مجلة العودة

صحيفة القدس نموذجاً

صحيفة القدس نموذجاً
الخطاب الإعلامي العربي في حرب الـ67... عاطفي وتعبوي ووحدوي
الكاتب خالد العمايرة: الجماهير العربية وقعت حينها تحت تأثير الدعاية الهستيرية


لبابة ذوقان وديما الحاج يوسف

لا يشكك أحد في الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها خلال فترات الحروب والنزاعات، بل إنها قد تكون سلاحاً يشارك بطريقته الخاصة في جبهات المعركة؛ فتارة يكشف عن تحركات العدو، ومرة يسلط الضوء على حجم الاستعدادات والتأهب للمعركة، وتارة أخرى يؤدي دوراً تعبوياً في شحن نفوس المواطنين ومعنوياتهم ليتمكنوا من صد العدوان المترقب.ومهما تقدمت السنوات أو تأخرت، يبقَ الإعلام سلاحاً "مستهدفاً" من الطرف الآخر، فيحاول كتم صوته وحجب الحقيقة التي يسعى إلى إبرازها، تماماً كما حدث في حرب حزيران عام 1967م، أو ما عرف بـ"النكسة"، حيث منع الاحتلال إصدار صحيفة القدس اليومية منذ الخامس من حزيران –أي مع بداية الحرب - وحتى أواخر عام 1968.

وفي قراءة أجرتها "العودة" لأعداد صحيفة القدس الأربعة الصادرة في شهر حزيران عام 67، أي قبيل اندلاع الحرب بأيام قليلة، لوحظ مدى التركيز على وحدة الصف العربي لصد العدوان، وحجم التركيز على شحن المعنويات وحشد المتطوعين من الوطن العربي ومختلف مناطق المملكة الأردنية بضفتيها الشرقية والغربية في حينها.

ولعل أبرز ما تناولته الأعداد الصادرة في الأيام الأربعة الأولى من شهر حزيران عام 67 هو الاتفاقية التي وقّعها الملك الحسين وجمال عبد الناصر في القاهرة، والتي أصبح بمقتضاها الجيشان العربيان في المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية المتحدة جيشاً واحداً هدفه تحقيق آمال الأمة العربية في التحرير والعودة، وتصدر العدد الأول من حزيران حينها مانشيت "الحسين يبعث بنداء الواجب إلى القوات المسلحة الأردنية: عرفكم العالم مثالاً للجرأة والوعي والإقدام والمحافظة على أخلاق الجندية، لقد أديت واجبي وحققت آمالكم لتقف أمتنا بقواتها المسلحة وشعبها الواحد في مواجهة العدو".

كذلك امتلأت أعداد الصحيفة بالتصريحات من مختلف الزعماء والمسؤولين في الوطن العربي ترحب بالوحدة العربية، كتصريح للرئيس جمعة قال فيه: "إذا كان 15 أيار يوم عار في تاريخ الأمة العربية فيوم 30 أيار غسل ذلك العار".

وتضمن العدد ذاته تفاصيل وصفها بالمهمة عن تطورات أزمة الشرق الأوسط، هي:

الجيش الجزائري يدعم الجهد العسكري المشترك، فيصل: وجود إسرائيل ضد طبيعة الأشياء، القوات العراقية تصل إلى الجمهورية العربية المتحدة، وتركيا لن تسمح باستخدام القواعد الأمنية ضد العرب، وقطع من الأسطول الروسي تدخل البحر المتوسط، وإيبان يصف إسرائيل بالرفاص المضغوط.

ولم يخل العدد الأول لشهر حزيران من الأخبار التي تتحدث عن الجيش العربي، حيث عنون أحد الأخبار الرئيسية بالصفحة الأولى بـ"التدريب العسكري للمتطوعين في جميع أنحاء المملكة.. الجيش العربي باشر بتدريب المتطوعين من المواطنين على استخدام كافة أنواع الأسلحة استعداداً لمعركة تحرير الوطن السليب".

وتضمن العدد أخباراً مطمئنة إلى الوضع التمويني في المملكة، وزيارة الملك حسين للقوات المسلحة، ودفع رواتب كافة المكلفين الخدمة.

دور تعبوي

وقد أدت تلك الأخبار بمجملها دوراً كبيراً في تعبئة الجمهور ورفع المعنويات ودفع الشباب إلى التطوع بالجيش العربي لتحرير فلسطين، في الوقت الذي لم تورد فيه الصحيفة أنباءً وتوضيحات عن التجهيزات العسكرية والمخططات الإسرائيلية سوى أخبار صغيرة وغير بارزة ونادرة في الأعداد الصادرة قبيل اندلاع الحرب.

وزخرت أعداد الصحيفة تلك بأخبار التهانئ التي انهالت على الملك الحسين بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك مع جمال عبد الناصر من مختلف الدول العربية، حيث أوردت الصحيفة خبراً بعنوان: "ترحيب عربي شامل باتفاق الدفاع المشترك بين الأردن ومصر"، وآخر بعنوان: "الاتفاقية جاءت بلسماً للجراح العربية".

وفي إطار رفع المعنويات، برز خبر آخر، ربما كان له وقع خاص في نفوس المواطنين آنذاك حمل عنوان: "القوات العربية تقف على امتداد 950 كم حول إسرائيل"، إضافة إلى أخبار عن استعدادات الدول العربية كلبنان والجزائر والعراق والكويت ومصر لدعم الجيش العربي والمشاركة بصد العدوان. وأوردت الصحيفة أيضاً أخباراً عن مواقف بعض الدول من العدوان مثل: "فيتنام الشمالية تؤيد العرب، وتحذير سوفياتي من العدوان على العرب، وملك أفغانستان ويورغورني يؤيدان العرب في الأزمة الحالية".

وعن موقف الجانب الأميركي حينها، أشار خبر إلى أن "أمريكا تقترح على مجلس الأمن توجيه نداء لالتزام نداء يوثانت والابتعاد عن روح الحرب وتجنب التوتر".

وفي ما يتعلق بالصور، أورد العدد الأول صوراً للقاء الذي جمع الرئيسين المصري والأردني خلال توقيع اتفاقية الدفاع المشترك على صفحتها الأولى، وفي صفحة أخبار من العالم العربي، نشرت صورة لطليعة القوات الكويتية إلى أحد المطارات العسكرية قرب القاهرة.

وفي إطار نشر الأخبار التي من شأنها إرشاد المواطنين وإعدادهم لما هو آتٍ، أوردت الصحيفة خبراً في صفحة "أخبار الأردن" تؤكد فيه "استمرار الاستعدادات لتقوية أجهزة الدفاع المدني، واجتماعات هامة متتالية مدن المملكة لتوعية المواطنين وتدريبهم، إضافة إلى التنويه باستمرار التبرع بالدماء، وتدريب الممرضات، وتدريب المواطنين على الإسعافات الأولية، والدعوة للتطوع والتدريب بالجيش".

ولم تغفل الصحيفة دور الجانب الأدبي في تلك الحقبة "السوداء" في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث جُيِّشَت القصائد في ذات الهدف التعبوي للجماهير، وفي صحفتها الأخيرة من العدد الأول من حزيران، تربعت قصيدة بعنوان "من وحي المعركة" فتح الله السلوادي، تغنى فيها بلقاء الرئيسين العربيين وترك الخلافات جانباً والتباهي بتوحيد الصف العربي.

عدد 2 حزيران 1967

أما العدد الثاني من حزيران عام 67 لصحيفة القدس، فقد تصدر مانشيت بعنوان "إبرام اتفاق الدفاع المشترك بين الأردن والمتحدة .. وزيرا خارجية الدولتين يتبادلان وثائق الإبرام بالقاهرة"، كما برز عنوان آخر على الصفحة الأولى بعنوان :"تحرك الجيش الليبي باتجاه الحدود الشرقية في انتظار بدء المعركة للمشاركة في الجهد العربي.

وتناولت الصفحة الأولى بشكل عام تحضيرات الجيوش العربية القادمة لفلسطين كوداع الجيش العراقي المتجه نحو الخطوط الأمامية، والجيش السوداني والدعم المصري للجيش، إضافة لخبر حول موقف إيران من الأزمة، أعربت خلاله عن "أملها بحل الأزمة الحالية في الشرق الأوسط بصورة سلمية ومن طريق الأمم المتحدة".

ولم تغفل الصحيفة دور "أذني الصحيفة" بإبراز بعض العبارات المحرضة على القتال والتجييش، وحتى ذكر الآيات القرآنية التي تحض على القتال والجهاد في سبيل الله.

وفي لفتة غير بارزة وبأخبار بحجم صغير، أوردت الصحيفة أخباراً عن الطرف الآخر في المعركة، هي: إسرائيل تحاول أن ترفع معنوياتها المنهارة، الغواصات المصرية تحيط بحاملة الطائرات الأميركية، زعم إسرائيل عن إطلاق نار، حاملة الطائرات الأميركية لم تتوقف في البحر الأحمر.

ولعل القارئ لتلك العناوين دون الخوض بتفاصيلها حتى، يشعر من تلقاء نفسه أن العرب مسيطرون على ساحة المعركة، وأن عدوهم أضعف من أن يقف ضد الزحف العربي المحشّد ضد الاحتلال!، ولعلنا أيضاً نعي لماذا سميت حرب الـ67 نكسة.

وفي صفحة أخبار العالم العربي لهذا العدد، أوردت الصحيفة تصريحات "رنانة" لوزير الإرشاد والأنباء الكويتي، جاءت كالآتي: "لن نكتفي بما قدمناه حتى الآن لقضية العرب، سيشهد العالم عندما تحين الساعة مزيداً من البذل والتضحية، لقاء الحسين وعبد الناصر بادرة خير أذهلت العالم"، وواصلت الصحيفة نشر أخبار الجيش العربي، منها قدوم مئات المتطوعين للجيش العربي، ووصول تبرعات للجيش.

وفي ما يتعلق بأخبار الطرف الآخر من النزاع، أورد العدد في صفحة "حول العالم" جاء ما يأتي: "كبار أعضاء الحكومة الأميركية يطلعون مجلس الشيوخ على التطورات بالشرق الأوسط، وطلب كمامات غاز لإسرائيل يثير نزاعاً واسعاً في الحكومة الألمانية، وتضمن أخباراً متنوعة عن حركة الموانئ العربية والخليج، وخبراً يفيد بأن روسيا تجد إغلاق المضائق موضوعاً ثانوياً في التوتر".

ولم يخلُ العدد الثاني من حزيران 67 من أخبار التهانئ والتبريكات التي كانت تصل إلى الملك الحسين لتوقيعه اتفاقية الدفاع المشترك مع الرئيس جمال عبد الناصر.

وفي "الشؤون الثقافية" سطّرت في صدر الصفحة قصيدة بعنوان: "شعر العودة" للشاعر أحمد مصطفى الصافي، وبكل تأكيد كانت مفعمة بالمشاعر الجياشة نترككم مع مطلعها:

قسماً برب الكائنات..

سأظل ثائراً للممات..

فلست أخشى العاتيات..

قسماً سأمحو عن دياري..

عصبة الغدر والشتات..

قسماً سأمحو المغادر المكار عنها والطغاة.. (.. إلى نهاية القصيدة)

وفي قصيدة حملت عنوان "من وحي المعركة" غضبة العرب.. لا شك أنه كان لوقع كلماتها أثر كبير.. وكان مطلعها:

غضب العرب وحان الأجل وقضى الهزل وجد العمل

ورجــعنــــــــــــــا لزمــــــــــان حــــــافز وحدة في الصف لا تنخذل

وتضمن العدد تقريراً حمل عنوان: "المواطنون العرب في جحيم إسرائيل.. عرض وتصوير لمأساة العرب بالمنطقة المحتلة"، إضافة إلى خبر إجراءات طارئة للصليب الأحمر إذا نشب القتال، وعرضت الصحيفة أيضاً تصريحاً للمطربة أم كلثوم، قالت فيه: "أمنيتي أن أغني من تل أبيب بعد النصر".

وفي الزاوية التي تفردها صحيفة القدس لعرض وجهة نظرها في قضية ما، أكدت القدس ضرورة التركيز على قضيتين مهمتين: الأولى، إصرار بعض الدول الاستعمارية على اعتبار مضائق تيران ممرات دولية بتوجيه من الصهيونية العالمية. والثانية، اعتبار ما يجري في الوطن العربي عدواناً على إسرائيل بالتسليم بالوجود الإسرائيلي على أسس قانونية تاريخية، مؤكدة عروبة فلسطين وضرورة التركيز على عروبتها وإعادة الشعب المشرد إليها.

وفي قراءة للعددين الأخيرين قبل الحرب، الصادرين بتاريخ 3-4 حزيران عام 67، وهما الأخيران قبل منع الصحيفة من الإصدار حتى أواخر عام 68، لوحظ أن "القدس" لم تذكر في الأخبار أو في المقالات ما مدى استعدادات وتجهيزات الاحتلال لخوض الحرب، ونادراً ما كانت تنقل تصريحات قادة الاحتلال الإسرائيلي بشأن الحرب، وإن نقلت فهي في إطار التقزيم من حجم العدو الصهيوني، والتقليل من قوتهم وتجهيزاتهم، ولعل ذلك يبرز باستخدام العبارات "خشية الصهاينة، "آمال الصهاينة بالنصر".

كما استمرت الصحيفة بأسلوبها بالحشد والتعبئة والتوجيه أكثر من نقل الأخبار والمعلومات، حيث أذنين الصحيفة في الصفحة الأولى في العدد الثالث تجد على اليمين رسالة الملك حسين إلى شعب الأردني بأن يكونوا واعين على قدر المسؤولية ويحذرهم من العملاء، وفي الأذين الأيسر تجد رسمه لجندي يمسك سلاحاً والكلمات المرافقة لها هي الدعوة إلى التبرع بالدماء من أجل الجيش العربي.

العدد 3 حزيران 1967

الخبر الرئيسي في الصفحة الأولى في العدد الثالث هو "الحسين يشكر أسرته الأردنية على موقفها القومي، ويطلب التزامها بالشعور بالمسؤولية.. ما قمنا به هو موقف عفوي طبيعي من أعماق قلوبنا ومن إيماننا بإخوة الجهاد والنضال"، يذكر الملك حسين في نص رسالته المطولة هذا الجزء "مهما كانت خلافاتنا فنحن أخوة في الجهاد والنضال من أجل الأماني القومية". يظهر بوضوح مخاطبة الملك حسين لشعبه بالطريقة العاطفية، وذلك باستخدام كلمات مثل "أعماق قلوبنا، أخوة، أماني قومية، عفوي". تشير كلمة عفوي إلى أنه لم يُتَّخَذ قرار الاتفاق بين الأردن ومصر بنحو مخطط ومدروس، بل بنحو عفوي طبيعي، وأُرفق الخبر بصورة لجنود الحسين من سلاح الهندسة يزرعون ألغاماً ضد المدرعات الثقيلة في مكان ما من الجبهة، وهذه الصورة توحي مدى قوة استعدادات الجيش الأردني للحرب.

استخدمت صحيفة القدس مصطلحات في الأخبار والمقالات للدلالة على حرب 1967، وهي "ملحمة الحشد العربي، المعركة الحاسمة، القدر العظيم، معركة المصير، حرب، ظرف وطني دقيق وحاسم، أزمة"، حيث استُخدم مصطلح أزمة لوصف الحرب وعلاقتها بالدول الخارجية، بينما باقي المصطلحات استُخدمت للأخبار الإقليمية، حيث نرى مبالغة وتضخيماً في استخدام المصطلحات باستخدام الأسلوب التعبوي.

تعددت الأخبار عن التظاهرات، تطوع الدول المجاورة، استعدادات الدول العربية، مواقف الدول الأجنبية، مثل عناوين الأخبار التالية في اليوم الثالث من حزيران:

"ألمانيا الشرقية تؤيد العرب ومستعدة لمساعدتهم"، "أوستراليا ترفض سفر اليهود لإسرائيل"، "بولندا تؤيد المتحدة ضد إسرائيل"، "بريطانيا تنفي إنحيازها إلى إسرائيل". بالإضافة إلى أخبار تتضمن الاستقبالات والاجتماعات، تحذيرات، والزيارات، والتهنئات بسبب الاتفاقية المشتركة بين الأردن ومصر وسوريا. كل هذه الأخبار توحي للقارئ أن الشعب العربي يخوض معركة مصيرها الفوز المحتم بلا أي جدل أو مجال لشك، وذلك لتفصيل أعداد المتطوعين في الجيش العربي، وما مدى الدعم والتأييد الذين يحصلون عليه، ولهجة الخطاب من قادة العرب بالتهديد والتحذير باستخدام مصطلحات "ارتياح عربي، العرب يطلبون، تظهر بأنهم الطرف الأقوى في النزاع وهم من يضع الشروط.

في العدد الثالث أيضاً هناك مقالة بعنوان "من مفكرة السبت" تحدثت عن ازدياد أعداد المهاجرين بالأرقام لإسرائيل، ورأى الكاتب أنها هزيمة ونكبة، وأشادت مقالة بعنوان "كلمات" بموقف دولة الكويت وشكر الجزائر، وتحدث عن الألاعيب أمريكا في ادعائها الحل السلمي.

ورأي القدس "الرسالة والمسيرة" يتناول التعليق على رسالة الملك حسين لشعبه، مع دعوة الشعب الأردني إلى المثابرة والعمل الجاد، لو يغفو العدد أيضاً القصائد الشعرية التي طوعت لحشد الناس للحرب.

وبحكم تبعية الضفة الغربية للنظام الأردني كان اهتمام الصحيفة بأخبار الأردن بشكل كبير، واستخدام مصطلحات تفخيمية للملك حسين.

وسلطت الصحيفة الضوء على دور المرأة في تلك الفترة، حيث عرضت خبراً بعنوان "المرأة في نابلس تستعد لخوض المعركة"، وهذا يدل على دور المرأة في المجتمع الفلسطيني ومشاركتها للحياة السياسية، وهناك صورة لفتيات يشاركن بمسيرة مطالبة بالعودة.

العدد الأخير قبل الحرب

أما في العدد الأخير الصادر قبل الحرب وقبل منع الصحيفة من الإصدار، وهو الرابع من حزيران في صحيفة القدس، فقد حمل الأذين الأيمن في الصفحة الأولى الآية القرآنية "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ". وذلك لحث الناس على الاستنفار والمشاركة في المعركة، بينما في الأذين الأيسر حث ودعوة على التبرع بالدم للجيش العربي.

يظهر في هذا العدد بنحو كبير الأخبار التي تدعو إلى التبرع، وذكر البيانات بأكملها، و"ترأس الحسين اجتماعاً لمجلس الوزراء، اجتماع مجلس وزراء الأردن وإقراره بإنشاء صندوق لدعم الجمهور"، هو الخبر الرئيسي في الصفحة الأولى بهذا العدد، وتدور الأخبار حول دعم وتأييد السودان وليبيا ومشاركتها في المعركة، وتبرعات أهالي دمشق ومصر للجيش، وتشكل ميليشيا شعبية في الجزائر لمساندة الجيش العربي.

وجاء خبر بعنوان "أقنعة الغاز من ألمانيا لإسرائيل" في دليل على نجاح الدعاية الصهيونية التي أدت إلى كسب التأييد الأوروبي لها، إضافة إلى تناول أخبار دولية أخرى، مثل "مجلس الأمن يتابع النظر في الأزمة"، "فشل أميركا مع عبد الناصر في رفع الحصار عن العقبة".

وفي عمود رأي القدس في العدد الرابع، كتبت مقالة تحت عنوان "الفرصة الذهبية"، علق الكاتب فيها على تعيين موشي دايان وزير دفاع للمنطقة المحتلة، ووصفه بعدة أوصاف مثل "تبجحات، رجل العصابات الفاشل، رجل العصابات المعروف". يقول الكاتب إن وضع العرب اليوم يختلف كلياً عن أوضاع 1948 و1957، وأضاف أن "النكبة ستتكرر، ولكن بشكل معكوس". لكنه لم يذكر كيف اختلف وضع العربي وما هي الأدلة التي تشير إلى تغير الظروف العربية وكيف ستنقلب النكبة على رؤوس اليهود في عام 1967؟ ووصف إسرائيل بأنها كيان هزيل مصطنع ستذروه الرياح غداً، وختم مقالته بهذه العبارة؛ "فهذه هي الفرصة الذهبية للقضاء على أسطورة البطولات الصهيونية الدونكيشوتية الزائفة"، وهذا يدل على استخفاف الكاتب بدرجة كبيره بالعدو الإسرائيلي الذي احتل فلسطين عام 1948، حيث افتقر إلى التوازن في الطرح والموضوعية.

وفي إطار الحث على التبرع، أورد أحد المقالات عبارة للكاتب قال فيها: "ادفع دولاراً تمحُ عاراً، وحث الناس على التبرع بالمال والدم والكلمة".

تحدث إلياس جريسات في مقاله تحت عنوان (ما وراء الأحداث دبلوماسية البوارج) عما سمّاه بخيوط المؤامرة الغربية ضد الوجود العربي، وعن تاريخ الأزمة بين الدول العربية وإسرائيل، وبأن الدول العربية ننتظر الساعة الصفر لهزيمة إسرائيل ومن يعاضدها.

وفي الصفحة الرابعة الخبر الرئيسي فيها "تجار العاصمة يضعون إمكانياتهم تحت تصرف الحكومة" موظفون وعمال يتبرعون براتب يوم للمشاركة بعملية الحشد. وتضمنت الصفحة استعداد كل من المدن التالية في مواجهة الطوارئ مثل نابلس زرقاء القدس عمان قلقيلية، وخبر عن انخفاض أسعار المواد الغذائية.

إعلام مهووس.. وجماهير سكارى!

وفي تعقيبه على التغطية الإعلامية للصحف والإذاعات العربية إبان حرب الـ67، أشار الباحث والكاتب الفلسطيني خالد العمايرة إلى أن العالم العربي كان يعيش آنذاك حالة من الهوس بالناصرية والقومية العربية، حيث كانت الجماهير العربية ومنها الفلسطينية واقعة تحت تأثير الدعاية الهستيرية الآتية من وسائل الإعلام العربية المتمثلة بالصحف والإذاعات، ولا سيما إذاعة صوت العرب ودمشق وبغداد وغيرها.

وأضاف في مقابلة خاصة مع "العودة": "للأسف، انطلت تلك الدعاية على قسم كبير من الجماهير بمن فيهم الصحفيون والإعلاميون الذين كان من المفترض أن يكونوا أكثر وعياً. في ذلك الوقت كانت نسبة الأمية عالية جداً، تصل ما بين 70-80%، والمتفحص لما كانت تكتبه وسائل الإعلام العربية يمكن أن يخرج بنهاية تقول إن العرب في ذلك الوقت كانوا سكارى، كان الناس يعيشون بوهم كبير، وكذلك الإعلام والصحف، ولم يكن هناك أي مجال لأي تحليل موضوعي وواقعي يقوم بتشفيف الوضع العربي بطريقة علمية موضوعية دقيقة؛ لأن هذا الأمر كان سيجعل اللعنات والاتهامات بالخيانة تمطر على من يجرؤ بالإتيان بهذا التحليل الموضوعي، لذلك انجرّ معظم الصحفيين والمحللين إلى الدعاية الناصرية، ولم يكن من السهل أن يقف الإعلام أمام التيار الجارف".

وتابع: "في حرب الـ67 لم يكن عمري يتجاوز التسع سنوات، لكن لم أكن أميز الأمور لصغر سني، لكن من خلال دراساتي وأبحاثي اللاحقة وما علق بذهني من الإعلام الإذاعي خلال تلك الفترة الزمنية، أكد لي أن الرأي العام العربي كان مهووساً وسكران، كان يتخيل أن تحرير يافا وحيفا مسألة ساعات، كما كان ينظر إلى عبد الناصر بأنه ملاك، (...) تلك الفترة كانت مخزية بتاريخ العرب، الحديث كان يغلب عليه صفة الديماموغية وصفة المبالغات الكبيرة جداً، حتى إن الزعماء العرب كانوا يفكرون بالطريقة السطحية ذاتها، وهو ما يفسر الهزيمة القاصمة التي تعرض لها العرب، ومع ذلك خرجوا بالملايين في اليوم الثاني للهزيمة في شارع القاهرة تأييداً لبعد الناصر، رغم الهزيمة وضياع القدس وسيناء وهزيمة سلاح الطيران المصري، وحقيقة لم يهزم العرب بهذا الحجم من احتلال الصليبيين للقدس".

رقابة عسكرية على الإعلام

وفي ما يتعلق بالصحف الفلسطينية، أشار الخبير والكاتب الإعلامي إلى أنها كانت تخضع للرقابة العسكرية الأردنية، وما يقرأه المواطن بالصحف يسمعه بالإذاعة، وكل كلمة تكتب بالصحيفة كانت تمر من خلال الرقيب العسكري الأردني، الذي أصفه حينها بأنه غبي، والقارئ المتلقي كان جاهلاً، فالحكومة الأردنية حينها كانت حكومة مخابرات، وما زالت كذلك لكن بشكل أكثر انفتاحاً.

وأرجع العمايرة اندفاع الناس وتفاعلهم مع الأنباء التي كانت توردها الصحف والإذاعات قبل الحرب وخلالها إلى كونهم يفتقدون للوعي الكافي، قائلاً: "الناس لم تكن على ذلك المستوى العالي المثقف ليتمكنوا من التفريق بين الموضوعية والمبالغة والأكاذيب والدعاية المضللة، فالناس كانت قلوبهم مع عبد الناصر وعقولها معطلة، حتى إنهم كانوا يقولون الله في السماء وعبد الناصر بالأرض!".

وفي ما يتعلق بما وصفته صحيفة القدس حينها بـ"الوثيقة التاريخية" وثيقة الدفاع المشترك بين الجيشين المصري والأردني، لفت العمايرة إلى أن الملك الحسين وبعد انتهاء الحرب ندم ندماً شديداً على إبرامها، مشيراً إلى أن الجيش المصري لم يلبّ طموح الأردنيين والعرب، ولم يكن يملك القوة الكافية التي كان يصورها الإعلام للناس، مشيراً إلى أنّ الملك حسين لدى إبرامه تلك الاتفاقية كان مجبراً على خيار من اثنين: إما أن يعطي مجالاً للانقلاب عليه وتحمل مسؤولية الهزيمة وحده، أو المشاركة بالحرب بشكل وحيداً مع عبد الناصر والعرب، مع العلم أن الجيش الأردني هو أفضل جيش عربي قاتل في حرب الـ 67، وهو أكثر جيش ألحق خسائر بالجانب الإسرائيلي.

وعاد العمايرة ليؤكد الحقيقة المرة حينها حول الأداء الإعلامي العربي قائلا: "الصحف كانت تكذب مثلما تتنفس، تنقل تصريحات السياسيين، والسياسيون لا يعلمون ماذا يدور حولهم، كان الغباء الإعلامي والسياسي واضحاً بتلك الفترة!". ♦