مجلة العودة

بمناسبة زيارة بوش لفلسطين

الجغرافيا والديموغرافيا عند الرئيس الأمريكي جورج بوش

يوسف كامل إبراهيم - غزة*

استحوذت الجغرافيا والديموغرافيا التي هي علم يهتم بدراسة السكان وخصائصهم على مساحة واسعة من تصريحات الرئيس بوش، حيث استخدم بوش الجغرافيا والديموغرافيا مراراً وتكراراً للمصالح السياسية الصهيونية، فقد تحدث بوش عن الدولة الفلسطينية وعن الاستيطان وعن حق العودة واللاجئين والمصالح الديموغرافية، فالمصالح الصهيونية الديموغرافية هي التي تم تغليبها على مصالح الشعب الفلسطيني المقهور المسلوبة أرضه والمسروقة مقدراته.

«تسوية» مجحفة

المتتبع لتصريحات بوش في لقاءاته مع الرؤساء والضيوف، يصل إلى أن الإدارة الأمريكية، التي تعتبر نفسها راعية للديموقراطية في العالم، غلّبت مصالح اليهود الديموغرافية على مصالح الشعب الفلسطيني، على الرغم من أن المشكلة الإنسانية تكمن لدى الطرف الفلسطيني، فهو الذي سرقت أرضه وسلبت ممتلكاته وتم طرده من قراه ومدنه، واليهودي هو الذي جاء من أصقاع الأرض واستولى على فلسطين واستحلّها وطرد أبناءها وشردهم في أصقاع الأرض. ولم يكتفِ بذلك، بل لاحقهم واستولى على الضفة الغربية وقطاع غزة واستوطنهما، وسيطر على أكثر من نصف الضفة الغربية وثلث قطاع غزة. ورغم كل قرارات الشرعية الدولية بالاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه بالعودة، ورغم أن عملية التسوية اقتصرت على جعل حدود عام 1967 هي الحدود الأوسع للدولة الفلسطينية المفترضة، إلا أن الصهاينة سارعوا بفرض الوقائع الجغرافية على الأرض باستيطانهم على أرض الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع مرور الزمن وتغير الواقع الدولي، استغل الصهاينة هذه الظروف بفرض وقائع جغرافية لتضيق المساحة التي من الممكن إقامة الدولة الفلسطينية عليها، على الرغم من أن الواقع الديموغرافي هو الأكثر تعقيداً لدى الطرف الفلسطيني والأكثر نمواً.

في المقابل، إن المساحة التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني هي أضعاف مضاعفة من المساحة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني (80% من فلسطين)، على الرغم من أن النمو السكاني عند اليهود أقل بكثير من النمو السكاني عند الفلسطينيين، فالنمو السكاني لدى الطرف الفلسطيني يصل إلى ما نسبته 6% سنوياً، في حين أن نسبة النمو السكاني لدى الطرف الإسرائيلي 2%. صحيح أن المشكلة ديموغرافية –كما قال بوش وقبله شارون- ولكن ليست على «إسرائيل» التي تحتل أكثر من 80% من مساحة فلسطين التاريخية، بل المشكلة عند الشعب الفلسطيني الذي سيصل في غضون أعوام بسيطة إلى نفس عدد اليهود، ولكن على ما مساحته 15-20% من مساحة فلسطين حسب الواقع الجغرافي الذي تحدث عنه بوش، فبوش الذي نادى سابقاً في العقبة بأن تكون «إسرائيل» دولة يهودية خالصة لليهود، يؤكد اليوم أن الحل يجب أن يُبنى على أسس ديموغرافية وعلى أسس الواقع الجغرافي والمتغيرات التي حدثت على الأرض والتي فرضتها قوة الاحتلال.

تعهدات بوش

في نيسان/ أبريل من عام 2004، قال الرئيس الأمريكي جورج بوش، في ختام لقائه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون في البيت الأبيض: «إن حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سيكون في الدولة الفلسطينية، لا في إسرائيل»، وفي تطرقه إلى مسألة حدود الدولة الفلسطينية مستقبلاً، قال بوش: «إن الواقع على الأرض قد تغير بشكل جوهري، ويجب أن ينعكس في أية تسوية سلمية مستقبلية. ليس واقعياً أن ننتظر من إسرائيل أن تعود إلى خطوط الهدنة لعام 1949، كجزء من الحل. إن الواقعي هو أن يتم التوصل إلى اتفاق كهذا على أساس تغييرات تعكس هذا الواقع. أدعو الفلسطينيين والدول العربية إلى الرد ببادرة شجاعة من جانبهم».

دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش في بيان ختامي لنهاية زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بواسطة إقامة جهاز دولي يشتمل على تقديم تعويضات للاجئين الفلسطينيين.

وفي هذه السنة، نقل المراسل السياسي في التلفزيون الإسرائيلي (القناة الثانية) أودي سيغل عن وزيرة الخارجية الإسرائيلية قولها إن عودة لاجئين فلسطينيين إلى داخل «إسرائيل» يعتبر خطاً أحمر ولن تسمح «إسرائيل» بعودة أي لاجئ فلسطيني إليها..

فيما نقل موقع صحيفة «هآرتس» عن مستشار الأمن القومي الأمريكي ستيف هادلي أن الرئيس الأمريكي جورج بوش سيعود لزيارة «إسرائيل»، ولكن هادلي لم يُدْلِ بأهداف زيارة بوش خلال العام الحالي 2008. يشار هنا إلى أن دعوة إسرائيلية وجهت للرئيس الأمريكي جورج بوش لزيارة المنطقة لحضور احتفالات الكيان الصهيوني بمناسبة مرور 60 عاماً على قيامه.

وبناء على ما يصرح به الرئيس بوش في أكثر مؤتمر صحفي، وما يتم طرحه، نجد أن الرؤية الأمريكية الإسرائيلية تتمحور في أربع قضايا أساسية، هي:

1- تأكيد التمسك بخريطة الطريق، والتزام واشنطن الامتناع عن دعم أي مبادرة سياسية أخرى.

2- حق اللاجئين بالعودة إلى الدولة الفلسطينية. وبكلمات أخرى: رفض السماح بعودتهم إلى داخل الخط الأخضر.

3- يقدر الرئيس الأميركي أن اتفاق الحل الدائم سيأخذ في الاعتبار المتغيرات الديموغرافية التي طرأت على الأرض، ما يعني، بكلمات أخرى، مساندة الإدارة الأميركية لرفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وبالتالي الاعتراف بضم الكتل الاستيطانية الكبرى التي تريد «إسرائيل» الاحتفاظ بالسيطرة عليها.

4- إضافة إلى ذلك، تتعهد الإدارة الأميركية مساندة أي عدوان «إسرائيلي» مستقبلي على الفلسطينيين تحت ستار «المطاردة الساخنة».

فأي حل لقضية اللاجئين في حدود الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها الرئيس بوش والتي تصل فيها الكثافة السكانية إلى حوالى 3000 نسمة في الكيلومتر المربع (بدون عودة للاجئين إلى قطاع غزة الذي تصل الكثافة السكانية في بعض مخيماته إلى 8000 نسمة كما هو الحال في مخيم جباليا)؟!

وأي عودة للاجئين إلى الضفة الغربية التي لم يبقَ منها سوى 50% من مساحتها يسكن به ما يقرب من مليون وثمانمئة ألف نسمة مقابل النصف الآخر من الضفة يسكن فيه فقط ما يقرب من ربع مليون مستوطن؟!

أي دولة فلسطينية التي تحدث عنها بوش؟!

أهي الدولة المحاصرة براً وجواً وبحراً في غزة؟!

أهي الدولة المسيطر على أكثر من 55% من أراضيها في الضفة الغربية؟!

أين هي الدولة بعد الانتهاء من الجدار الفاصل الذي يلتهم أكثر من 15% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى السيطرة على مصادر المياه؟!

أين هي الدولة التي يحق لـ«إسرائيل» أن تستبيح أراضيها في أي وقت تشاء وفي أي مكان تشاء؟!

أين هي الدولة التي يسمح بمحاصرة بحرها وهو مصدر رئيس من مصادر الرزق في قطاع غزة؟!

أي دولة هي التي لم يتحدث عن عاصمتها القدس ولو بكلمة واحدة؟!

أي دولة هي التي تحدث عنها بوش وركز في تصريحاته علـــــى الاعتبــارات الديـمـــوغـــــرافية ومن أجلهـا يُحرم اللاجئـون العـــــودة إلى قراهم ومدنهم، وفي الوقت نفسه يُوافَق على تسمين المستوطنات والكتل الاستيطانية التي تلتهم أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية؟!

هل الديموغرافيا لليهود تختلف عن الديموغرافيا للفلسطينيين، وهو يعلم أن الشعب الفلسطيني سيصبح الأكثرية على أرض فلسطين التاريخية في السنوات القليلة القادمة، وربما حصل التفوق الديموغرافي؟!

أين حقوق الإنسان لأكثر من أربعة ملايين ونصف مليون لاجئ مشردين في دول الشتات؟!

أهي العدالة أن ينصر المعتدي وأن يزداد الظلم على المظلوم المقهور؟!

الأصل في الاعتبارات الديموغرافية والجغرافية أن تؤخذ على أساس الأطراف جميعها، لا على أساس طرف على حساب آخر، هذا هو علم الجغرافيا والديموغرافيا. ♦

* أستاذ الجغرافيا والديموغرفيا في جامعة الأقصى