حماية جنود الاحتلال ورعاية الحكومة الصهيونية المتطرفة هو استهداف صهيوني عنصري للوجود الفلسطيني». ودعت الحركةُ السلطةَ الفلسطينية إلى إعلان انسحابها فوراً من المفاوضات مع إسرائيل. من جهتها، استنكرت حركة «فتح» على لسان المتحدث باسمها أحمد عساف، في بيان، الممارسات القمعية لشرطة الاحتلال، وقال: «كان الأولى بالأجهزة الإسرائيلية التي سخّرت أكثر من 1500 شرطي لحماية المتطرفين اليهود عدم السماح لهم ومنعهم من الوصول إلى المدينة». أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فرأت أنَّ الاستفزازات التي «يقوم بها الاحتلال والمستوطنون جزء من سياسة حكومة الاحتلال التي تقوم بتوفير سبل الدعم والحماية لهم». وطالبت الجبهة، بـ«التوحد الوطني بين أبناء الشعب في كل مكان وفي مناطق الـ48 باعتباره السبيل لحماية وجودهم».

في اليوم التالي للمواجهة، عمَّ الإضراب العام مدينة أم الفحم، تلبية لدعوة من لجنة المتابعة العربية العليا، احتجاجاً على القمع الذي تعرَّض له أهالي المدينة على أيدي عناصر من شرطة الاحتلال، ووجهت الدعوة إلى تظاهرة مركزية إحياءً للذكرى الرابعة والخمسين لمجزرة كفر قاسم.

لماذا!

تزامنت الأحداث مع إمرار قانون عنصري جديد في الكنيست يسمح لبلدات يهودية صغيرة بمنع «من لا يلائمون النسيج الاجتماعي لسكانها»، أي غير اليهود، من الإقامة فيها. وسبقها إصدار قانون «المواطنة»، وقانون «منع التحريض» وقانون «لجان القبول». كل القوانين جاءت في وقت متسارع وتستهدف فلسطينيي 48، يشترك في إصدارها الحكومة الإسرائيلية والمحكمة العليا والكنيست. وهدفها التضييق بكل الوسائل المتاحة على أصحاب الأرض من أجل تهجيرهم. ويدل تلاحق إصدار القوانين على أن المؤسسة الإسرائيلية تعطي أولوية لملف العرب داخل «إسرائيل»، في وقت تشهد فيه الأراضي المحتلة في الضفة وغزة هدوءاً هشاً، فيما تناور الحكومة الإسرائيلية في الملفات القديمة (القدس واللاجئين) من خلال المفاوضات لكسب الوقت وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي.

ولا شك في أن «إسرائيل» قد وضعت سناريوات لكيفية التخلص من فلسطينيي 48، لأنهم بمثابة سرطان داخل جسدها. وفي طليعة المخططات تبادل أراضٍ مع السلطة الفلسطينية تضم أكثر من ثلثي السكان العرب داخلها. لاَّن التهجير الذي كانت تفضله «إسرائيل» سيسبب مشاكل دولية.

وعلى الفلسطينيين داخل الخط الأخضر الصمود والاتكال على ربهم فقط، لأنهم متروكون عراة في مواجهة القدر. فهم ليسوا عرباً بنظر العرب لأنهم يعيشون في دولة ليست عضواً في «الجامعة العربية»، وليسوا إسرائيليين بنظر إسرائيل لأنهم لم يكونوا من اليهود المهاجرين ولم تنجح مخططات «أسرلتهم»، وليسوا فلسطينيين بنظر السلطة الفلسطينية؛ لأنهم موجودون خارج الضفة وغزة. فلا دولة تنطق باسمهم وتدافع عن حقوق أصحاب الأرض الأصليين، بالرغم من أنهم عربيو الانتماء وفلسطينيو الهوية ومسلمو الديانة، إلا أنهم يحملون الجنسية «الإسرائيلية».