مجلة العودة

بمناسبة إجرائه في الضفة الغربية وقطاع غزة

 بمناسبة إجرائه في الضفة الغربية وقطاع غزة

التعداد السكاني: الأهمية الوطنية والتطور التاريخي

 

يوسف كامل إبراهيم/غزة*

 

أعلنت قبل شهرين نتائج التعداد السكاني الثاني في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، ونظراً لأهمية التعداد السكاني على المستوى الوطني، سنلقي الضوء هنا على نتائج التعداد الذي جرى مع نهاية عام 2007 وأهمية التعداد السكاني من الناحية الوطنية.

تعداد السكان

التعداد هو العملية الكليّة لجمع وتصنيف ومعالجة وتحليل وتقويم ونشر وتوفير البيانات الإحصائية عن أعداد السكان حسب الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية، في فترة مرجعية محددة ولجميع الأشخاص داخل حدود الدولة والمواطنين الموجودين خارج حدود الدولة بصفة مؤقتة. وتُختار لحظة زمنية محددة خلال الفترة المرجعية تسمى لحظة الإسناد الزمني.

يهدف تعداد السكان بشكل أساسي إلى التعرف إلى عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي وتوزيعاتهم وفق بعض الخصائص الأساسية المستقرة نسبياً بهدف التخطيط لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعادة ما تتطلب التحضيرات للتعدادات فترات طويلة قد تصل من 3 إلى 5 سنوات لإجراء التجارب القبلية وفحص الأدوات والخطط وتحديد الاحتياجات البشرية والمادية والبرامج الزمنية.

نتائج التعداد السكاني لعام 2007

 تبين من خلال النتائج الأولية لعملية العدّ الفعلية أن عدد السكان الذين تم عدّهم فعلاً في مناطق السلطة الفلسطينية هو (3,662,205)، وهذا يشكل 97.3% من مجموع السكان وفقاً لنتائج الدراسة البعدية. وقد بلغ عدد الأفراد الذين تم عدهم فعلاً في الضفة الغربية (2,274,929) مقابل (1,387,276) في قطاع غزة.

وحسب الجنس تشير النتائج الأولية إلى أن نسبة الجنس هي 103 ذكور لكل مائة أنثى، وهذا مؤشر أولي على أن نوعية البيانات جيدة ومنطقية عند مقارنتها مع دول أخرى، ولا سيما الدول التي تتشارك مع فلسطين في خصائصها الديموغرافية.

من خلال النتائج الأولية لعدّ السكان تبين أن عدد الأسر التي تم عدها فعلاً هو (629,327) أسرة، منها (414,635) أسرة في الضفة الغربية، و(214,692) أسرة في قطاع غزة. ومنها نستنتج أن متوسط حجم الأسرة في الأراضي الفلسطينية هو (5.8) بواقع (5.5) في الضفة الغربية و(6.5) في قطاع غزة.

المباني والوحدات السكنية

تمثل النتائج الأولية عدد المباني والوحدات السكنية التي تم حصرها خلال الفترة من 20/10/2007 إلى 10/11/2007، حيث تشير النتائج إلى أن عدد المباني في الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته «إسرائيل» عنوة بعيد احتلالها للضفة الغربية عام 1967 هو (473,951)، منها (325,260) في باقي الضفة الغربية وفي قطاع غزة (148,691) حيث يمثل عدد المباني في قطاع غزة ما نسبته (31.4%) من مجموع المباني. فيما بلغ عدد الوحدات السكنية (693,805) وهي في باقي الضفة الغربية (451,543) وحدة وفي قطاع غزة (242,262) وحدة، أي إن نسبة الوحدات السكنية في قطاع غزة هي (34.9%) من مجموع الوحدات السكنية الموجودة في باقي الضفة الغربية وقطاع غزة.

المنشآت الاقتصادية

 تمثل النتائج الأولية لتعداد المنشآت في أراضي السلطة التي تم حصرها خلال الفترة بين 20/10/2007 و10/11/2007، حيث إن عدد المنشآت في مناطق السلطة الفلسطينية (من دون محافظة القدس) قد بلغ (138,728) منها (95,318) منشأة في باقي الضفة الغربية و(43,410) منشأة في قطاع غزة. ومن هذه المنشآت هناك (119,547) منشأة عاملة على مستوى الأراضي الفلسطينية، تشمل القطاع الخاص والشركات الحكومية والقطاع الأهلي يعمل فيها (314,506) منها (83,582) منشأة في باقي الضفة الغربية يعمل فيها (216,654)، و(35,965) منشأة في قطاع غزة يعمل فيها (97,852). وتشكل المنشآت العاملة في قطاع غزة ما نسبته 30.1% من إجمالي المنشآت العاملة، ويعمل فيها ما نسبته 31.1% من إجمالي العاملين في المنشآت العاملة في أراضي السلطة الفلسطينية.

الأهمية الوطنية للتعداد السكاني

 التعداد العام والشامل للسكان عمل ديموغرافي، وهو مصدر معرفة حالة السكان، ويُعتبر من أهم مصادر الإحصاءات حولهم، إذ يغطي جميع البلاد ولا يقتصر على صنف معين من المجتمع السكاني، كما يوصف بأنه شامل باعتباره يشمل أفراد المجتمع السكاني المعدود كافة، لذلك يعتبر التعداد السكاني من أهم وأضخم العمليات الإحصائية وأكثرها اتصالاً بسياسة الدول ونشاطها، ذلك أن وضع الخطط القومية التي تتناول النواحي الاقتصادية والاجتماعية، يستلزم توافر البيانات الدقيقة الشاملة عن عدد وخصائص السكان، حيث يهدف تعداد السكان أساساً إلى توفير احتياجات قومية خاصة من البيانات الإحصائية، وهذه الاحتياجات هي العوامل الأساسية في تحديد محتويات التعداد. من أجل ذلك فإن أهداف مبادئ وتوصيات الأمم المتحدة في هذا الصدد، هي تحسين عمليات التعداد، ورفع قيمة نتائج التعداد التي تجمع بالنسبة إلى الأغراض القومية، وتؤكد تلك التوصيات الحاجة إلى جمع وتبويب تلك البيانات التي تلزم للبحث الديموغرافي، ولوضع برامج قومية للسياسة السكانية، والإسكانية، والصحة، والقوة البشرية، والتعليم، والغذاء، والتغذية، وتؤكد المبادئ أهمية تقويم دقة نتائج التعداد، وأهمية النظر في استخدام المعاينة في إجراء التعداد.

ويمكن تقسيم أهداف التعداد إلى:

1- الأهداف العامة:

- جمع ونشر المعلومات عن خصائص السكان الديموغرافية والاقتصادية وكذلك خصائص سكنهم.

- إعداد هذه المعلومات بدقة، وجعلها متاحة للاستعمال في الوقت المناسب (لإعداد السياسات الحكومية مثلاً).

2- الأهداف الإحصائية:

- قياس الأحوال السائدة في النمو السكاني والتغير في التوزيع العمري، بالإضافة إلى التغير في مدى التقدم العلمي.

- تخطيط البرامج الإنمائية: يستخدم التعداد كأساس في إعداد سياسات الدولة، حيث إن تخطيط برامجها (توزيع السكان وخصائصهم الاقتصادية والاجتماعية والسكنية أمرٌ مهم جداً من أجل اتخاذ التشريعات اللازمة للتطوير الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة تلك التي تهدف لتحسين فرص العمالة والصحة العامة... إلخ).

- إقامة القاعدة اللازمة لاتخاذ الإجراءات: تستند الدوائر الحكومية والمؤسسات إلى نتائج التعداد من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة.

- الدراسات والبحوث: وهو تحليل وتقويم نتائج التعداد ودراسة تكوين السكان وتوزيعاتهم والتغيرات التي تطرأ على السكان.

3- الأهداف التطبيقية:

- توفير الدراسات العينية: توفير القاعدة لتصميم العينة، فالتقديرات والاستعمالات أداة تساعد في اختبار التعدادات القادمة.

ونظراً لأهمية التعداد السكاني، يجب على جميع أفراد المجتمع توفير الإمكانات المطلوبة من أجل إنجاح هذه العملية الضخمة التي ترتبط فيها وتنبني عليها خطط التنمية وتطوير المجتمع، وعلى جميع مؤسسات السلطة الوطنية تذليل جميع العقبات، وعلى الجميع تسهيل مهمة الأفراد العاملين في التعداد من حيث الحصول على المعلومة، أو من خلال توفير الدعم اللوجستي لهم.

 

تاريخ التعدادات السكانية الفلسطينية

 إن الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين انعكست بشكل مباشر على عملية إجراء التعدادات السكانية، وعلى عملية توفير البيانات السكانية المختلفة. فمنذ أن بدأت الرحلات العلمية إلى الشرق في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ظهر في كتابات الرحالة تشديد على التناقض بين الحالة الفقيرة للبلاد، والآثار الضخمة والبقايا والمؤشرات التي تدل على حالة عمران ممتازة واستغلال أفضل للأرض في العهود السابقة. لكن الدراسات المفصَّلة التي تصل إلى مستوى القرية في فترة تاريخية محددة قليلة جداً.

هكذا فإن صورة الاستيطان البشري في تلك الفترات السابقة تبدو غامضة وغير محددة، لكن معظم الرحلات كانت في فترة متأخرة من نهاية القرن الثامن عشر، في الوقت الذي كانت الأوضاع العمرانية خلاله في فلسطين تشهد تراجعاً وانحساراً. وهكذا فإن ما أمكن جمعه وعمله لا يمكن أن يعكس صورة صادقة عن تاريخ العمران في فلسطين لفترات طويلة، ومن خلال استعمال مجموعة مصادر أصبحت متوافرة في السنوات الأخيرة، وهي دفاتر الضرائب العثمانية من نهاية القرن السادس عشر، أمكن توضيح صورة الاستيطان البشري في فلسطين كما كانت عليه آنذاك، وهذه المصادر هي دفاتر الضرائب العثمانية التي كانت مستعملة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر لكل سناجق (ألوية) الدولة العثمانية من أجل مراقبة مصادر الضرائب.

 

إن هذه الدفاتر المفصلة للولايات العثمانية استعملت خلال القرن السادس عشر، وكانت تجدد كل 30عاماً. وتذكر في هذه الدفاتر أسماء أحياء المدن والقرى والمزارع والجماعات البدوية. أما ترتيب ذكر هذه الأماكن في الدفاتر فهو أن الأماكن التي تذهب عوائد ضرائبها للسلطان تذكر في البداية، ومن ثم يَرِد ذكر الأماكن التي تدفع لأمير اللواء، وبعد ذلك يرِد ذكر الأماكن التي يأخذ أصحاب الزعامات والتيارات عوائدها. أما من حيث الترتيب الجغرافي فالأمكنة مرتبة حسب النواحي (الوحدات الإدارية الصغيرة). وقد سهل الترتيب الجغرافي حسب النواحي عملية التعرف وتعيين أماكن القرى الوارد ذكرها في الجداول. ولكل قرية (أو أي وحدة مالية أخرى) تكتب أسماء المكلفين بدفع الضرائب، أي الرجال البالغين. فإذا ضربنا هذا العدد بخمسة، وهو معدل وسطي لأفراد العائلة آنذاك، فإننا نحصل على عدد السكان التقريبي.

لقد تناول العديد من الباحثين والدارسين الخصائص الديموغرافية لسكان فلسطين منذ القرن السادس عشر أمثال برقان Barkanوهوتيروت Hotteroth Wولويس Lewis بالدراسة والتحليل معتمدين على دفاتر (سجلات تسجيل السكان) التي كانت تعمل بها الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت. وقد قدر عدد سكان فلسطين أواخر القرن السادس عشر بـ206.290 نسمة احتل لواء صفد المرتبة الأولى من حيث عدد السكان، إذ بلغ عدد سكان اللواء 82.570 نسمة، يليه لواء غزة الذي بلغ عدد سكانه 56.950 نسمة، ثم القدس 42.155 نسمة ونابلس 39.960، وكان عامل المطر هو العامل الأهم الذي يؤثر في توزيع السكان في فلسطين.

يلاحظ أن عدد سكان فلسطين قد شهد نمواً متزايداً حتى منتصف القرن السادس عشر، ثم بدأ في التراجع، ولكن ظل أكثر من الزيادة التي حدثت في عشرينيات هذا القرن. أما عدد سكان فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فقد قُدّر بـ640 ألف نسمة وذلك في عام 1896. ♦

في العدد القادم: واقع الإحصاءات السكانية في القرن العشرين

* أستاذ الجغرافيا والديموغرافيا في جامعة الأقصى