مجلة العودة

الانتفاضة ودورها في المعركة الديموغرافية

الانتفاضة ودورها في المعركة الديموغرافية

 

يوسف كامل إبراهيم/ غزة

لم تكن الانتفاضة الفلسطينية الحالية التي أطلق عليها الفلسطينيون انتفاضة الأقصى، الوجهَ النضاليَّ والكفاحيَّ للشعب الفلسطيني فقط من أجل التخلص من براثن الاحتلال، ولم يقتصر تأثير الانتفاضة على الاقتصاد والأمن الإسرائيلي، بل انعكست تأثيرات الانتفاضة على أخطر القضايا الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما أطلق عليه معركة الديموغرافيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فليس غريباً أن يظهر الاهتمام الواسع بالموضوع الديموغرافي في الوقت الذي اندلعت فيه الانتفاضة الفلسطينية، وأكد فيه عرب 1948 انتماءهم الوطني الفلسطيني، ما جعل «إسرائيل» تعدّ العدة للتعامل معهم بوصفهم خطراً داهماً على الدولة.

لم تكن الانتفاضة الفلسطينية الحالية التي أطلق عليها الفلسطينيون انتفاضة الأقصى، الوجهَ النضاليَّ والكفاحيَّ للشعب الفلسطيني فقط من أجل التخلص من براثن الاحتلال، ولم يقتصر تأثير الانتفاضة على الاقتصاد والأمن الإسرائيلي، بل انعكست تأثيرات الانتفاضة على أخطر القضايا الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما أطلق عليه معركة الديموغرافيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فليس غريباً أن يظهر الاهتمام الواسع بالموضوع الديموغرافي في الوقت الذي اندلعت فيه الانتفاضة الفلسطينية، وأكد فيه عرب 1948 انتماءهم الوطني الفلسطيني، ما جعل «إسرائيل» تعدّ العدة للتعامل معهم بوصفهم خطراً داهماً على الدولة.

فلسطينيون في الداخل

ومن أجل ذلك جنّدت «إسرائيل» مراكز الأبحاث الأكاديمية في الحملة التحريضية على فلسطينيي 1948 وقادتهم. فحذر البروفسور الإسرائيلي أرنون سوفير، رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا من المخاطر الكامنة في التكاثر الطبيعي للفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وجاء في البحث الذي أعده المركز الذي يرأسه سوفير أن التكاثر الديموغرافي (العربي) في «إسرائيل» والمنطقة هو الأكبر في العالم، قياساً إلى أوروبا.

ويشير البحث إلى أن نسبة الفلسطينيين داخل «إسرائيل» وسائر المناطق الفلسطينية المحتلة ستصل إلى 58% عام 2030، ويبلغ عدد فلسطينيي الداخل 1.3 مليون نسمة، بمن فيهم سكان القدس المحتلة، وسيصل العدد إلى 2.7 مليون بعد عشرين عاماً، يضاف إليهم 5.8 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال سوفير للإذاعة الإسرائيلية: «إن التكاثر المتوقع يهدد بانهيار بيئي وانقراض الغابات وشحّ المياه وتفشّي الأمراض الناجمة عن التلوث، ولكن الخطر الأكبر هو أنه سيؤدي إلى فقدان مساحات ومناطق جغرافية واسعة في الجليل والنقب ووادي عارة التي لن تكون يهودية، وعليه أحذر صانعي القرار السياسي».

إسرائيليون في الخارج

لقد أفادت إحصاءات في وزارة استيعاب المهاجرين اليهود في الحكومة الإسرائيلية، بأن عدد اليهود المسجلين حتى الآن كمواطنين إسرائيليين لكنهم يعيشون في الخارج بلغ 760 ألف شخص، منهم 160 ألفاً ولدوا بعدما هاجر ذووهم من البلاد. وقد وضعت الوزارة خطة لإعادة هؤلاء المهاجرين خلال خمس سنوات، بمعدل 150 ألفاً في كل سنة ابتداء من عام 2004. وذكرت مديرة الدائرة الخاصة بمعالجة ملف المهاجرين أن الحكومة تنظر بقلق إلى وجود مثل هذا العدد من اليهود الإسرائيليين في الخارج، حيث إنه يشكل نسبة 4% من اليهود في «إسرائيل». وتتراوح أعمار هؤلاء المهاجرين ما بين 22 و42 عاماً (سن الشباب وسن الخدمة في الجيش) وغالبيتهم خريجو جامعات، أي إنهم يشكلون طاقة إنتاجية وعقولاً مبدعة. وما بقاؤهم في الخارج وامتناعهم عن العودة إلا دليل على نجاحهم في بلدان خارج «إسرائيل»، بعدما أن يئسوا من إمكانية النجاح في «إسرائيل»، فهربوا من جراء تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي زادت وتعمقت بسبب انتفاضة الأقصى.

القسم الأكبر من هؤلاء موجود في الولايات المتحدة (370 - 400 ألف نسمة)، يتوزعون على الشكل التالي: نيويورك (130 ألفاً) ولوس أنجلوس (100 ألف) وميامي (45 ألفاً) وسان فرانسيسكو (40 ألفاً).

تأتي كندا في الدرجة الثانية (70 ألفاً)، ثم فرنسا (40 ألفاً)، وبريطانيا (20 ألفاً)، وأستراليا (20 ألفاً)، وجنوب أفريقيا (15 ألفاً)، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق (20 ألفاً). ولكن هناك يهوداً اختاروا العيش في الصين (120 شخصاً)، والفلبين (41 شخصاً)، وفيتنام (13 شخصاً)، وإثيوبيا (27 شخصاً)، ويتضح أن السبب الحقيقي لعدم عودتهم هو عدم الاستقرار الأمني الذي شكلته الانتفاضة والعمليات الفدائية.

تناقص القادمين الجدد

أفادت المصادر الإسرائيلية بأن معدل الهجرة إلى الأراضي المحتلة عام 48 قد انخفض خلال عام 2003 بنسبة 31% مقارنة مع العام السابق. وقال مايكل ياكيليفيتش الناطق باسم الوكالة اليهودية - الهيئة شبه الحكومية المكلفة هجرة يهود الشتات - إن نحو 24 ألف مهاجر نصْفُهم من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً وصلوا في عام 2003.

وتعتبر هذه الأرقام أقل بأربع مرات من المئة ألف مهاجر سنوياً التي كان يتطلع إليها رئيس الوزراء السابق أرييل شارون خلال السنوات العشر المقبلة.

وفي عام 2002 هاجر نحو 35 ألف شخص فلسطين، في مقابل 44 ألفاً في عام 2001، و60 ألفاً في عام 2000. وكانت الأرقام المسجلة في عام 2002 للمهاجرين هي الأدنى منذ بدء عمليات الهجرة إلى فلسطين من الاتحاد السوفياتي السابق في عام 1990.

وقد تراجعت هجرة اليهود إلى فلسطين في عام 2007 إلى أدنى مستوياتها منذ 20 عاماً؛ إذ بلغ عدد المهاجرين 19 ألفاً و700 مهاجر، حسب إحصاءات نشرتها وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية.

وذكرت الوكالة اليهودية، أنه خلال عام 2007 وصل إلى «إسرائيل» 6445 مهاجراً من دول الاتحاد السوفياتي السابق، و3607 من إثيوبيا، و2957 من الولايات المتحدة وكندا، و2659 من فرنسا. وتُظهر هذه الأرقام تراجع معدل الهجرة بنسبة 6% مقارنة بعام 2006.

هذا التراجع عزاه زئيف بيلسكي، رئيس الوكالة، إلى أنه بات لدى يهود الشتات «أسباب أقل لمغادرة بلادهم». وأردف موضحاً في تصريحات للإذاعة العسكرية الإسرائيلية أن الأوضاع الاقتصادية تحسنت في روسيا، حيث يوجد عدد كبير من اليهود. وانخفضت الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق التي تمثل 30% من إجمالي المهاجرين، إلى 15% فقط هذا العام، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.             

أما عن تراجع الهجرة من فرنسا، فقال بيلسكي: إنها تعود إلى فوز نيكولا ساركوزي في أيار/ مايو الماضي بانتخابات الرئاسة، حيث يتمتع بشعبية «في الأوساط اليهودية التي باتت تشعر بأمان أكبر» لوجوده في الإليزيه، ومن ثَم لم تَعُد لديهم مبررات قوية للهجرة إلى «إسرائيل».

وبلغ عدد اليهود المهاجرين من فرنسا إلى «إسرائيل» 2801 مهاجراً في 2006، غير أنه تراجع بنسبة 6.5% في عام 2007، خلافًا لتوقعات الوكالة التي كانت تأمل زيادة العدد. وبوجه عام يفوق عدد اليهود الذي يغادرون «إسرائيل» عدد المهاجرين إليها.

ويعود انخفاض عدد المهاجرين إلى التراجع الكبير في عدد القادمين من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً والأرجنتين، بينما بقيت نِسَب القادمين من فرنسا وإثيوبيا على حالها، وارتفع عدد القادمين من الولايات المتحدة. وبررت الوكالة اليهودية انخفاض عدد المهاجرين اليهود بعدة أسباب، منها نضوب الخزان البشري في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. فقد انخفض عدد اليهود المقيمين في تلك الدول بنحو 1.45 مليون شخص خلال 1989 إلى نحو 400 ألف اليوم.

مواجهة الأزمة

وضمن حملتها لمواجهة الهجرة العكسية خارج الكيان الصهيوني، أعلن سيلفان شالوم حين كان وزيراً للخارجية أن بلاده تخطط لنقل جميع يهود الفلاشا من إثيوبيا وعددهم نحو 18 ألفاً إلى الدولة العبرية.

ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أخيراً يهود العالم إلى الهجرة إلى «إسرائيل»، متعهداً توفير حوافز مادية مغرية ومعيشة أفضل، قائلاً: «تعالوا للانضمام إلينا هنا؛ لأنه أفضل مكان للعيش».

كما أطلقت وزارة الهجرة والاستيعاب حملة عام 2008 تتطلع فيها إلى إعادة 15 ألف إسرائيلي مهاجرين خارج البلاد إلى «وطنهم»، واستحضار 20 ألفًا من اليهود كمهاجرين جدد، بحسب معهد تخطيط الشعب اليهودي.

وتعكس هذه التحركات هاجس «إسرائيل» من حدوث اختلال ديموغرافي في غضون العقود القادمة بين السكان اليهود والعرب في ظل تراجع نسبة المواليد اليهود إلى 1.2% سنوياً، مقابل 3.94% بين الفلسطينيين، وفق إحصائية نشرتها صحيفة «ذا تايمز» البريطانية في وقت سابق، وبحسب معطيات تقرير لمعهد تخطيط الشعب اليهودي فإن عدد اليهود الذين يعيشون في العالم و«إسرائيل» يبلغ حالياً 13.1 مليون يهودي، منهم 5.4 ملايين داخل «إسرائيل»، و7.7 ملايين في باقي أنحاء العالم.

وبذلك تكون معالم اضمحلال الكيان الصهيوني قد بدأت ولم يعد لديه الأغلبية الديموغرافية على أرض فلسطين التاريخية، وهذا ما أكده الخبير الديموغرافي الإسرائيلي سيرجيو دو لا بيرغولا لوكالة فرانس برس قائلاً إن «الاتجاه واضح للغاية، أي قبل نهاية العقد الحالي سيصبح اليهود أقلية في الأراضي التي تضم «إسرائيل» والضفة الغربية وقطاع غزة». وأضاف الباحث المرموق: «السكان اليهود اليوم ليسوا غالبية إلا بشكل بسيط بين المتوسط ونهر الأردن».

بالتالي يكون المشروع الصهيوني قد خسر «المعركة الديموغرافية» في مواجهة الفلسطينيين الذين سيصبحون غالبية في فلسطين المحتلة (بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط) فيما يتراجع عدد المهاجرين اليهود إلى الدولة العبرية يوماً بعد آخر.♦